واجه لويس برايل صعوبات في تعلم القراءة والكتابة. ففي حين كان الكثير من الأطفال يبذلون جهدهم في القراءة، أصيب برايل بالعمى في سن الثلاثة جراء عدوى التقطها من ورشة صناعة الجلود التي يملكها والده. وبما أنه كان عاجزاً عن رؤية الكلمات على الصفحة، لم يتبق أمامه حل لتعلم القراءة والكتابة إلا استعمال أصابعه.
ولأن نظام الاتصالات المتاح في ذلك العصر (كان معظم العميان يستعملون نظام آوي (Haüy system) حيث كانت الحروف اللاتينية تنقش على الورقة)، شرع برايل في تطوير نظام لمسي للكتابة خاص به وهو لا يزال طفلاً. وعندما بلغ الخامسة عشر، كان قد أنشأ نظاماً بسيطاً وفعالاً من النقط والمسافات تحتويها خلايا متراصة تسمح للقارئ أن يدرك كل حرف بلمسة واحدة.
ومنذ اختراع هذا النظام سنة 1829، ظل خط برايل نظام التواصل اللمسي السائد في العالم. عُدّل هذا النظام بطبيعة الحال ليوائم عشرات اللغات المختلفة، وأتاح لعدد لا يحصى من الناس القراءة والكتابة. غير أن نظام برايل، الذي تقرأ به نسبة أقل من 10 بالمئة من العميان أو شديدي نقص النظر، نظام تعتوره الكثير من النقائص. ولهذا السبب، وبعد 200 سنة تقريباً من اختراع طريقة برايل، قرر أندرو تشيبتيس أن يتجاوزها كلياً.
يشغل تشيبتيس منصب الرئيس التنفيذي ومدير شركة إليا (ELIA). وطيلة عشرين عاماً تقريباً، عمل هو وزملائه على تطوير نظام تعليم لمسي جديد يكون أكثر سهولة ويسراً من طريقة برايل التقليدية.
"يكمن السبب في استعمال طريقة برايل للنقط لأن أسهل طريقة لإنشاء أبجدية لمسية هو مسك رأس القلم والضغط به على قطعة من الورق". يقول تشيبتيس ويضيف: "وهذه طريقة رائعة ولا شك. وقد أحدثت ثورة حقيقية في زمنها". غير أن تشيبتيس يقول بأن التكنولوجيا تطورت كثيراً ولم تعد تقتصر على الورقة والقلم، ولذلك لا بد على الخطوط اللمسية أن تتطور هي كذلك.
تخلى تشيبتيس عن نقاط خط برايل لصالح نظام من الرموز النافرة تتكون من الخطوط المستقيمة والمنحنية. وفي حين يستند خط برايل إلى رموز عسكرية إلى حد ما، فإن خط إليا يحاكي شكل حروف اللغة الانجليزية الاعتيادية كلما كان ذلك ممكناً. على سبيل المثال، يشبه حرف C في خط إليا حرف C في الأبجدية العادية، باستثناء أن حرف C في خط إليا نافر عن سطح الورقة. لكن بالنسبة لحرف مثل W، الذي يمكن أن يربك القارئ اللمسي عما يمثله بالضبط (هل هو V؟ أم حرفا V؟ أم حرف W)، فإن خط إليا يغيّر شكل هذا الحرف كلياً. في نظام إليا، يُمثل حرف W بصندوق صغير مع إسفين مثلث في أسفله، مما يشكل أساساً تبسيطاً للتعرج الذي نجده في حرف W القياسي.
بعد ست سنوات من البحث المستمر*، أطلقت شركة إليا حملتها على منصة كيكستارتر (Kickstarter) في 18 أبريل، وذلك لجذب الانتباه والاهتمام بعملها وجمع الأموال اللازمة لإنتاج إطارات نظامها اللمسي للقراءة. كما أعلنت الشركة أيضاً عن نيتها في صنع طابعة HP مخصصة لطباعة خط إليا، من المقرر إطلاقها هذا الخريف. ومن خلال هذه الطابعة HP المخصصة، حيث تحفز الآلة تفاعلاً كيميائياً ينفث الحبر على الورقة في المواضع المطلوبة، سيتاح للقراء العميان أن يشعروا بملمس الحروف على الصفحة. وبهذه التكنولوجيا، يأمل تشيبتيس أن يحل العديد من المشاكل التي تواجه الأنظمة اللمسية الحالية.
ومع أن الآلاف من الناس يقولون أن خط برايل غيّر حياتهم كلياً، إلا أنه من ناحية إحصائية بحتة، نجد أن تأثير طريقة برايل محدود إلى حد ما. وتفيدنا الإحصائيات بأنه من واقع 8.4 مليون شخص يعاني من قصر النظر الحاد في الولايات المتحدة، لا يقرأ إلا 100,000 منهم فقط خط برايل. وأولئك الذين يتقنون خط برايل، ترتفع حظوظهم في التخرج من الثانوية العامة وتأمين وظيفة لحياتهم. إلا أن البقية محكوم عليها بالمعاناة، وكما يقول تشيبتيس "معظم أولئك الذين يتقنون برايل ولدوا عمياناً، في حين أن 99% من الأشخاص العميان يفقدون بصرهم في وقت لاحق من حياتهم ".
وللأسف من الصعب تعلم خط برايل في وقت لاحق من فقدان البصر. ومع أن الاتحاد الوطني للعميان يقدم دورات في تعلم طريقة برايل وغيرها من الأدوات المناسبة لضعاف البصر. إلا أن كل دورة تستغرق من ستة إلى تسعة أشهر. بعد هذه المدة، يقول الاتحاد أن معظم الأشخاص المنتسبين للدورة يصبحون بارعين في استخدام طريقة برايل في حياتهم اليومية، إلا أن بعضهم يستمر في معاناته من ناحية سرعة الاستيعاب والقراءة. فيما لا يتعلم البعض الآخر طريقة برايل أبداً.
من ناحية أخرى، تسعى شركة إليا لبناء نظامها على الأبجدية القياسية، وذلك لمساعدة الناس الذين أصيبوا بالعمى في وقت لاحق من حياتهم، وإراحتهم من عناء أن يتعلموا نظاماً جديداً بالكلية عنهم. وبهذا الصدد، يقول تشيبيتيس "لقد قضى هؤلاء الناس سنوات في تعلم الأبجدية العادية، ولا داعي لهدر هذا الجهد هباءً"، لم يكتفِ فريق إليا بالنظام اللمسي فقط بل اخترع أيضاً ابتكارات أخرى على أمل جعل أبجدية إليا أسهل استخداماً. يأتي خط إليا بحجم أكبر من خط برايل القياسي، وذلك لأن البحوث التي أجرتها الشركة أظهرت أن تكبير حجم الخط حتى وإن كان ببضع ملمترات فقط يساعد على رفع سرعة قراءة المتلقي. كما تم أيضاً توسيع المسافة بين الحروف، وذلك لضمان عدم الارتباك وتعزيز الوضوح. وهذا ما يعني أن أبجدية إليا، خلاف خط برايل، لا يمكن قرائتها دائماً بتمريرة واحدة بالإصبع. لكن الشركة تقول أن هذا الأمر لا ينبغي أن يمثل عائقاً: وذلك لأن الميزة الكبيرة لهذا النظام اللمسي تتمثل في إمكانية تعلمه خلال ثلاث ساعات فقط.
ورغم كل هذا التعب والجهد المبذول والعمل المضني الذي قام به فريق إليا، إلا أنه لا يمكن ضمان نجاح هذا النظام اللمسي. "لن أخفي عليكم الأمر. نحن ندافع عن طريقة برايل في الاتحاد الوطني للعميان" يقول كريس دانيالسن، مدير العلاقات العامة للاتحاد. ومع أن دانيالسن يرى أن نظام إليا قد يكون مفيداً لبعض الأشخاص، إلا أنه ظل متشككاً في قدرة هذا النظام على استبدال طريقة برايل. فيما يقول فريق إليا أن خطهم الأكبر حجماً ومسافاته الأوسع أفضل لعملية الاستيعاب والقراءة، إلا أن دانيالسن يرد بأن أهم مزايا برايل تكمن في أن كل حرف يمكن استيعابه بلمسة واحدة فقط.
