محرك الجينات: تقنية يمكن من خلالها السيطرة على الحشرات الضارة

5 دقائق
جراد, حشرات, تقنيات, علوم طبيعية

يتعلّق مصير المجتمع جزئياً بكيفية تعامل البشر مع الحشرات، فهو يحاول إنقاذ الأنواع الجيدة، والسيطرة على الضار منها. بعض الحشرات، مثل البعوض، مزعجة وتتسبب قرصاتها في نقل الأمراض للناس؛ مثل مرض زيكا، والملاريا. في الواقع، في ذروة انتشار البعوض في الولايات المتحدة، تم الإبلاغ عن أكثر من 10 حالاتٍ من حمّى الضنك في فلوريدا هذا العام. بعض الحشرات مفيدة كالنحل، وهي تعمل كملقحات، وتساعد في إنتاج العسل المفيد لنا. بينما بعض الحشرات ضار ويهدد أمننا الغذائي، مثل الجراد الذي يهدد حالياً المحاصيل في شرق إفريقيا وآسيا.

أظهرت الحشرات قدراتٍ كبيرة على تطوير إستراتيجياتٍ يمكنها من خلالها التغلّب على طرق المكافحة التي نتبعها، مثل المبيدات الحشرية والكيميائية وتعديل موائلها، وقد باتت تقنيات السيطرة الحالية غير قادرة على مواكبة قدراتها.

نحن باحثان في مجال علم الحشرات، وتتضمن أبحاثنا هندسة فطرٍ يمكن أن يقضي على البعوض الناقل لمرض الملاريا، وكشف البيولوجيا التناسلية لعاملات نحل العسل، بالإضافة للبحث في فهم الآثار الصحية للقرّاد. تمكنا أخيراً من تقدير مدى فائدة بعض التقنيات الجديدة مثل تقنية الهندسة الوراثية التي تُدعى «محرّك الجينات»، أو «الإجبار الجيني». يمكن أن تضمن هذه التقنية انتقال سمة مفضّلة ما للجيل التالي، مثل أن نجعل البعوض محصناً ضد طفيلي الملاريا بحيث لا يعود قادراً على نقله إلى البشر.

وقد ساهمنا مؤخراً في بيانٍ يدعو إلى استمرار الأبحاث في تقنية «محرّك الجينات». يشير البيان، في ضوء الدعوات إلى تعليق أبحاث «محرك الجينات»، بأن فرض حظر على تلك الأبحاث من شأنه أن يعوق الفهم الأفضل للمخاطر المرتبطة بهذه التكنولوجيا، وبالتالي التخفيف منها للاستفادة منها بشكلٍ أفضل.

وقد تمت الدعوة إلى وقف استخدام تكنولوجيا «محرك الجينات» ورفضها في اتفاقيات الأمم المتحدة الأخيرة بشأن التنوع البيولوجي. لكن هناك دفعاً جديداً لتعليق الأبحاث المرتبطة بها.

ما هي تقنية محرك الجينات؟

محرك الجينات هي تقنية يمكن أن تسمح للمجتمع بمكافحة الحشرات بطريقة أكثر محدد وانتقائية. المبدأ الأساسي العام لجميع تقنيات محرك الجينات؛ هو التحكّم في نسل الكائن الحي لإدخال صفاتٍ مرغوبة فيه.

تنتقل بعض السمات عشوائياً من الآباء إلى الجيل التالي. لكّن تقنية محرك الجينات تجبر الجينات -إلى حدٍّ ما- على حمل صفةٍ مفضلةٍ محددة، وضمان وجودها في الجيل التالي دائماً. يقوم العلماء بتصميم محرك الجينات باستخدام أدوات «جزيئية» مختلفة.

محرك الجينات ليس اختراعاً أتى به البشر؛ فبعضها يحدث بشكلٍ طبيعي في الحشرات. على سبيل المثال، في الذبابة ذات العينين الساقية، يتسبب الجين الموجود في الكروموسوم المرتبط بالجنس في موت أي ذبابة ذكر لا تحمل جيناتٍ معينة، بما فيها الجين المسؤول عن طول السيقان التي ترتكز الأعين عليها. لقد درس العلماء هذا النوع من الظواهر الجينية جيداً.

