كيف يمكن تأمين القطارات وتحسينها

6 دقائق
محطة بين في نيويورك، هي أكثر محطة قطاراتٍ ازدحاماً في أمريكا الشمالية. وهي تعاني من التأخيرات والحوادث نظراً لوجود المعدات البالية.

يمكن للرحلة بواسطة القطار أن تكون سلسة وبدون أية حوادث، أو أن تكون بائسة تماماً. في ربيع هذا العام، وقعت سلسلةٌ من التأخيرات والانحرافات عن السكك ضمن محطة بين في نيويورك؛ الأكثر ازدحاماً في أمريكا الشمالية، وذلك بسبب المعدات البالية، وقد سبّب ذلك انقطاع الرحلات في المحطة، وستبلغ هذه الانقطاعات ذروتها مع وجود خطط للقيام بالإصلاحات الضرورية والتي ستعرقل جداول الركاب اليوميين في الأشهر القادمة.

ما زال أمامنا الكثير للتخلص من مثل هذه المشاكل المرتبطة بالقطارات، ولا تزال تعاني السكك الحديدية لنقل المسافرين في الولايات المتحدة من البنى التحتية القديمة وضعف التمويل. تعتبر القطارات وسيلة نقلٍ أكثر أماناً (أكثر حتى من قيادة السيارة)، وهناك بعض الطرق لتحسين القطارات والسكك التي تسير عليها. لدينا هنا خمس تقنياتٍ لجعل القطارات أسرع وأكثر أماناً وكفاءةً:

التحكم الإيجابي بالقطار

تمنع هذه التقنية الحوادث عبر إيقاف القطار قبل وقوعه في المشاكل. يستخدم القطار المُزوَّد بتقنية التحكم الإيجابي نظامَ تحديد المواقع (جي بي إس) وشبكة واي فاي وإشارات الراديو للتحقق من وجود أية عراقيل أمامه على السكة الحديدية، ويحدّد متى يجب عليه تخفيف السرعة تبعاً لسرعته ووزنه.
فإذا كان القطار يسير بسرعةٍ كبيرةٍ ولم ينتبه المهندس إلى إشارة التوقف، يمكن لنظام التحكم الإيجابي بالقطار أن يفعّل المكابح قبل انحراف القطار عن سكته أو اصطدامه بقطارٍ آخر. لكن هناك حالاتٌ أخرى -مثل وجود سيارة عالقة على ممر السكة الحديدية- لا يمكن لهذا النظام أن يقدم أية مساعدة. يقول ديفين روس، مدير قسم السكك الحديدة للمسافرين ضمن إدارة السكك الحديدية الفيدرالية، بأنه يتم حالياً تطوير تقنيات أخرى لاكتشاف وتحذير القطارات بوجود الأشخاص أو الأشجار أو السيارات على السكة.

كان من المفترض أن ينتشر نظام التحكم الإيجابي بالقطار على نطاقٍ واسع بحلول نهاية عام 2015، ومنذ ذلك الحين يؤجل الكونغرس هذا الموعد حتى حُدِّد أخيراً بنهاية عام 2018، وذلك على الرغم من تبني هذه التكنولوجيا في بعض المناطق. أحد الصعوبات التي واجهت إطلاق نظام التحكم الإيجابي بالقطار هو استخدام القطارات في الولايات المتحدة لمسارات السكك الحديدية الأخرى بشكلٍ مستمر. تقول جيسيكا كاهانيك، السكرتيرة الصحفية لرابطة السكك الحديدية الأمريكية: "ستحتاج القطارات إلى التحدث معاً، بغض النظر عن مسار السكة الحديدية. ففي حالة قطار الشحن BNSF؛ عليه الاستجابة على نفس الشبكة كما يفعل قطار المسافرين أمرتاك".

على أية حال، عندما يتم وضع نظام التحكم الإيجابي بالقطار على متن قطارٍ ما، يمكن تهيئته للقيام ببعض الحيل الإضافية. يقول روس: "لقد استثمرت الصناعة الكثير من المال في تطوير هذه التكنولوجيا، وقد تم تزويد القطارات بحواسيب قادرةٍ على القيام بأكثر مما هو مطلوبٌ منها حالياً". في الوقت الراهن، تستخدم معظم السكك الحديدية ومترو الأنفاق إشارات الحجز الثابتة في نقاط تفرّع المسارات، حيث لا يمكن اجتياز المسار المحجوز إلا من قبل قطارٍ واحدٍ في وقتٍ معين. يقول روس: "قد يكون طول المسار أميالاً عديدة، حيث يمكن وجود قطار واحد فقط ضمن هذا المسار المحجوز".

بشكلٍ مثالي، تستخدم القطارات نظام حجزٍ متحرك، حيث يتم حساب منطقة آمنة تُحيط بالقطار الفعلي. يسمح حاجز الأمان هذا بوجود مزيدٍ من القطارات التي تسير قريبةً من بعضها البعض، وبسرعةٍ أكبر، وبدون التعرض للاصطدام.

