كيف تعمل القنابل العنقودية وكيف تسبب الدمار في جميع أنحاء العالم؟

كيف تعمل القنابل العنقودية وكيف تسبب الدمار في جميع أنحاء العالم؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ PixelSquid3d
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 7 يوليو/ تموز 2023، أعلن البيت الأبيض عن محتويات المساعدات الأمنية الأخيرة التي سترسلها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا. أجريت عمليات نقل الأسلحة والمعدات هذه بانتظام خلال السنة والنصف الماضية، منذ أن شنت روسيا غزواً واسع النطاق على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. تشمل أحدث الأسلحة الصواريخ المضادة للطائرات والمدرعات والأسلحة المضادة للدبابات وغيرها من الأنظمة المختلفة الأخرى. لكن العنصر الأكثر تميزاً، الذي تسبب برد فعل عام، هو الذخائر التقليديّة المحسنة الثنائية الغرض، المعروفة باسم الذخائر العنقوديّة.

القنابل (أو الذخائر) العنقودية هي قذائف تنفتح بعد إطلاقها وتطلق العديد من المتفجرات الصغيرة التي تحمل اسم الذخائر الصغيرة. القذائف التي ستُرسل إلى أوكرانيا هي عبارة عن طلقات لمدافع هاوتزر بعيار 155 مليمتراً، وهي مدافع تقذف القذائف بمسار عالٍ فوق العوائق قبل أن تسقط لتضرب ما تحتها. ينفجر الغلاف الخارجي للقنابل العنقودية، ما يُتيح لدوران القذيفة نثر القنابل العنقودية الصغيرة، مثل بذور عديدة قاتلة. ويُتيح هذا الانتشار للذخائر الصغيرة تغطية مساحة أكبر من تلك التي يغطيها انفجار قنبلة تقليدية واحدة.

قال وكيل وزارة الدفاع الأميركية للشؤون السياسية، كولن كال، في مؤتمر صحفي عُقد بعد الإعلان السابق الذكر: “بهذا الإعلان، سنتمكن من تزويد أوكرانيا بمئات الآلاف من الذخائر المدفعية الإضافية مباشرة. وسيضمن لنا هذا القرار أن نتمكن من الاستمرار في دعم أوكرانيا من خلال إنتاج كمية كافية من الذخائر المدفعية على نحو شهري في جميع دول التحالف. إننا ندرك التعقيدات المرتبطة بهذه القضية، ولهذا السبب، أريد أن أقدم بسرعة بعض المعلومات الإضافية عن الذخائر التقليديّة المحسنة الثنائية الغرض”. 

اقرأ أيضاً: قصة مناطيد التجسس: من الثورة الفرنسية إلى المنطاد الصيني الأخير

استُخدمت الذخائر العنقودية في أوكرانيا قبل غزو عام 2022؛ إذ استخدمتها روسيا وأوكرانيا خلال حرب دونباس الطويلة التي استمرت من عام 2014 حتى غزو عام 2022. استخدمت روسيا القنابل العنقودية في غزوها لأوكرانيا، وتشير التقارير إلى أنها استُخدمت ضد الأهداف العسكرية وفي المدن. تشن أوكرانيا حالياً هجوماً مضاداً ضد القوات الروسية المتحصّنة في أوكرانيا، وسعت للحصول على الذخائر العنقودية كونها فعالة عسكرياً ضد المواقع الدفاعية، مثل الخنادق.

تمثّل قدرة الذخائر العنقودية على تغطية منطقة كاملة بالمتفجرات الصغيرة فائدة عسكرية وأكبر مصدر للقلق بعد الحرب. القنابل التي تُطلقها الذخائر العنقودية صغيرة الحجم، وعلى الرغم من أنها مصممة لتنفجر عند الاصطدام بالهدف، فقد لا تنفجر جميعها. يمكن أن تكون هذه الذخائر التي لم تنفجر خاملة تماماً، ما يعني أنها لن تنفجر في المستقبل، أو يمكن أن تنفجر في وقتٍ ما في المستقبل، بسبب المدنيين في أو فرق إزالة الألغام. يمكن أن تولّد القنابل جميعها ذخائر غير منفجرة، ولكن عدد القنابل غير المنفجرة لكل قذيفة عنقودية أكبر بكثير من الذخائر الفردية لأن القذائف العنقودية تنثر العديد من القنابل الصغيرة.

