لماذا يختلف تأثير ألعاب الفيديو على البشر عن تأثير الأفلام؟

8 دقيقة
كيف تُثير الألعاب مشاعرنا؟
يستطيع الباحثون رصد آثار الاختيارات الهادفة ضمن النشاط الدماغي لدى اللاعبين. غيتي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“يقول الناس إن الألعاب لا تُحدِث الأثر العاطفي نفسه الذي تحدثه الأفلام، ولكنني أعتقد أنها تفعل ذلك، ولكن بطريقة مختلفة. لم أشعر بالفخر أو الذنب أبداً في أثناء مشاهدة أي فيلم”.

ويل رايت، مصمم لعبة “ذا سيمز” (The Sims).

هناك سببٌ يجعل الألعاب الجذابة جذابة، تماماً مثل الروايات والأفلام والمقطوعات الموسيقية الساحرة. يعتمد المنشِئون خلال تأليف هذه الوسائط جميعها على مجموعة محددة بدقة من الاستراتيجيات والتقنيات لإنشاء تجربة عاطفية محددة لدى المستهلك. على سبيل المثال، قد يؤلّف الموسيقيون ألحانهم وفق السلّم الصغير (سلّم المينور) ويستخدمون إيقاعاً أبطأ لخلق حالة مزاجية يسودها الحزن أو القلق (على الأقل في الموسيقى الغربية). بينما يستخدم مخرجو الأفلام اللقطات المقرّبة لتوليد الشعور بالحميمية.

حسّن مطورو الألعاب أيضاً التقنيات التي تُدخل اللاعبين في تجربة عاطفية مصممة على نحو هادف، سواء كانت مثل المزاج الكوميدي الغريب الذي تتمتّع به الألعاب مثل ذا سيمز (The Sims) أو “أنغري بيردز” (Angry Birds)، أو الحماسة الدرامية التي تتمتّع بها لعبة “كول أوف ديوتي” (Call of Duty). ولكن على عكس الأفلام أو القصص الخيالية أو الموسيقى، لا توجد حتى الآن لغة مشتركة بين المصممين واللاعبين والمجتمع ككل تُبيّن ما الذي يجعل الألعاب جذابة بالنسبة للاعبين.

تختلف الألعاب في جوهرها عن الوسائط الأخرى من ناحية أساسية واحدة، وهي أنها تقدّم للاعبين الفرصة للتأثير في النتائج من خلال جهودهم الخاصة. لا ينطبق ذلك على الأفلام والروايات والمسلسلات التلفزيونية إلّا نادراً. يستهلك القرّاء والمشاهدون هذه الوسائط ويتفاعلون مع القصة وتقلباتها دون أن يكون لهم أي تأثير شخصي مباشر في الأحداث التي يشهدونها، لكن في الألعاب، يتمتّع اللاعبون بالقدرة الفريدة على التحكّم في الأحداث. قال مصمم لعبة “سيفيلايزيشن” (Civilization) التي كانت من أكثر الألعاب مبيعاً، سيد ماير: “اللعبة [الناجحة] هي عبارة عن سلسلة من الخيارات المثيرة للاهتمام”.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر الألعاب في الهواتف الذكية؟

تُتيح التصرفات التي لها عواقب، وهي الخيارات المثيرة للاهتمام في هذه الحالة، لمصممي الألعاب الفرصة للتأثير عاطفياً في اللاعبين بطرق جديدة. وفي النهاية، هذه الطرق موجودة لأن مشاعرنا في الحياة اليومية، وكذلك عند ممارسة الألعاب، مرتبطة بعمق بأهدافنا وقراراتنا وعواقبها.

يتعرّض الأشخاص للعديد من التقييمات التلقائية بسرعة عندما يشهدون مختلف الأحداث، وتتعلق هذه التقييمات بتأثير الأحداث في أهدافهم وخططهم. تتولّد المشاعر خلال عملية التقييم هذه وتساعد على تحديد الإجراءات السريعة والمناسبة التي يجب اتخاذها. ركّز الباحثون في علم النفس على عملية التقييم هذه واستخدموا ألعاب الفيديو على أنها أدوات بحثية بهدف التحكّم الدقيق في المواقف وإظهار كيف تؤدي التحدّيات المعينة إلى الاستجابات العاطفية. على سبيل المثال، تؤدي إضافة الأحداث التي تتوافق مع أهداف اللاعبين داخل اللعبة إلى تعزيز مشاعر الفخر والبهجة لديهم على نحو متسق، بينما تؤدي إضافة الأحداث التي تعوق أهدافهم إلى توليد مشاعر الغضب.

