في حديقة ساكفيل في مدينة مانشستر، ينتصب تمثال برونزي للأب الروحي للذكاء الاصطناعي آلان تورينغ والذي رحل عن عالمنا في مثل هذه الأيام (أوائل يونيو) من سنة 1954. وكان بعض الإرث الذي تركه تورينغ، آلة حملت اسمه ولم يقّدر له أن يراها، وقد كانت عبارة عن حاسوب ينفذ أي مهمة بمجرد تزويده بالخوارزمية المناسبة، أما الخوارزمية بحد ذاتها فهي عبارة عن سلسلة من الأوامر والخيارات المتشابكة مع بعضها والتي تؤدي بالنهاية لتنفيذ مهمة أو عدة مهام محددة. يطلق علماء اليوم على هذه الخوارزميات اسم الشبكات العصبونية، خاصة بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي يحاول مقاربة نظيره البشري. لكن في الفترة الأخيرة حصل تطور هام بالمجال الذي يتعلق بتعليم الآلة.
شبه اكتفاء ذاتي
أصبحت الآلات تمتلك مهارات كبيرة ببعض المجالات مثل التعرف على الوجوه والنمذجة اللغوية، ولا يزال العلماء يحاولون تطوير الخوارزميات المتعلقة بتنفيذ هذه المهام، لكن القفزة النوعية بهذا المجال ليست الخوارزميات بحد ذاتها بل الطرف الذي قد يبدأ بتطوير هذه الشبكات، والتي هي آلة أخرى.
يعمل الباحثون في جوجل على ما يسمى "التعلم المؤتمت للآلة" AutoMl والذي يعتمد على تطوير قدرة الآلة على تنفيذ إحدى أعقد المهام المتعلقة بتطوير البرمجيات والتي تتعلق باختيار الشبكة العصبونية الملائمة لتنفيذ مهمة محددة. ولتطوير هذه المهارة عند الآلة اعتمد الباحثون على مبدأ التعلم التكراري لإعطائها هذه القدرة التي كانت حكراً على البشر.
تقوم الآلة بالبداية باختيار شبكة لا على التعيين ثم تقوم بتجربتها، بعد التجربة تأخذ الآلة المعطيات الناتجة وتستفيد منها لاختيار شبكة أخرى وهكذا دواليك، حتى يتم التوصل بالنهاية لشبكة فعالة وقادرة على تحقيق النتائج المرجوة، وعادة تتكرر العملية لآلاف المرات قبل الوصول لحلٍ مرضٍ.
تعليم غير مألوف
لا تكمن غرابة هذه العملية التعليمية في كون الطرفين آلات أي آلة تعلم آلة، بل في كون الآلة المعلمة غير قادرة على تعليم نفسها. نعم فالآلة حتى يومنا هذا لا زالت غير قادرة على تطوير نفسها، وهو ما يسعى الباحثون حول العالم للوصول إليه، فالآلة التي تتعلم ذاتياً وتستغني عن التدخل البشري هي حلم كل العاملين بمجال الذكاء الاصطناعي. وما حققه خبراء جوجل قد يكون خطوة صغيرة باتجاه الحلم الأكبر. ولكي لا نقلل من أهمية هذا الإنجاز ينبغي التنويه إلى أنه سيساعد الأشخاص غير المختصين على الولوج إلى عالم الذكاء الاصطناعي والحلول البرمجية بالاستعانة بهذه الآلات القادرة على البرمجة.
وبينما يرى البعض أن هذه العملية غير فعالة كونها تقيّد 800 معالج رسومات لأسابيع ريثما تنجز، ترى جوجل أنها ستسد النقص الحاصل بخصوص الأشخاص الخبراء بمجال تعليم الآلة.
هذا الإنجاز والذي نشرته جوجل على مدونة الأبحاث الخاصة بها في 17 مايو الماضي، ليس سوى غيض من فيض الأبحاث التي تجري بخصوص الذكاء الاصطناعي، والتي يسعى بعضها لتعليم الآلة ملكات كانت تعتبر بشرية صرفة مثل الفضول والإبداع، فبعد سنوات من الآن قد يدفع الفضول أحد الروبوتات لقراءة هذه المقالة ومن ثم إبداع مقالة أخرى يشرح فيها وجهة نظره بهذه القضية.