تاريخ الذخائر العنقودية

طور كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الذخائر العنقودية خلال الحرب الباردة، إلى جانب الأسلحة الدقيقة التوجيه. مثل العديد من أسلحة الحرب الباردة، صُممت هذه الذخائر في الأصل للاستخدام في حرب برية واسعة النطاق على أوروبا، واستُخدمت بدلاً من ذلك في الحملات العسكرية الطويلة الأمد، مثل حرب الولايات المتحدة في فيتنام وحرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. ورثت كل من أوكرانيا وروسيا معدات عسكرية عن الاتحاد السوفيتي بعد الحرب الباردة، ومنها الذخائر العنقودية.

تعود الذخائر العنقودية بصفتها فئة من الأسلحة إلى الحرب العالمية الثانية، وأشارت وكالة خدمة أبحاث الكونغرس الأميركية في تقرير نشرته في مارس/ آذار 2022 إلى أن 21 دولة على الأقل استخدمت هذه الأسلحة منذ ذلك الحين. تشمل هذه الدول الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والمملكة المتحدة في حرب جزر فوكلاند وفصائل مختلفة في حروب البلقان في التسعينيات، وغيرها. استخدمت الولايات المتحدة الذخائر العنقودية على نطاق واسع في جنوب شرق آسيا خلال حرب فيتنام، وتقدّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه “بقي في لاوس وحدها ما بين 9 ملايين و27 مليوناً من الذخائر الصغيرة غير المنفجرة بعد الصراع، ما أدى إلى أكثر من 10 آلاف ضحية من المدنيين حتى الآن”.

استخدمت الولايات المتحدة أيضاً الذخائر العنقودية في غزو كل من أفغانستان والعراق، لكن ورد أنها توقفت عن استخدامها بعد 3 أسابيع من غزو العراق عام 2003

خطر الذخائر غير المنفجرة هو السبب الذي يجعل استخدام الذخائر العنقودية مستنكراً. من منظور حقوق الإنسان وقوانين الحرب، الذخائر غير المنفجرة مميتة لأنها تشكّل خطراً على المدنيين؛ إذ إنهم ليسوا مقاتلين مسلحين رسميين أو جنوداً أو أفراداً آخرين في الجيش. تخلق هذه الأسلحة خطراً دائماً لأنها تهدد المدنيين، ويستمر التهديد بعد انتهاء الحرب، كما أن إزالة القنابل الصغيرة خطيرة وتركها في مكانها قد يكون مميتاً. السبب الآخر الذي يجعل الذخائر غير المنفجرة مشكلة من الناحية العسكرية هو أنها لا تقضي على الأعداء دائماً، ما يجعل هذا السلاح أقل فاعلية مما يفترض أن يكون.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى القنبلة الهيدروجينية ولِمَ تعد أكثر الأسلحة فتكاً

التعامل مع الذخائر غير المنفجرة المميتة

استجابت الدول لخطر الذخائر العنقودية والذخائر غير المنفجرة بعدد قليل من الطرق. الأولى هي إبرام اتفاقية الذخائر العنقودية. دخلت هذه المعاهدة التي وافقت عليها أكثر من 100 دولة حيز التنفيذ في عام 2010. وتحظر الاتفاقية “استخدام الذخائر العنقودية وتطويرها وإنتاجها وحيازتها ونقلها وتخزينها”، ولكن باستثناء حالتين، الأولى إذا كانت الذخيرة العنقودية مصممة لكشف هدف واحد وضربه (مثل استخدام عدد كبير منها لتدمير دبابة)، أو إذا كانت عبارة عن ذخائر عنقودية تتميز بواحدة من خاصيتين إلكترونيتين هما التدمير الذاتي والتعطيل الذاتي. تجعل خاصية التعطيل الذاتي الذخائر خاملة، ما يقلل الخطر الذي تشكله على المدنيين، ولكن لا تزيله تماماً.

رفضت عدة دول التوقيع على اتفاقية الذخائر العنقودية، ومنها روسيا والولايات المتحدة وأوكرانيا وغيرها. على الرغم من أن بعض الدول في حلف الناتو وقّعت على الاتفاقية، مثل كندا وفرنسا والمملكة المتحدة، فإن هذه الاتفاقية لا تمنع الدول من التعاون العام أو العسكري مع الدول غير الموقّعة.

الطريقة الأخرى لتقليل خطر الذخائر الصغيرة غير المنفجرة هي زيادة احتمال انفجار المزيد من الذخائر الصغيرة.