يستطيع الباحثون رصد آثار الاختيارات الهادفة ضمن النشاط الدماغي لدى اللاعبين.

يستطيع الباحثون رصد آثار الاختيارات الهادفة ضمن النشاط الدماغي لدى اللاعبين. صمم باحثو علم النفس العصبي تجربة لعب فيها بعض المشاركين لعبة بينما شاهد آخرون بث فيديو مباشر لشخص آخر يلعب (أي أنها كانت تجربة مثل مشاهدة فيلم بالنسبة لهم). استخدم الباحثون أجهزة الرنين المغناطيسي الوظيفي لقياس النشاط الدماغي لدى المشاركين.

شهدت “الدارات العصبية الطرفية الوسطيّة المرتبطة بالمكافأة” (مناطق من الدماغ مرتبطة بالتحفيز والمكافأة) لدى المشاركين الذين مارسوا الألعاب بفاعلية نشاطاً عصبياً أعلى مقارنة بالمناطق نفسها لدى المشاركين الذين شاهدوا اللاعبين دون تدخّل. أدّى التفاعل مع اللعبة إلى تغيير الأنماط العاطفية التي لوحظت في أدمغة اللاعبين، ما يُبيّن كيف نختبر نحن البشر مشاعر المكافأة وبعض المشاعر الأخرى خلال ممارسة الألعاب.

تشبه ممارسة إحدى الألعاب بالنسبة للدماغ البشري المشاركة الفعلية في سباق ما أكثر من مشاهدة فيلم أو قراءة قصة قصيرة عن هذا السباق. أتَّبع خلال الجري سلسلة من الخيارات حول الإجراءات التي سأتخذها والتي قد تؤثّر في احتمالية الفوز. وأشعر بإحساسٍ بالتمكُّن أو الفشل اعتماداً على نجاحي في تنفيذ هذه الإجراءات بالطرق التي قصدتها من عدمه. تتقلب مشاعري في أثناء اتباع هذه الخيارات ومراقبة نتائجها، وأشعر بالمسؤولية وبأن خياراتي لها عواقب. في النهاية، أنا المسؤول عن هذه النتائج لأنها تنشأ عن أفعالي. تعتمد هذه المجموعة الغنية من المشاعر التي أشعر بها خلال تجربة الجري بمفردي على الدور الفعّال الذي أؤدّيه في هذه التجربة، أي على اختياراتي الهادفة.

اقرأ أيضاً: هل استخراج الذهب من أجهزتك الإلكترونية مشروع مربح؟

حالة التدفّق الذهني

تؤدي القدرة على اختيار الأفعال والتحكم فيها إلى ظهور السمة الفريدة الثانية للألعاب، وهي سهولة دخول اللاعبين إلى حالة من الأداء الممتع والأمثل التي يطلق عليها الباحث في علم النفس، ميهاي تشيكسينميهاي، اسم حالة التدفّق الذهني. عندما يدخل البشر في حالة التدفق الذهني، أي عندما يعزف الموسيقيون بأفضل أداء أو عندما يمارس الرياضيون رياضاتهم بأداء مثالي أو عندما يسهر المبرمجون طوال الليل لإنشاء رموز برمجية مذهلة على سبيل المثال، يبدو أن الوقت يمر بسرعة هائلة بالنسبة لهم وأن مشكلاتهم الشخصية تختفي. تُدخل الألعاب المصممة جيداً، التي توفّر للمستخدمين القدرة على التحكم في الإجراءات في عالم جديد، اللاعبين في حالة التدفق الذهني بسهولة وسرعة.

حدد تشيكسينميهاي وزملاؤه 8 عوامل تعرّف حالة التدفق الذهني عندما درسوا الأشخاص الذين دخلوا في هذه الحالة المثالية، وهي عوامل ستبدو مألوفة بالنسبة لأي شخص يحب الألعاب، وتشمل:

  • نشاط صعب يتطلّب المهارة.
  • مزيج بين الأفعال والإدراك.
  • أهداف واضحة.
  • عواقب مباشرة وفورية.
  • تركيز في المهمة قيد التنفيذ.
  • شعور بالتحكّم.
  • فقدان الوعي الذاتي.
  • إحساس مختلف بمرور الزمن.

