وقع الرئيس الأميركي ترامب مؤخراً توجيهاً رئاسياً لناسا لإرسال رواد الفضاء إلى القمر من جديد بهدف الاستكشاف طويل الأمد، والتحضير للبعثة المأهولة إلى المريخ والتي طال انتظارها. غير أن أهمية هذا التوجيه غير واضحة، نظراً لعدم وجود أية ميزانية أو استراتيجية ضمنه. وفي نفس الوقت، وعلى الجهة الأخرى من العالم، بدأت الصين بوضع بعض الخطط الفضائية الطموحة، وتدعيمها بإجراءات متعددة الخطوات ومبالغ مالية ضخمة. ومن بين هذه الخطط والإجراءات: طائرات فضائية صالحة للاستخدام المتكرر، ومركبات فضائية تعمل بالطاقة النووية، وقواعد قمرية روبوتية.
تخطط الشركة الصينية لعلوم وصناعات الفضاء (كاسك) لإطلاق طائرتها الفضائية الصالحة للاستخدام المتكرر للمرة الأولى في 2020، وإرسال رواد الفضاء والحمولات إلى الفضاء بحلول العام 2025. قال تيشن هونجبو، وهو مدير البحث والتطوير في الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الطيران الفضائي (وهي تابعة لكاسك)، في تصريح صحفي لوكالة شينوا الإخبارية الرسمية أن الطائرة الفضائية ثنائية المراحل ستعمل بالدفع الصاروخي في البداية، وستكون قادرة على الانطلاق من مدرج عادي بسرعات فوق سرعة الصوت إلى الحدود القريبة من الفضاء. وبعد هذا، سينفصل عنها صاروخ المرحلة الثانية الصالح للاستخدام المتكرر، والذي سيحمل الركاب والحمولات، وينطلق ليصل إلى مدار يرتفع ما بين 289.68 و 498.89 كيلومتر عن سطح الأرض. وتماشياً مع الخطط السابقة للطائرة الفضائية، ستطلق كاسك نسخة من الحاملة التي تلعب دور المرحلة الأولى، تعمل بالدفع الذاتي للهواء (أي بدون توربين ضاغط) بسرعة فوق سرعة الصوت، وذلك بحلول العام 2030، ما يزيد من الحمولة التي يمكن وضعها على متن المرحلة الثانية.
غير أن برنامج كاسك ليس الوحيد من نوعه. حيث أن ليو شيكوان، نائب مدير الشركة الصينية لعلوم وصناعات الفضاء والطيران (كاسيك) التي تنافس شركة كاسك، يقول أن برنامج شركته للطائرات الفضائية بدأ بشكل جيد، حيث دخلت مجموعة من المحركات وغيرها من التقنيات الأساسية مرحلة الاختبارات المتقدمة.
وضعت كاسك خططاً طموحة لاستكشاف الفضاء البعيد أيضاً. ومن أهم العناصر في هذه الخطط مركبة فضائية تعمل بالطاقة النووية، والتي من المفترض أن تدخل الخدمة في 2040، ومن المرجح أنها ستستخدم في بعثة صينية مأهولة نحو المريخ. كما تخطط كاسك لإدخال الصين في النشاطات الاقتصادية في الفضاء البعيد، مثل بناء محطات توليد طاقة شمسية في المدار، وتعدين الكويكبات والقمر.
تخطط كاسك، وبهدف إطلاق آلاف الأطنان المطلوبة لتنفيذ هذه المشاريع، إلى جعل جميع صواريخها صالحة للاستخدام المتكرر بحلول العام 2035، بدءاً من صاروخ لونج مارش 6 الصغير وصولاً إلى الصاروخ العملاق لونج مارش 5. وسيبدأ اختبار الجنيحات الشبكية على الصاروخ لونج مارش 4 بي في 2019 (وتستخدم الجنيحات الشبكية على الصواريخ الصالحة للاستخدام المتكرر مثل صاروخ فالكون لشركة سبيس إكس للتحكم بطيران الصاروخ خلال المرحلة عالية السرعة أثناء الهبوط) وسيتم تنفيذ هبوط عمودي للصاروخ لونج مارش 6 في 2020.
تعتمد الخطط المماثلة في الولايات المتحدة على الجيل الجديد من الشركات الفضائية الخاصة، والتي يمتلكها المليارديرات أصحاب الشركات التكنولوجية. وتوجد شركات منافسة لها في الصين أيضاً، حيث بدأت شركة لينك سبيس الصينية الخاصة بالتوجه نحو الصواريخ الصالحة للاستخدام المتكرر أيضاً. ويمكن لصاروخ نيولاين 1 تحقيق هبوط عمودي من الناحية النظرية لمرحلته الأولى، وهو مركبة فضائية بوزن 33 طن يمكن أن ينقل حمولة بوزن 199.5 كيلوغرام إلى المدار المتزامن مع الشمس. إضافة إلى هذا، فقد أجرت الشركة أكثر من 200 اختبار لمحركاتها الصاروخية، وقطعت بهذا شوطاً جيداً نحو تحقيق خططها لإطلاق نيولاين 1 لأول مرة في 2020.
أيضاً، هناك الصاروخ الثقيل لونج مارش 9، والذي يستطيع نقل حمولة بوزن 130 طن إلى المدار الأرضي الأدنى، أو 50 طن إلى المدار القمري، وسينطلق لأول مرة في 2030. من المرجح أن يستخدم هذا الصاروخ للبعثات المأهولة نحو القمر، إضافة إلى تركيب محطات توليد الطاقة الشمسية المدارية. وبفضل حمولته الضخمة، يمكن أن يعتمد عليه في الخطط الصينية لاستكشاف المشتري، وزحل وأقماره، وغيرها من الأجسام السماوية ما بعد حزام الكويكبات.
يمكن أن تفيد الحمولة الضخمة للصاروخ لونج مارش 9 لبناء قاعدة على القمر أيضاً. ومن المرجح أن تكون منشأة روبوتية، حيث أن تكلفة قاعدة مأهولة ستكون أكبر بكثير. ويقول جياو ويشين من جامعة بكين أن الاعتماد على قاعدة روبوتية مثبتة على السطح القمري، بدلاً من العربات الجوالة والمسابر، يتيح إجراء تجارب علمية على التربة القمرية بشكل أكثر تقدما وتعقيداً، وإرسال عينات من الصخور إلى الأرض بتكاليف منخفضة.
لا شك في أن هذه الأبحاث والعمليات ستكون باهظة التكاليف، غير أنه من الواضح أن الصين تنظر إلى السباق الجديد في الفضاء كوسيلة لتعزيز مكانتها على مستوى العالم. وستشكل هذه الخطط الجديدة أحدث الإضافات إلى المساهمات الصينية الكبيرة في مجال الفضاء، بما في ذلك الأقمار الاصطناعية المخصصة للملاحة والتجسس، وصناعة مزدهرة للطائرات التي تحلق بأسرع من الصوت، وصناعة سريعة التطور في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي.