إنها خفيفة بما يكفي لكيي تستقر على سطح عشبي زغب ، مقاومة للحرارة بشكل مدهش، ويمكن سحقها مثل حلوى الخطمي (المارشميلو). كما أنها قطعة من السيراميك.
في دراسة نشرت في مجلة Science Advances يوم الجمعة الماضي، في 2 يونيو، يصف باحثون نوعاً جديداً من الاسفنج السيراميكي (الخزفي) يمكن تصنيعه بسرعة وبطريقة اقتصادية، دون أي يعاني أي نوع من الهشاشة التي يعرف بها السيراميك الاستهلاكي النموذجي (مثل بلاط الحمام، أو الأحصنة الخزفية وحيدة القرن).
يعتبر السيراميك (أو الخزف) مادة جذابة للاستخدام في العديد من مجالات التصنيع، لأنها تتمتع عادة بالقوة، حتى لو كانت هشة إلى حد ما، وملائمة لمجموعة متنوعة من المنتجات. مؤخراً، تمكن باحثون من ابتكار سيراميك يمكنه اختزان (وتحرير) الحرارة، وسيراميك قوي وشفاف يمكن استخدامه في الدروع، وحتى سيراميك يمكنه أن ينثني.
مع ذلك، تنفرد هذه المادة الجديدة بخصائص فريدة من نوعها. فهي خفيفة الوزن للغاية، وذلك بفضل ألياف السيراميك النانوية بالغة الصغر المغزولة معاً على شكل قطعة من الاسفنج. بدلاً من اتباع طرق أكثر كلفة واستهلاكاً للوقت، مثل الطباعة المجسمة (ثلاثية الأبعاد) أو الغزل الكهربائي، قام الباحثون في جامعة تسينغ-هوا الصينية بتطوير طريقة للإنتاج تسمى الغزل بالنفخ البثقي للمحلول. كيفية عمل هذه الطريقة: يتم نفث محلول السيراميك داخل قفص للغزل عبر فوهة بالغة الصغر، حيث يتراكم مثل خيوط رفيعة من غزل البنات. النتيجة الحاصلة هي عبارة عن مادة منفوشة خفيفة الوزن، وتبدو مثل كرة من القطن، أو قطعة من حلوى الخطمي.
عندما تضغط على قطعة السيراميك هذه - بدلاً من تحطمها أو بقائها بشكل متماسك وصلب – فإنها تُسحَق لتعود بعد ذلك إلى ما يشبه شكلها الأصلي.
يقول هواجيان غاو، الكاتب المسؤول عن الورقة العلمية، في تصريح له: "إن السؤال العلمي الأساسي الذي حاولنا الإجابة عنه هو: كيف يمكننا أن نصنع مادة قابلة للتشوه بشكل كبير ولكنها مقاومة في الوقت نفسه لدرجات الحرارة المرتفعة". ويضيف: "توضح هذه الورقة العلمية أن بإمكاننا تحقيق ذلك عبر حياكة ألياف السيرامك النانوية على شكل قطع من الإسفنج، وأن الطريقة التي نستخدمها للقيام بذلك غير مكلفة، وقابلة للتوسع لإنتاج كميات كبيرة من هذه المادة".
قام المهندسون بصناعة الاسفنج من بضعة أنواع مختلفة من السيراميك، بما في ذلك ثنائي أوكسيد التيتانيوم، وثنائي أوكسيد الزركونيوم. من المعروف أن هذه الأنواع من السيراميك تشكل مواد عازلة جيدة للغاية، ولذلك قرر الباحثون اختبار مقاومتها للحرارة.
حيث أخذوا بتلات من الأزهار ووضعوها على مجموعة متنوعة من المواد، بما في ذلك الحديد، رغوة أوكسيد الألمنيوم، وعلى إسفنجة السيراميك الجديدة المصنوعة من ثنائي أوكسيد الزركونيوم. بعد مضي 10 دقائق وهي تتوضع فوق عناصر تم تسخين كل منها إلى 400 درجة مئوية، كانت البتلات التي تعلو كافة المواد المختلفة عن إسفنجة السيراميك قد احترقت تماماً. أما البتلة التي لا يفصلها عن الصفيحة الساخنة سوى 7 ملليمترات من المادة، فبعد مضي 10 دقائق من توضعها على قطعة الإسفنج، لم يصبها شيء سوى أنها ذبلت قليلاً.
ليس هذا فقط، فبعد مضي ساعة فوق صفيحة التسخين، وصلت درجة الحرارة في الجزء العلوي من قطعة الإسفنج إلى 93 درجة مئوية فقط. يأمل الباحثون لخصائص مقاومة الحرارة أن تتمكن من جعل هذه المادة عازلاً ممتازاً، وحتى إمكانية استخدامها في ملابس رجال الإطفاء، حيث تمثل معايير الوزن، المرونة، ومقاومة الحرارة أهمية قصوى.
سبق أن تم صنع مواد سيراميكية قابلة للانثناء، ومقاومة للنار، ولكنها كانت أكثر شبهاً بالمناديل الورقية منها بكرات من القطن، وتركزت صناعتها بشكل أكبر على الإلكترونيات أكثر من الاعتماد على تطبيقات أخرى.
خفة الإسفنج هذه لها فوائد أخرى أيضاً: فبإمكان الإسفنج السيراميكي المصنوع من ثنائي أوكسيد التيتانيوم أن تختزن من الماء ما يعادل 50 ضعفاً من وزنها. في الواقع، يمكنها أن تنقي هذا الماء أيضاً، عبر تفاعلها مع أشعة الشمس لإزالة ما يشوبه من الجسيمات. في بعض التقانات الحديثة المستخدمة في تصفية المياه، يعمل ثنائي أوكسيد التيتانيوم على إزالة الملوثات من الماء حيث يكون على شكل مسحوق، وهو ما يصعب عملية استخدامه من جديد. أما في حالة الشكل الإسفنجي الجديد، ما يزال بإمكان المركب أن يتفكك على شكل صباغ اصطناعي في الماء بعد تعرضه للضوء لمدة 15 دقيقة فقط. بعد انتهاء المعالجة، يمكن سحب الماء النقي، ليصبح بالإمكان استخدام الإسفنجة مرة أخرى.
بالتأكيد لن ترى في وقت قريب إسفنجات سيراميكية على الرفوف بجانب إسفنجات تنظيف الصحون العادية، فرغم أن هذه الدراسة أثبتت أن صناعة هذه المواد أمر ممكن، ولكن ستتبعها خطوة أخرى قبل أن يتم تسويقها وتطبيقها.