هذه هي الطريقة التي شدد عليها كال؛ إذ قال: “تتمتّع طلقات الذخائر العنقودية التي سنوفرها لأوكرانيا بمعدل فشل منخفض للغاية، مقارنة بالذخائر العنقودية الروسية. ستتألف الكمية من الذخائر العنقودية التي سنرسلها إلى أوكرانيا من الذخائر التي تتمتع باحتمال فشل أقل من 2.35%. أما روسيا، فهي استخدمت الذخائر العنقودية التي تتمتع بمعدّل فشل يتراوح بين 30 و40% في جميع أنحاء أوكرانيا. استخدمت روسيا خلال العام الأول فقط من الصراع ذخائر عنقودية أطلقتها مجموعة من أنظمة الأسلحة التي من المرجّح أنها نشرت عشرات الملايين من الذخائر الصغيرة، أو القنابل الصغيرة، عبر أوكرانيا”.

اقرأ أيضاً: كيف سيصبح توزع الترسانة النووية عالمياً في السنوات القادمة؟

الأعقاب 

مثّلت القنابل غير المنفجرة الناتجة عن هذا الصراع مصدر قلق كبيراً يتعلق بفترة ما بعد الحرب بالنسبة لأوكرانيا، لأن إزالة المتفجرات بأمان هي عملية بطيئة ومكلفة. على الرغم من أن كال صرّح بأن احتمال فشل الذخائر الجديدة أقل من 2.35%، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن “تصريحات البنتاغون نفسها تشير إلى أن الذخائر العنقودية المعنية تحتوي على قنابل يدوية أقدم تتمتع باحتمال فشل يبلغ 14% أو أكثر“.

بوجود 72 قنبلة صغيرة في كل قذيفة من الذخائر العنقودية، سيقابل معدل الفشل البالغ 14% ما يزيد قليلاً عن 10 حالات عدم انفجار لكل قذيفة. (يختلف عدد الذخائر الصغيرة حسب نوع القذيفة، وتفيد التقارير بأنه يتراوح بين العشرات والمئات). المقذوفات التي ستُرسل إلى أوكرانيا هي أسلحة مخزنة توقفت الولايات المتحدة عن استخدامها في عام 2003، وتوقفت عن شرائها عام 2008 لأن معدل فشلها اعتُبر مرتفعاً للغاية وفقاً لسياسة البنتاغون.

أكد مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في مؤتمر صحفي عُقد بتاريخ 7 يوليو/ تموز 2023 أن طبيعة الحرب التي تخوضها أوكرانيا تبرر استخدام هذه الأسلحة.

قال سوليفان: “تنص الحجة التي أطرحها على أن روسيا نشرت بالفعل عشرات الملايين من هذه القنابل الصغيرة عبر الأراضي الأوكرانية. لذلك، علينا أن نطرح السؤال التالي على أنفسنا، هل سيزيد استخدام أوكرانيا للذخائر العنقودية على الأراضي نفسها الأضرار على المدنيين بالفعل، بالنظر إلى الحاجة إلى إزالة الألغام من تلك المنطقة في الأحوال جميعها؟”

اقرأ أيضاً: شركة صينية جديدة للطائرات المسيرة تبني طائرة بحمولة 20 طن

ذكر كال فكرة مشابهة، قائلاً: “تستخدم روسيا الذخائر العنقودية عشوائياً منذ بداية هذه الحرب لمهاجمة أوكرانيا. وعلى النقيض من ذلك، تسعى أوكرانيا للحصول على الذخائر التقليديّة المحسنة الثنائية الغرض من أجل الدفاع عن أراضيها السيادية”.

صيغت هذه الحجج تحسباً للرفض الواسع لنقل السلاح واستخدامه من قبل الحلفاء ومنظمات حقوق الإنسان، واستجابة له أيضاً. أصدرت الحكومة الكندية بياناً يدين عملية نقل الأسلحة بتاريخ 8 يوليو/تموز 2023، وجاء في البيان ما يلي: “نحن لا نؤيد استخدام الذخائر العنقودية ونحن ملتزمون بوضع حد لأضرار الذخائر العنقودية على المدنيين، وخاصة الأطفال”.

تمثّل الأسلحة الموروثة، ومسألة استخدامها من عدمه، ظاهرة يجب على صانعي السياسات الحاليين والمستقبليين التعامل معها. قرار تطوير أي سلاح واستخدامه له تبعات مباشرة تظهر خلال الصراع وبعد فترة طويلة من المعارك، مثل الذخائر الصغيرة غير المكتشفة الموجودة في ساحات القتال، التي لا تُكتشف إلا بعد وقوع الكارثة. قد يؤدي انتهاء الحرب بسرعة إلى بدء أعمال الإصلاح وإزالة الألغام في وقت أبكر، لكن ستحدد طريقة خوض الحرب مدى الإصلاح الضروري بعدها.