من ناحية أخرى، هناك صعوبات أخرى عندما يتعلق الأمر بالكتابة. في الوقت الحالي، يملك الأشخاص الذين يعتمدون على خط برايل ثلاثة خيارات تقريباً. يستطيعون الكتابة بواسطة قلم غير مكلّف، حيث يبيعه الاتحاد بثمن 10 دولارات فقط للقلم؛ أو الاعتماد على آلة برايلر ذات المفاتيح الستة، والتي هي عبارة عن آلة كاتبة لمسية، أو شراء طابعة خاصة بطريقة برايل. أما حل شركة إليا فيتمثل في طابعة حبر HP خاصة، من المقرر البدء في إنتاجها لاحقاً هذا العام. ومع أن تشيبيتيس متحمس بشأن هذا التصميم الثوري، إلا أن دانيالسن قلق بشأن السعر. يعتبر قلم الكتابة الذي يكلف 10 دولارات حلاً اقتصادياً أكثر من شراء طابعة حبر خاصة، حيث يصل سعرها الآن إلى 200 دولار في نسختها العادية غير المخصصة.
"إنني أحترم وجهة نظر الأشخاص الذين يخالفوننا في الرأي ويرون أن مساعينا غير مجدية" يقول تشيبيتيس. مع ذلك، يواصل تشيبيتيس إيمانه بأن إيجابيات نظام إليا اللمسي أكثر بما لا يقاس من سلبياته. يرى تشيبيتيس بأن نظام إليا سيساعد على رفع مستويات الاستيعاب وسرعة القراءة بين مستخدميه. كما يأمل أيضا أن الطابعة، التي أخذت لوحدها من فريقه سنوات في تطويرها، ستحسن من تكنولوجيا طباعة الصور اللمسية. وفي حين أن خط برايل لا يمكنه تصوير إلا بضعة ملامح من الصور، كتفاصيل إحدى الخرائط مثلاً، فمن المحتمل أن تلقى طابعة إليا النافثة للحبر نجاحاً أكبر في هذه الناحية. وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فمن المرجح أن يتمكن الأطفال المصابون بضعف البصر ليس من قراءة الكلمات في الكتب المدرسية وحسب، بل استيعاب الجداول المختلفة والرسوم البيانية والتوضيحية كذلك.
والأهم من كل هذه المزايا، يرى تشيبيتيس أن نظام إليا طريقة ممتازة للم شمل العائلات معاً. لأنه حتى إن أتقن المرء الذي يعاني من ضعف البصر الشديد طريقة برايل، سيعاني أفراد عائلته الآخرين في تعلم برايل والتواصل معه بفعالية. ولأن نظام إليا مبني على الأبجدية الانجليزية القياسية، تتميز طريقة إليا بإمكانية قرائتها سواءً بالأصابع أو بالعيون. ونتيجة لذلك، ترى شركة إليا أن نظامها أسهل من ناحية التعلم للأشخاص المبصرين من الأشخاص المصابين بضعف البصر الشديد. "في حال فقدت أمك –لا قدر الله- بصرها، ووضعت ملصقات على الطعام المعلّب، فستتمكن أنت أيضاً من قراءتها" يقول تشيبيتيس.
وسواء ألاقت شركة إليا النجاح أو الفشل فهناك شيء وحيد مؤكد وهو أن لويس برايل لن يمانع من المنافسة الشريفة معه. فقد قال ذات مرة "إن التمكن من التواصل في معناه العام يعني التمكن من الوصول إلى المعرفة". ورغم كل تلك المقاومة والتثبيط اللذان تعرضت لهما شركة إليا، فإن نظامها لن يمثل شيئاً إن لم يكن يمثل طريقة أخرى لتوسيع خيارات التواصل أمام العميان وضعيفي البصر.