لاحظ تشيكسينميهاي الدور الذي تؤديه حالة التدفق الذهني في ممارسة الألعاب؛ إذ إنه وصف الألعاب التي “طُوِّرت على مدى قرون من الزمن لغرض واضح هو إثراء الحياة بالتجارب الممتعة” في كتابه بعنوان “العثور على التدفّق الذهني” (Finding Flow) بأنها أدوات ممتازة لتوليد حالة التدفق الذهني لدى البشر.

لاحظ مصممو الألعاب مثل جينوفا تشين، الذي كانت حالة التدفق الذهني موضوع أطروحته لنيل درجة الماجستير، أن نظرية التدفق مفيدة في كشف السبب العميق الذي يجعل ممارسة الألعاب ممتعة. حاول تشين عمداً إعادة إنشاء عوامل التدفق الثمانية الرئيسية في أثناء تصميم الألعاب. وبذلك، فهو طوّر الألعاب التي اشتهرت بأنها ممتعة مثل “جورني” (Journey). يعتقد تشين أن نظرية التدفق الذهني تمثّل نموذجاً عملياً لمصممي الألعاب يشجّعهم على إبقاء اللاعبين في حالة مثالية يتمتعون فيها بالقدر المناسب من القدرة على مواجهة التحديات في الألعاب. يمكن أن يؤدي انخفاض هذه القدرة إلى القلق والإحباط، بينما قد تؤدي مواجهة تحديات مفرطة السهولة إلى الملل أو اللامبالاة.

اقرأ أيضاً: كيف تساعدنا ألعاب الفيديو على فهم الحرب النووية بشكل أفضل؟

يركّز مصممو الألعاب على نحو متزايد على توفير الخيارات المثيرة للاهتمام التي تبقي اللاعبين في هذه الحالة المثالية، ما يدفعهم إلى الدخول في حالة التدفق الذهني. تمثّل نظرية التدفق الذهني كنزاً قيّماً بالنسبة لمجتمعي تصميم الألعاب والبحث فيها؛ إذ إنها تدفع الأفراد في هذه المجتمعات في أثناء محاولة تفسير مشاعر اللاعبين وأسبابها إلى التركيز على الآليات العاطفية الأكثر تفصيلاً التي يمكن التأثير فيها من خلال اتباع خيارات معينة في عملية التصميم بدلاً من فكرة “المتعة” الغامضة، التي تعد إيجابية على الرغم من غموضها.

يستخدم اللاعبون عندما يناقشون المشاعر التي يشعرون بها عند ممارسة الألعاب الكثير من المفردات المتعلقة بالدخول في حالة التدفق الذهني (مثل الفضول والحماس والتحدي والابتهاج والانتصار) أو غياب هذه الحالة (المرتبط بالخيبة والارتباك والإحباط). بالتالي، توفّر نظرية التدفق الذهني وجهة نظر مفيدة لفهم التأثير العاطفي الفريد للألعاب مقارنة بالوسائط الأخرى.

العواطف الاجتماعية

عندما يقدّم المصممون خيارات مثيرة للاهتمام ويحافظون على حالة التدفق الذهني لدى اللاعبين، فهم يصبحون قادرين على إثارة فئة أخرى من المشاعر لدى اللاعبين، وهي المشاعر الاجتماعية الغنية التي نشعر بها في علاقتنا مع الآخرين. في ثمانينيات القرن الماضي، أصدرت شركة ألعاب الفيديو التي كانت ناشئة حينها، إلكترونيك آرتس، إعلاناً للتوظيف يحتوي على السؤال “هل يستطيع الكمبيوتر أن يجعلك تبكي؟” أصبحت هذه العبارة بمثابة عبارة جامعة للعاملين في قطاع الألعاب المهتمين بإثارة المشاعر الاجتماعية لدى اللاعبين، مثل المودة أو الصداقة الحميمة أو التعاطف أو حتى الحزن.

كان هذا السؤال منطقياً بالنظر إلى ما كان يعرفه البشر عن الوسائط الأخرى. على سبيل المثال، تستطيع الأفلام والروايات إثارة استجابات عاطفية اجتماعية شديدة. يبدأ الناس الشعور بالانغماس في الحالة المقدّمة أو الموصوفة عند قراءة الروايات أو مشاهدة الأفلام أو الاستماع إلى الموسيقى، ثم يشعرون وكأنهم داخل هذه الحالة. يشعر الناس عندها بالاهتمام بالشخصيات والمواقف كما لو أنها حقيقية. يبكي الكثيرون بسبب الأحداث التي تقع في الأفلام أو الروايات، ولا عار في ذلك.

