طائرات خاصة من ناسا لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج

6 دقائق
كيف تستخدم وكالة ناسا الطائرات المطاردة للعواصف لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج؟
التُقطت هذه الصورة في 29 يناير/كانون الثاني 2022 في الساعة 12:21 مساءً، عندما كان «الإعصار المتفجر» يصل إلى ذروته. تلقت بعض مناطق الساحل الشرقي في الولايات المتحدة ثلوجاً وصل ارتفاعها إلى 75 سنتيمتراً. منذ عام 2020، تدرس إحدى مهمّات وكالة ناسا الطقس الشتوي القاسي مثل هذا من داخل العاصفة. حقوق الصورة: إن أو إيه إيه.

في الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط 2022، غطّت عاصفة ثلجية كبيرة الساحل الشرقي للولايات المتحدة بطبقة من الثلوج الناعمة. في بعض الأماكن، تجاوزت سرعة الرياح 112 كيلومتراً في الساعة، بينما تراكمت الثلوج على طبقات الجليد التي يتجاوز سمكها 30 سنتيمتراً. لكن حتى في الوقت الذي أدت فيه الرياح العاتية وانخفاض مستوى الرؤية إلى توقف أكثر من 5000 رحلة جوية في المطارات في جميع أنحاء الشمال الشرقي من الولايات المتحدة، ظلت طائرتان صغيرتان مزودتان بأجهزة استشعار ومعدات علمية تطيران في الجو، وتطاردان العاصفة التي اجتاحت ساحل المحيط الأطلسي.   

كان على الطيارين والفنيين والباحثين على متن الطائرتين التحكّم بهما وبالأدوات على متنيهما في نفس الوقت، مع الاستماع بعناية لتوجيهات أعضاء الفريق على الأرض. تقول «ساندرا يوتر»، خبيرة الطقس والمناخ في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، والتي كانت عالمة المهمّة الرئيسية التي أشرفت على الرحلة من الأرض: «تخيّل أنك تحصل على دفق مستمر من المعلومات وأنت في طائرة تعاني من اضطراب جوي داخل عاصفة ثلجية»، وتضيف: «هذا الأمر متطرف للغاية، ويعود أعضاء المهمة مرهقين للغاية من هذه الرحلات».  

كانت الرحلة جزءاً من جولة ثانية من تجارب مطاردة العواصف الجوية التي بدأت في عام 2020، والتي أُجريت ضمن تحقيقات وكالة ناسا في ظروف الفيزياء الدقيقة وهطول الأمطار والعواصف الثلجية التي تهدد ساحل المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة، أو مهمة «إمباكتس» اختصاراً. تحلق طائرتا البحث عبر الغيوم وفوقها، وتتمتّعان بميزة فريدة تتمثل في جمع البيانات مباشرة من العواصف الثلجية، ما يعطي منظوراً جديداً لكيفية تشكل هذه الظواهر وتطورها.  

كيف تستخدم وكالة ناسا الطائرات المطاردة للعواصف لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج؟
في قاعدة والوبس، فيرجينيا، يتلقى أعضاء مهمة إمباكتس موجزاً عن سلامة الطيران على متن طائرة «بي-3»، إحدى الطائرتين المستخدمتين في المهمة. حقوق الصورة: وكالة ناسا/إمباكتس إسبو.

من خلال فهم طبيعة هذه العواصف الشتوية، يستطيع هذا الفريق من علماء الغلاف الجوي المساعدة في تحسين التنبؤات بمستويات تساقط الثلوج التي يحتمل أن تكون خطرة. تقول «لِن ماكموردي»، أستاذة البحث المشاركة في جامعة واشنطن، والباحثة الرئيسية في مهمة إمباكتس: «نحن نعرف الكثير عن البنية العامة للعواصف، ولكن ما لا نعرفه هو سبب اختلاف كثافة الثلوج بين العواصف المختلفة». يركز المشروع على أحداث الطقس الشتوية في خطوط العرض الوسطى في شمال شرق الولايات المتحدة. تحدث عواصف خطوط العرض الوسطى على مدار العام، لكنها تكون أضعف في الصيف، وعادة ما تؤدي إلى هطول أمطار لأن درجة الحرارة الأعلى في الغلاف الجوي السفلي تذوّب الثلوج عند تساقطها، كما توضّح ماكموردي. 

اقرأ أيضاً: من الكوكب الأحمر: أول تقرير لحالة الطقس خارج كوكب الأرض  

ربط تساقط الثلوج بظاهرة جوية شتوية محيّرة

غالباً ما تجعل العواصف الثلجية في الشمال الشرقي السفر أمراً خطيراً، وتسبب انعدام القدرة على الرؤية، وتخلق ظروفاً طارئة. لكن التنبؤات الجوية شهيرة باحتوائها على فجوات كبيرة، وهذا يشمل التنبؤات المتعلقة بالعاصفة الأخيرة. تقول ماكموردي، والتي عملت أيضاً في التحكم الأرضي ضمن مهمة إمباكتس: «كانت العواصف تحدث في كل مكان»، وتضيف: «كنا نعلم أنها قادمة. لكننا لم نكن نعرف الكثير عنها، هل ستمسح مدينة نيويورك؟ إلى أي مدى ستصل في الداخل؟ هل ستبقى كلها في المناطق الساحلية؟».      

وفقاً ليوتر، غالباً ما يكون من الصعب التنبؤ بتوقيت العواصف الثلجية والمناطق الأكثر تضرراً بها، خاصة عند رصد الطقس قبل العواصف بوقت طويل. تقول يوتر: «في كثير من الأحيان، عندما تقرأ توقعات لعاصفة ثلجية، ستنص التوقعات على أن سماكة الثلوج ستصل إلى 3.5-20 سنتيمتراً، ومن المتوقع أن يبدأ الثلج في وقت ما في فترة ما بعد الظهر ويستمر حتى المساء. هذا مجال واسع للغاية».   

تتمثل إحدى طرق زيادة دقّة نماذج التنبّؤ بالطقس في فهم ظاهرة جوية غير مدروسة بما يكفي: الأحزمة الثلجية. يمكن لهذه الأحزمة الطويلة والضيقة إلقاء كميات كبيرة من الثلوج والأمطار في أعقابها. تقول ماكموردي: «كنا ندرك دائماً أن توزيع الهطول في العواصف، سواء كان المطر أو الثلج، ليس متساوياً»، وتضيف: «لا تتساقط الثلوج أو الأمطار بشكل متساو في جميع المناطق ضمن عاصفة واحدة. والأحزمة هذه يمكن أن تتسبب بعدم التجانس هذا».    

كيف تستخدم وكالة ناسا الطائرات المطاردة للعواصف لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج؟
التقط مقياس طيف التصوير معتدل الدقّة، والموجود في قمر «تيرا» الاصطناعي التابع لوكالة ناسا، هذه الصورة للحزام الثلجي في 4 يناير/كانون الثاني 2022. شهدت أجزاء من جنوب فيرجينيا وجنوب ماريلاند بعضاً من أعلى التراكمات الثلجية، إذ تجاوزت سماكة الثلوج 27 سنتيمتراً في المقاطعات. حقوق الصورة: مرصد الأرض التابع لوكالة ناسا.

بشكل عام، هناك نوعان شائعان من الأحزمة الثلجية: الأحزمة الأساسية، والتي غالباً ما تكون طويلة جداً ويمكن أن تغطي عدة ولايات، والأحزمة المتعددة، والتي تأخذ شكل سلسلة من الصفوف الأصغر، وتكون بحجم مقاطعتين تقريباً. توضح يوتر أن نوع الحزام الثلجي ومدى نشاطه قد يؤثران في تراكم الثلوج في مدينة واحدة، في حين أن البلدة المجاورة لا تتلقّى الكثير من الثلوج. لكن كلا النوعين يمكن أن ينتج عنه الكثير من الهطول.  

