إن الغاية القصوى لطباعة الأعضاء ثلاثية الأبعاد هي إنتاج أعضاء بديلة للمرضى الذين تستدعي حالتهم الصحية ذلك. ويبدو بأن العلماء على وشك الوصول إلى هذا الهدف. فمنذ عدة عقود تمكن الباحثون من تنمية أعضاء في المختبر، أو زرع بعض تلك الأعضاء في الجسم البشري. إلا أن تلك التقنيات لا تزال حبيسة مراكز الأبحاث، ولم تتطور لتصبح إجراءً علاجياً روتينياً بعد.
وفي دراسةٍ حديثةٍ جرى نشرها الأسبوع الفائت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز، أفاد باحثون بأنهم تمكنوا من تطوير تقنية جديدة لإنتاج وزراعة مبايض صناعية مُحضَّرة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وقد أنجبت الفئران التي زُرعت لديها هذه المبايض صغاراً أحياء. وبحسب الباحثين، فإن بذل المزيد من الجهود في هذا الحقل قد يُفضي يوماً إلى استخدام هذه التقنية، أو تقنيات مشابهة، في علاج النساء المصابات بالعقم.
قد لا تبدو المبايض ثلاثية الأبعاد كما تتصورها في ذهنك. ويمكن تلخيص هذه التقنية على النحو التالي: قام الباحثون في البداية بإنتاج حامل قابل للتحلل والتفكك داخل الجسم باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. بعد ذلك قام الباحثون بوضع خلايا جُريبية مأخوذة من الفئران ضمن الحامل، ثم قاموا بزراعة الحامل جراحياً ضمن إناث الفئران. وبالنتيجة، سمحت الخلايا الجريبية الجديدة لإناث الفئران بالإباضة، ومن ثم الولادة. يُذكر بأن الخلايا الجريبية هي الخلايا المسؤولة عن إنتاج البويضات، وتوجد بشكل طبيعي ضمن المبيض.
قد يبدو ذلك أمراً رائعاً، ولكن التقنية ليست جديدة بالمطلق. فقد نجحت تجارب سابقة في زراعة خلايا جريبية ضمن الفئران ودفعها للإباضة، كما إنها ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها باحثون عن نجاحهم في توليد صغار حية من فئران. ولكن التجارب والأبحاث السابقة استخدمت خلايا جريبية مُغلّفة ضمن مادة شبه هلامية لتثبيتها في موضعها، في حين أن التقنية الجديدة استخدمت الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج حوامل تقوم بالغرض ذاته، مما وفر وسطاً أكثر استقراراً للخلايا، وساعد الباحثين على التحكم بها بشكل أفضل. وقد أراد الباحثون معرفة ما إذا كانت التقنية الجديدة ستساعد الخلايا الجريبية على الاستقرار والنجاة بشكل أفضل ضمن الوسط الجديد. يقول المُعد المساعد للدراسة راميل شاه، الباحث في مجال علوم المواد بجامعة نورث ويسترن الأمريكية: "وجدنا بأنه كلما تطورت البنية الهندسية للحوامل كلما شكلت وسطاً أكثر استقرار للخلايا الجريبية، وبالتالي ساعدها على النجاة والنمو بشكل أفضل مما سبق".
وتُعد جميع تلك النتائج أخباراً سارةً فيما يخص مستقبل التخصيب الصناعي عند البشر، دون أن يعني ذلك بأن شيئاً ما قد تحقق على هذا الصعيد حتى الآن. فهذه التجربة هي الأولى من نوعها، ولا يزال الباحثون بحاجة لإجراء المزيد من الدراسات المماثلة على الحيوانات قبل تطبيق التجربة ذاتها على البشر. ولكنها تُعد خطوة مهمة نحو الأمام بأية حال. ويأمل الباحثون بأن تساعد التقنية الجديدة على تحسين مآل السرطانات التي تُصيب المبايض في سنوات الطفولة، والتي قد يؤدي علاجها إلى إصابة الفتيات بالعقم. أما الأسئلة التي يُتوقع أن يحمل المستقبل إجاباتٍ لها، فتتعلق بديمومة المبايض ثلاثية الأبعاد داخل الجسم، وما إذا كان من الممكن أن تستمر بعملها طيلة الحياة، وهو الطموح الأكبر للباحثين.
بأية حال، فإن هذه الدراسة تشكل حجر أساس للمزيد من الأبحاث والتجارب في هذا المجال، وفي حال أثبتت الحوامل ثلاثية الأبعاد تفوقها على الطرق الأخرى، فلا بد أن يركز الباحثون والعلماء على تطويرها وتحسين فعاليتها وكفاءتها.