بقليلٍ من التخطيط، يمكن استخدام "ذكاء" نظام التحكم الإيجابي بالقطار من أجل مساعدة القطارات في التنقل بين أنظمة الحجز المتحركة. على سبيل المثال، يمكن تزويد القطار بأجهزة استشعارٍ لإعلام الحاسوب بوزنه الدقيق، وبذلك سيكون هناك قليلٌ من التخمين في عملية حساب الزمن اللازم لإبطاء حركة القطار وإيقافه.

المناطق المنهارة

عندما تتعرض السيارة إلى حادث تصادم، يقوم غطاء المحرك -المصمّم للانهيار- بامتصاص الصدمة من أجل حماية الركاب. يشير روس بأنه من الصعب تصميم مناطق انهيارٍ مشابهةٍ في القطارات. حيث تحتاج السيارة إلى إجراء الكثير من الاختبارات للتأكد من تصميمها لتنهار بالطريقة المناسبة التي نريدها. لكن حجم عربات القطار أكبر بكثيرٍ من السيارات، لذا ستزداد كلفة اختبار تصادمها بسرعةٍ كبيرة.

وبما أن القطارات ضخمةٌ جداً وثقيلة، فإن طاقة الاصطدام التي يجب امتصاصها أكبر بكثيرٍ من طاقة اصطدام السيارة. يقول روس: "إنك تتحدث عن مجالٍ مختلفٍ كلياً من حيث قدرة المادة. إن معرفة كيفية تصرف هذا الهيكل لهي مسألةٌ معقدةٌ جداً؟ وهي ليست مجرد مجموعةٍ صغيرةٍ من الإطارات المتراصفة كالموجودة في السيارات".

لقد حصلنا مؤخراً على حواسيب قادرةٍ على تشغيل سيناريوهات اصطدامٍ مختلفة، ثم التنبؤ بكيفية استجابة عربة القطار لذلك، مما يسمح للمهندسين بتصميم مناطق الانهيار المناسبة للقطارات. يتم حالياً تجهيز معظم القطارات الحديثة بميزة الأمان هذه، وهي ما يطلق عليه اسم إدارة طاقة الاصطدام.

عمليات الفحص

ليست الأخطاء البشرية وحدها هي سبب وقوع الحوادث، إذ يمكن أن تكون المشكلة في القطار نفسه أو في السكة التي يسير عليها. لحسن الحظ، هناك طرقٌ لاكتشاف هذه المشاكل في وقت مبكر. تقوم شركة مركز تكنولوجيا النقل في بويبلو، كولورادو، باختبار معدات السكك الحديدية لمعرفة كيفية تحسينها أو متى ستحتاج إلى إعادة الضبط. وقد يعني ذلك تعريض العجلات أو عربات القطار إلى أسوء الظروف في المختبر لمعرفة مقدار التآكل والتصدع الذي يمكن أن تتحمله قبل أن تنهار، بحسب كاهانيك. حيث تقوم آلةٌ برجّ عربة القطار بشكلٍ مماثلٍ للاهتزازات التي تتعرض لها العربة خلال سنوات حركتها على السكك.

توجد أيضاً تقنياتٌ أخرى لتفحص القطارات والمسارات قيد الخدمة، من أجل معرفة مدى سرعة تقدمها في العمر. يمكن تثبيت أجهزة استشعارٍ جانبية على طول مسار السكة الحديدية، من أجل تفحص القطارات المارة بحثاً عن المشاكل، مثل تصدع العجلات. يعمل مهندسون آخرون على تطوير حساساتٍ يمكن وضعها ضمن القطارات، حيث تقوم بتفحص المسار خلال تحرك القطار عليه، بحثاً عن أية عيوب.

أحد عيوب المسارات هي وجود ثغراتٍ بين العوارض الخشبية -العوارض الخشبية هي التي تدعم قضبان السكة الحديدية- وقطع الصخور التي تثبّتها في مكانها. تعتبر هذه الفراغات مشابهةً للحفر، وإذا تُركت لتتوسع، يمكن أن تعيق حركة القطار، أو يمكن حتى أن تتسبب بخروجه عن المسار. وقد ابتكر باحثون من شركة سيمنز وجامعة هدرسفيلد في المملكة المتحدة طريقةً للبحث عن هذه الفجوات المؤذية، حيث يكتشف جهاز الاستشعار الخاص بهم الفراغات من خلال قراءة التغيرات الطفيفة في حركة القطار حين مروره فوقها.

في العادة، يتم اكتشاف مثل هذه العيوب من خلال إرسال عرباتٍ خاصة بشكلٍ دوري عبر المسارات. لكن التكنولوجيا الجديدة بسيطةٌ بما يكفي ليتم تثبيتها على قطارات الركاب، لذلك لن تُستثنى أية مسافةٍ صغيرة في المسار من الفحص. يقول فاروق بلوشي، وهو باحثٌ في معهد أبحاث السكك الحديدية بالجامعة: "عوضاً عن استخدام عربةٍ واحدةٍ لتفحص المسار مرة كل بضعة أشهر، تتحرك القطارات -وهي تحمل التقنية الجديدة- على المسار بشكلٍ أكثر انتظاماً".