هذا هو سبب دراسة الفريق لما إذا كانت خصائص الجسيمات في السحب، مثل الحجم ومحتوى الماء والكمية، قد تساهم في تشكيل أحزمة ثلجية تتسبب في تساقط كثيف للثلوج. تقول ماكموردي: «يعتقد الجميع أن الثلج دائماً هو عبارة عن بلورات جميلة نجمية الشكل، لكنه في الواقع غير مرتّب للغاية»، وتضيف: «أحد الأشياء التي يمكن أن تحدث هو أن يتحرّك الهواء للأعلى أثناء العواصف، وأن تكون العواصف شديدة للغاية. عندما يرتفع الهواء، فهو يبرد ويتكثّف، ويُشكّل قطرات ماء صغيرة في السحب».    

وفقاً لماكموردي، تلتصق قطرات الماء الصغيرة هذه على جزيئات الجليد الأخرى في السحب مكوّنة الثلج، والذي يتم استشعاره بواسطة انعكاس موجات الرادار في التنبؤات الجوية. لكن ازدياد كثافة ألوان الرادار لا يشير بالضرورة إلى ازدياد معدل تساقط الثلوج في منطقة ما. توضح ماكموردي: «هناك الكثير من العوامل التي تؤثر في ذلك»، وتضيف: «[قراءات الرادار الساطعة] قد تعني فقط وجود جزيئات ثلجية أكبر حجماً».   

كيف تستخدم وكالة ناسا الطائرات المطاردة للعواصف لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج؟
جزيء ثلجي صوره فريق مهمة إمباكتس في رحلة في 17 يناير/كانون الثاني 2022 فوق ولاية نيويورك. يُظهر الجسيم الشبيه بالتشعبّات عملية التغطية، والتي تلتصق فيها قطرات الماء (النقاط الصغيرة على السطح) ببلورات الثلج الموجودة في السحب وتتجمّد عليها. حقوق الصورة: لِن ماكموردي/ وكالة ناسا/ إمباكتس إسبو.

تقول يوتر إنه بمجرد أن يتشكل الثلج في السحب وفي أحزمة الغلاف الجوي، فقد يستغرق الأمر ساعة أو ساعتين حتى يصل إلى الأرض. عندما يسقط الثلج عبر أوساط مختلفة في السماء، يمكن أن يتحول، ما يمنح الباحثين المزيد من الأدلة حول ظروف العواصف الثلجية.  

تقول ماكموردي: «تعتبر كل عاصفة مميزة»، وتضيف: «بعض العواصف لا تمتلك بنية حزامية للغاية، لكنها تنتج الثلوج بكثافة. العاصفة التي حدثت في الأسبوع الأول من هذا الشهر كانت تحتوي على الأحزمة بكثافة، وهو أمر مدهش ويصعب تفسيره».     

كيف تستخدم وكالة ناسا الطائرات المطاردة للعواصف لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج؟
تهبط طائرة البحث «بي-3 أورايون» بعد مهمة في 1 فبراير/شباط 2020. حملت هذه الطائرة معظم الطاقم العلمي لمهمة إمباكتس. حقوق الصورة: وكالة ناسا/إمباكتس إسبو.

اقرأ أيضاً: كيف يتم التنبؤ بحالة الطقس؟ ولماذا تختلف دقة التنبؤات؟

البحث عن أدلة خلال التساقط الكثيف للثلوج

لطالما شوهدت أنماط أحزمة الثلج على الرادار وأجهزة استشعار الطقس، لكن الخبراء لم يتمكنوا من تحديد سبب تشكلها وكيفيته. لفهم هذه الظاهرة بشكل أفضل، يستخدم فريق إمباكتس طائرتين تابعتين لوكالة ناسا: طائرة «بي-3 أورايون»، وطائرة «إي آر-2» عالية الارتفاع. تطير بي-3 أورايون، وهي طائرة مروحية توربينية بأربع محركات، على ارتفاع نحو 8 كيلومترات، وتحلّق عبر الغيوم لجمع عينات من جزيئات الثلج بالإضافة إلى قياس درجات الحرارة ومستويات الرطوبة وقياس متغيّرات جوية أخرى.   