وأيضاً، لا شك في أن بعض المشاهدين والقراء يشكّل ارتباطاً عاطفياً قوياً بالشخصيات مع مرور الوقت، وهي ظاهرة تحمل اسم التفاعل ما وراء الاجتماعي. يعزز منشئو الوسائط مشاعر الارتباط القوية هذه ويُثيرونها من خلال استخدام العناصر التصميمية الاستراتيجية. على سبيل المثال، قد يجري مقدمو البرامج التلفزيونية المحادثات مع المشاهدين لإثارة شعور بالحميمية والألفة. وبالمثل، يصوّر مخرجو الأفلام غالباً لقطات قريبة لخلق وهم الحميمية بين الشخصية والمشاهد. تسهم هذه التقنيات في تعزيز ارتباط المستهلك مع البشر الافتراضيين والمواقف الافتراضية.

اقرأ أيضاً: كيف تحقق أقصى استفادة من هاتفك القديم بدلاً من بيعه؟

يجادل الخبراء في مجال فرعي من علم النفس يحمل اسم الإدراك المرتكِز أن هذه التقنيات تُثير المشاعر لأنها تعكس الطريقة التي تستوعب وفقها أدمغتنا العالم حولنا في الحياة اليومية. يفترض هؤلاء أن الدماغ البشري يقارن ما نشعر به ونختبره في أي لحظة مع تجاربنا السابقة (سواء كانت “حقيقية” أو “صنيعة الوسائط”) بهدف توليد مجموعة من الاستجابات العاطفية والمعرفية التي “ترتكز” على الخبرة. لذلك، إذا رأينا شخصاً ما يمر بمشاعر في بيئة اجتماعية نحن أيضاً منغمسون فيها، أو سمعناه أو شكلنا صورة ذهنية عنه، “تنخدع” أدمغتنا معتقدة أنها تمر بتجربة اجتماعية حقيقية. بالطبع، نحن ننخرط في هذا الوهم بإرادتنا، وهو يتيح لنا تجربة مواقف وحالات بشرية بديلة، ما يغني بدوره تجربتنا البشرية.

لا يزال هذا التقليد القديم قدم رواية القصص الشفهية يوفّر وسيلة فعّالة لمشاركة الحكمة والخبرات العاطفية والاجتماعية. مع ذلك، نحن لا نكون سوى مشاهدين في أي نوع من الوسائط غير الألعاب، ولا يمكننا أن نكون فاعلين أو أن نؤثّر في نتائج القصص التي تُسرد علينا.

تساعد نظرية الإدراك المرتكز على تفسير سمات الألعاب التي تغيّر نطاق التجارب العاطفية المتاحة بالنسبة للاعبين عندما ينتحلون هوية بديلة أو يمرون في المواقف الاجتماعية في أثناء ممارسة الألعاب. خذ في الاعتبار المثال التالي الذي دفع ويل رايت، مصمم سلسلة ألعاب الكمبيوتر الأكثر مبيعاً على الإطلاق، ذا سيمز، إلى قول الاقتباس السابق الذكر. يصف رايت أول مرة لعب فيها لعبة “بلاك آند وايت: كريتشر آيل” (Black and White: Creature Isle). يمتلك اللاعب في هذه اللعبة مخلوقاً يمكن أن يدربه، ويعمل هذا المخلوق على أنه وسيط بين اللاعب والقرويين في العالم الخاص باللعبة. يستطيع اللاعب جعل المخلوق شريراً من خلال معاملته بسوء، أو جعله مخلوقاً أخلاقياً من خلال معاملته بلطف.

قد يشعر القارئ أو مشاهد الأفلام بالعديد من المشاعر عندما تُعرض عليه أفعال خيالية مروّعة على صفحات الكتب أو الشاشات، لكن المسؤولية والشعور بالذنب ليسا من هذه المشاعر عموماً.