يمكن تكييف هذه التكنولوجيا لاستخداماتٍ أخرى، كالتأكد من توفير القطار لرحلةٍ مريحةٍ بالنسبة للركاب. يقول بلوشي: "من المفترض أن تسير القطارات بجودة ركوبٍ معينة، ويمكن لهذا النظام أن يكتشف وجود أي انخفاضٍ في الأداء".

الطائرات بدون طيار

بدأت شركات السكك الحديدية أيضاً باختبار الطائرات بدون طيار، إذ يمكن أن تساعد في تفحص المناطق التي يصعب على البشر الوصول إليها، مثل الجسور. تقول كاهانيك: "يمكن أن تحلّق هذه الطائرات تحت الجسر دون الحاجة إلى تعليق عاملٍ في الهواء". كما يمكن للطائرات بدون طيار أن تعمل في الطقس السيء أو الخطير، مثل البرد الشتوي القارس الذي يمكن أن يسبب تصدع القضبان الفولاذية. كما يمكن أن تساعد أيضاً في كيفية استجابة شركات السكك الحديدية لحالات الطوارئ. ففي عام 2015، قامت شركة BNSF للسكك الحديدية باستخدام الطائرات بدون طيار من أجل تفحص خطوط السكك الحديدية التي تعرضت إلى الفيضان في ولايتي تكساس وأوكلاهوما، وذلك ضمن المناطق المتضررة التي يصعب الوصول إليها سيراً على الأقدام.

وعندما يتعرض القطار إلى حادثٍ ما، يمكن للطائرات بدون طيار إعلام أول المتجهين نحو الحادث بنوع الحرارة أو المواد الكيميائية أو المخاطر الأخرى التي يسيرون باتجاهها. تقول كاهانيك: "يمكن أن تطير هذه الطائرات بحزم الحساسات، وتسقطها فوق الحادث، ومن ثم يتم الحصول على القراءات، وذلك دون الحاجة إلى دخول شخصٍ يرتدي بزة الحماية إلى موقع الحادث لوضع الحساسات ثم الخروج".

السكك الحديدية عالية السرعة

عندما يتعلق الأمر بالسكك الحديدية عالية السرعة، فإن الولايات المتحدة متخلفةٌ كثيراً وراء بلدانٍ أخرى. يمكن لقطارات أمرتاك السريعة (أسيلا إكسبريس)، والتي تعمل بين مدينتي واشنطن دي سي وبوسطن، أن تسير بسرعةٍ تصل إلى 241 كم\سا، لكن توجد بعض المناطق في المسار لا يمكنها تحمّل سرعات أكبر من 40 كم\سا.

مع ذلك، هناك أسبابٌ تدعو إلى تمني وجود القطارات الأسرع. حيث تخطط ولاية كاليفورنيا إلى إنشاء نظام سككٍ حديديةٍ عالية السرعة بين سان فرانسيسكو ولوس انجليس، والتي يمكن أن تسير القطارات عليها بسرعاتٍ أكبر من 321 كم\سا، على الرغم من أن التقدم ما زال بطيئاً. كما تتطلع ولاية تكساس إلى السكك الحديدية عالية السرعة. ومن المفترض أن ينتقل الركاب في قطارات إيلون ماسك (هايبرلوب) بسرعاتٍ تتجاوز 1126 كم\سا. كما يتم النظر فى مقترحات إنشاء قطارات ماجليف (القطارات المغناطيسية المعلّقة) فى شمال شرقى البلاد.

هناك ميزاتٌ أخرى إلى جانب السرعة. حيث تشتهر اليابان بقطاراتها التي تدعى الطلقة، لكنها في الواقع ليست السبب الوحيد لعمل خطوط السكك الحديدية شينكانسن، والمشهورة بمواعيد حركة قطاراتها الدقيقة، بشكلٍ سلسٍ. يقول روس: "إن لديهم نظاماً حاسوبياً متطوراً يمثل الدماغ وراء هذه العملية، وهو يقوم بأكثر مما نستخدمه عادةً للاعتماد على التكنولوجيا المستخدمة هنا في الولايات المتحدة". فهو يقوم بعدة مهام وراء الكواليس، من جدولة وإطلاق القطارات، وحتى معرفة الأطقم والقطارات المتاحة، وإعادة توجيه القطارات لتجنب التأخير.

يقول روس: "هناك عددٌ قليلٌ جداً من الأنظمة التي أعرف بوجودها في الولايات المتحدة، والتي تربط كل الأمور المتعلقة بتشغيل السكك الحديدية مثلما تفعل الأنظمة اليابانية". وسيكون من المعقّد جداً طرح مثل هذه التكنولوجيا بوجود السكك الحديدية الحالية في الولايات المتحدة. ومثل نظام التحكم الإيجابي بالقطار، سيتعين عليه التعامل مع عدة سكك حديديةٍ مشتِركة بنفس المسار. يقول روس: "إن ذلك يعقّد الأمور قليلاً، وعلينا إيجاد طريقةٍ لتحقيق الأمر".

المحتوى محمي