من ناحية أخرى، تحلّق طائرة إي آر-2 فوق العاصفة على ارتفاع نحو 19.8 كيلومتراً، وتستخدم معدات استشعار عن بعد مماثلة لتلك الموجودة على الأقمار الاصطناعية الخاصة بالتنبّؤ بالطقس. نظراً لأن الطائرة يمكن أن تطير بالقرب من العاصفة أكثر من الأقمار الاصطناعية، فهي قادرة على تجميع البيانات بدقة أعلى. طوال الوقت، تتتبّع الفرق الموجودة على الأرض مسار العاصفة بواسطة الرادار الذي يقيس خصائص السحب.   

كيف تستخدم وكالة ناسا الطائرات المطاردة للعواصف لتحسين تنبؤات تساقط الثلوج؟
تنطلق طائرة إي آر-2 التابعة لوكالة ناسا، وهي طائرة ارتفاعات عالية نفّاثة ومجهزة بمجموعة من الأدوات العلمية. يتم التحكّم بالمركبة بواسطة طيار واحد. حقوق الصورة: مركز آرمسترونغ لأبحاث الطيران التابع لوكالة ناسا.

تبدأ التحضيرات قبل أيام حتى يكون من الممكن نقل الطائرات إلى المطارات الآمنة بما يكفي للإقلاع في يوم العاصفة. مع وقوع إعصار الساحل الشرقي في 29 يناير/كانون الثاني 2022، قرّر الفريق نقل طائرة بي-3 من قاعدة «والوبس» في ولاية فيرجينيا إلى مطار بالقرب من مدينة دايتون، أوهايو. استغرقت الرحلة بأكملها نحو 8 ساعات، قُضيت 6 ساعات منها في خضم العاصفة. تقول يوتر إن العواصف الثلجية تجعل الرحلة سلسة، لكن واجهت الطائرات اضطرابات جوية مفاجئة أثناء تحليقها فوق خليج «مين» في 29 يناير/كانون الثاني 2022.     

تقول يوتر: «غالباً عندما نقوم بإجراء أرصاد، يكون لدينا بعض الأفكار الأولية، لكن الطبيعة تفاجئنا دائماً»، وتضيف: «كانت هذه بالتأكيد حالة فوجئنا فيها بمدى شدة الاضطرابات الجوية في عاصفة بدت وكأنها غير شديدة». 

تقول يوتر إن السبب وراء الاضطرابات الجوية العنيفة لا يزال غير معروف، لكن طاقم مهمة إمباكتس قد يحصل على إجابات بعد تحليل القراءات والعينات. تابع الفريق العاصفة الشتوية الكبرى التي تعاظمت في جميع أنحاء الولايات المتحدة برحلات كانت مجدولة في الغرب الأوسط في 3 فبراير/شباط، وفي الشمال الشرقي في 4 فبراير/شباط 2022. يخطط الفريق لمواصلة القيام بالرحلات الجوية طوال شهر فبراير/شباط مع الاستمرار في محاولة اكتشاف الرابط المحتمل بين الأحزمة الثلجية وتساقط الثلوج. تقول ماكموردي إنه باستخدام تقنيات أكثر تقدماً، فإن المهمة لديها الفرصة لتوفير مجموعة بيانات جديدة يمكن أن تظهر كيف تؤثر الأحزمة الثلجية في تنبؤات الطقس.     

تقول ماكموردي: «لا يمكننا منع حدوث [العواصف الثلجية]، ولكن إذا استطعنا توقعها بقدر أقل من عدم اليقين، يمكن أن نكون مستعدين لمجموعة مختلفة من الظروف». 

تضيف ماكموردي: «نأمل أن نجعل تنبؤات الطقس أكثر دقة في المستقبل».

المحتوى محمي