شعر رايت بالفضول حول نتائج معاملة المخلوق في اللعبة بسوء، ما دفعه إلى صفعه، لكنّه دُهش عندما لاحظ أنه يشعر بالذنب حيال ذلك على الرغم من أن هذا المخلوق لم يكن كائناً حقيقياً يشعر بمشاعر حقيقية وضوحاً. تعد هذه القدرة على إثارة المشاعر الحقيقية بالذنب ضمن تجربة خيالية سمة فريد تتمتّع بها الألعاب. قد يشعر القارئ أو مشاهد الأفلام بالعديد من المشاعر عندما تُعرض عليه أفعال خيالية مروّعة على صفحات الكتب أو الشاشات، لكن المسؤولية والشعور بالذنب ليسا من هذه المشاعر عموماً. على أكثر تقدير، قد يشعر هؤلاء بمشاعر التواطؤ المزعجة.

وعلى العكس من ذلك، قد يشعر مشاهدو الأفلام بالبهجة عندما يفوز بطل الفيلم، ولكن من غير المرجح أن يشعروا بإحساس بالمسؤولية الشخصية والفخر. تُثير الألعاب مجموعة إضافية من المشاعر الاجتماعية، وذلك لأنها تعتمد على الاختيار الفعلي للاعب.

اقرأ أيضاً: رحلة الهاتف المحمول من الخيال العلمي إلى يدك التي تتشبث به

لعبة “ترين” (Train) التي صممتها بريندا براثويت روميرو هي مثال مناسب للعبة تعتمد على اتباع الخيارات المثيرة للاهتمام وحالة التدفق الذهني بهدف إقحام اللاعبين في مواقف يضطرون فيها لاتباع الخيارات الاجتماعية ومواجهة نتائجها. حازت لعبة الطاولة هذه التي تعد جزءاً من سلسلة ميكانيكس إز ذا ماسج (Mechanics Is the Message) التي صممتها روميرو جائزة فانغارد (Vanguard) في مهرجان إندي كيد (IndieCade) العالمي، وهو الموقع الرئيسي لعرض الألعاب المستقلة في الولايات المتحدة. (ميكانيكيّات اللعبة هي الإجراءات التي يمكن أن يتخذّها اللاعب التي تغيّر حالة اللعبة). ابتكرت روميرو هذه الألعاب خصيصاً لإثارة شعور تصعب إثارته في الوسائط الأخرى، وهو التواطؤ.

ينقل لاعبو ترين عربات النقل المليئة بالركاب من مكانٍ إلى آخر، ويتجاوزون العقبات والتحديات خلال ذلك، لكنهم لن يعرفوا وجهة القطار إلّا في نهاية اللعبة، وهي معسكر الاعتقال أوشفيتس. يدرك بعض اللاعبين مصير الركاب خلال اللعب ويركّزون على إنقاذ أكبر عدد ممكن منهم. يشعر اللاعبون جميعهم تقريباً بمشاعر قوية بعد نهاية اللعبة، سواء أدركوا ما كان يحدث قبل نهايتها أم لا. تقول روميرو: “في النهاية، أعتقد أن مدى تأثير الألعاب يكمن في قدرتها على إيضاح موضوعها، ولا يتمتّع أي وسط آخر بهذا التأثير. رأيت العديد من الأشخاص يبكون بسبب لعبة ترين، منهم من كان يشاهد فقط أو يلعب أو يحاول إنقاذ الركاب. هذا تأثير كبير، وهو ناتج عن وسط الألعاب”.

صممت روميرو لعبة ترين لتحفّز التوتر من خلال الجمع بين المشاعر المُرضية الشبيهة بمشاعر حالة التدفق الذهني، التي يشعر بها اللاعب في أثناء إتقان نظام اللعبة وقواعدها، والمشاعر السلبية التي تنشأ من السياق الاجتماعي للإجراءات المتخذة في اللعبة. يمكن النظر إلى هذه اللعبة في هذا الصدد على أنها تأمُّل في الحالات العاطفية المؤلمة والمروعة والمتشابهة التي ربما وقعت في المواقف التاريخية التي تصورها اللعبة.

تتميز ألعاب الطاولة الأخرى في سلسلة ميكانيكس إز ذا ماسج بالبساطة والوضوح بالقدر نفسه، وتدفع للتركيز على أنظمة الألعاب وقواعدها بطريقة تجبر اللاعب على الشعور بمشاعر التواطؤ. توضّح هذه الألعاب اللوحية التأثير البليغ للألعاب، سواء كانت رقمية أو لا، المتمثّل بإثارة المشاعر الاجتماعية العميقة الناجمة عن الخيارات والعواقب.