عندما نتحدث عن الواقع المعزز في 2020، فإن المصطلح يشير عادة إلى «البصر». إذ نتخيل أن الكائنات الرقمية تظهر في العالم الحقيقي، أو في شاشات العرض التي تملأ مجالات أنظارنا بالمعلومات، حتى تساعدنا في إيجاد أقرب حمام؛ كما فعل بطل فيلم ذا «تيرميناتور». لكن تطبيقات الواقع المعزز لا تقتصر على حاسة البصر فقط. يطور مختبر فيسبوك لأبحاث الواقع زوجاً من نظّارات الواقع المعزز، واللتان ستغيرا الطريقة التي يسمع ويرى بها من سيرتديهما.
هذا المشروع ليس جديداً تماماً بالنسبة للشركة. إذ أنها تعمل على خلق تجارب صوتية انغماسية منذ 2014 على الأقل (أي التجارب التي يتلقى السامع فيها الصوت وكأنه يأتي من كل الجهات، مما يخلق شعوراً بالانغمار)، حين أنفقت 2 مليار دولار لشراء شركة «أوكولوس»؛ عملاق الواقع الافتراضي. في حين أن الصوت الانغماسي مناسب جداً لألعاب الفيديو، لكن مزجه مع نظّارات الواقع المعزز التي يمكن للناس ارتداؤها في الحياة اليومية سيزيد كثيراً من منافعها.
تتضمن الفكرة الأساسية لهذه التكنولوجيا الجديدة استخدام نظام من الميكروفونات داخل إطار النظارات لتساعد مرتديها في التركيز على الآخرين عندما يتحدثون. بعد ذلك، تستطيع النظارات تحديد مصدر الصوت الذي يحاول مرتديها سماعه، واستخدام مزيج من الأجهزة والبرمجيات لعزله عن الضوضاء في الخلفية. النتيجة النهائية ليست مختلفة عما قد تتوقعه من أي جهاز خاص بالمساعدة على السمع.
بإضافة النظارات والذكاء الاصطناعي إلى المعادلة، تأمل فيسبوك بمنح المستخدمين المزيد من القدرة على التحكم في الأصوات التي تدخل، وتلك التي تُعزل. ولأن نظارات الواقع المعزز ستزوّد بكاميرا مدمجة، فستكون قادرة على استخدام الرؤية الحاسوبية لتحليل الأحداث وقت حدوثها بهدف تعقّب نظر مرتديها، بالتالي ستكون للنظارات دلائل رصينة ترشدها للاتجاه الذي يجب أن تركز الميكروفونات عليه. ولأن الأشخاص لا ينظرون دائماً بشكلٍ مباشر باتجاه المتحدث، فسينبغي على الذكاء الاصطناعي كشف هل كان ينبغي أن يبقى التركيز بالاتجاه نفسه، أو أن ينتقل باستخدام متغيرات من حركة الرأس والعيون؟
في حين أن هذا البحث قد يساعد الأشخاص على السماع بشكلٍ أفضل، إلا أن الشركة تعمل أيضاً على تحسين تكنولوجيا «الحضور الصوتي» خاصتها، والتي تمثل محاولة لمزج الأصوات الرقمية الآتية من السماعات بالضجيج الطبيعي الآتي من الوسط المحيط.
الحضور الصوتي ليس مفهوماً حديثاً تماماً أيضاً، ويمكنك اختبار شيء على شاكلته في نظارات الواقع الافتراضي مثل «فالف إندكس». لكن فيسبوك تسعى لجعل الصوتيات مقنعة للغاية، لدرجة تجعل المستمع غير قادر على التمييز بين الصوت الآتي من السماعات والآخر الآتي من العالم المحيط.
تطوّر فيسبوك حالياً هذه التكنولوجيا في غرف هائلة الحجم تدعى «الغرف الكاتمة للصدى». تُبطَّن جدران هذه الغرف بالرغوة العازلة (الفوم) لامتصاص الصوت بالكامل. تؤثر الغرف الاعتيادية بشكلٍ كبير على الأصوات التي نسمعها، وذلك يعود لمتغيرات مثل ارتفاع السقف والمسافة بين الجدران، وحتى الطلاء على الأبواب. لكن بإلغاء أثر هذه العوامل، تعمل فيسبوك على اكتشاف الطريقة التي تعطينا فيها الدلائل الصوتية معلومات عن محيطنا.
في العالم الحقيقي، يصل الصوت عادة إلى إحدى الأذنين قبل الأخرى، كما أن الأذن الأولى ستسمعه بمستوى أعلى من الذي ستسمعه الثانية. وبإعادة إنتاج هذه الفروقات البسيطة داخل السماعات، ستستطيع الشركة خداع عيون وأدمغة المستخدمين بشكل أكفأ.
إن توليد هذه التأثيرات الصوتية هو عملية مباشرة نسبياً إذا تمت في غرفة كاتمة، لكن في العالم الحقيقي، سيتطلب الأمر الكثير من العمل. الآن، تعمل شركة فيسبوك على تطوير تكنولوجيا لا تسمح بالتكيف مع متغيرات الغرفة فحسب، بل مع أحجام وآذان المستخدمين أيضاً.
استخدمت فيسبوك في التجارب سماعات مفتوحة الظهر، وهي سماعات نموذجية لعروض الحضور الصوتي. بدلاً من التقاط ورقمنة (الصياغة الرقمية) كل الأصوات من الوسط المحيط، ومحاولة مزجها مع الأصوات الرقمية. تُلتقط الأصوات الطبيعية كالعادة، وتعالج السماعات الصوت القادم من الجهاز فقط. تستخدم العديد من السماعات الفاخرة الخاصة بعشاق الصوت (أوديوفايل) تقنية الظهر المفتوح التي تسمح للمستخدمين سماع الأصوات الآتية من الوسط المحيط بجانب الأصوات التي يستمعون إليها عبر السماعات.
لحد الآن، لا زالت هذه الأفكار في مرحلة البحث. فيسبوك لم تخفي حقيقة أنها تعمل على تطوير نظارات واقع معزز، ولكن بتنا نرى الآن المزيد من التكنولوجيا الواقعية، والتي قد تُطبَّق لاحقاً في أجهزة جاهزة للاستخدام. لا تعلم شركة فيسبوك بعد هل ستصل أي من هذه التقنيات إلى السوق، أو متى سيحدث ذلك، ولكن سنحصل على المزيد من المعلومات حول تطلعاتها لتطبيقات الواقع الافتراضي في مؤتمر «أوكولوس كونيكت» الذي سيبدأ في 16 سبتمبر/ أيلول الجاري.