حتى الآن، تمت مناقشة فكرة محرك الجينات في وسائل الإعلام من حيث إمكانية قضائها على الملاريا في المقام الأول. قد تترك هذه الفكرة انطباعاً لديك بأن تقنية محرك الجينات يمكن استخدامها فقط لدفع البعوض إلى الانقراض. لكن استخدامات تقنية محرك الجينات واسعةٌ جداً، ويمكن تصميمها لتحقيق نتائج مختلفة. ويمكن أيضاً تطبيقها على معظم أنواع الحشرات التي يمكن للعلماء دراستها في المختبر.

لماذا الحشرات؟

تتكاثر الحشرات بسرعة وتنتج نسلاً كبيراً، مما يجعلها مرشحة بوضوح لاستخدام التقنيات الوراثية عليها -مثل تقنية محرك الجينات- للحد من أثرها الضار المحتمل. لذلك تأتي الحشرات في مقدمة اهتمامات هذه التقنية. في الواقع، محرك الجينات هي تقنية جديدة يمكن أن توفر حلاً لمجموعة متنوعة من المشاكل المرتبطة بالحشرات التي يواجهها المجتمع اليوم.

على سبيل المثال، اُستخدمت تقنية محرك الجينات للسيطرة على ذبابة الفاكهة ذات الأجنحة المرقطة، إحدى آفات المحاصيل الرئيسية، والتي يمكن أن تنتقل سمة مقاومتها للمبيدات الحشرية إلى الأجيال التالية، وتتسبب إتلاف المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة سنوياً، بالتالي خسارة عشرات الملايين من الدولارات في الولايات المتحدة.

كما يمكن أن تتبع تقنية محرك الجينات نهجاً أكثر انتقائية لوقف الحشرات الغازية -مثل النمل الناري- عن تدمير النظم البيئية المحلية. ففي الولايات المتحدة، تُنفق عشرات ملايين الدولارات على مكافحة النمل الناري باستخدام تقنياتٍ مثل المبيدات الحشرية الكيميائية، ولكن إذا لم يُقضى على هذه الحشرة بالكامل، فستنتشر مجدداً.

بغض النظر عن مدى براعة الحشرات في التحايل على إستراتيجياتنا للسيطرة عليها، فهناك تحدٍ رئيسي آخر يقف عائقاً أمام محاولاتنا للسيطرة عليها، وهو أين يمكننا العثور عليها. في الواقع، لقد تطورت الحشرات كي تجد شريكها الجنسي بسرعة كي تتكاثر، ويمكن أن تستغل تقنية المحرك الجيني هذه الحقيقة في حياة الحشرات. يعني ذلك أيضاً أن هذه التقنية يمكنها استهداف أنواعٍ محددة فقط، وذلك على النقيض من المبيدات الحشرية المستخدمة حالياً التي تستهدف مدىً واسعاً من الحشرات.

ألهمت بعض ظواهر المحرك الجيني الطبيعية علماء الحشرات، وأرادوا بسبب ذلك تصميم محرك جيني لدى الحشرات يستمر لعقود من الزمن. وقد توفرت للعلماء في الآونة الأخيرة بعض الأدوات الجزيئية الجديدة التي يمكنهم استخدامها لتطبيق المحرك الجيني على الحشرات، مثل تقنية كريسبر. في الوقت الحالي، تعيش الحشرات التي طُبّقت عليها تقنية محرّك الجينات في المختبرات، ولم يتم إطلاق أي منها في البرّية. ومع ذلك، يمكن تعلم الكثير عن كيفية عمل تقنية محرك الجينات أثناء العمل بأمان في المختبر.

الانتقادات الموجهة لمحرك الجينات

يمكن تقسيم الانتقادات التي تُوجه إلى محرك الجينات إلى ثلاثة فئات: المخاوف الأخلاقية، وعدم الثقة في هذه التقنية، والخوف من العواقب البيئية غير المقصودة.

غالباً ما تكون المخاوف الأخلاقية بشأن محرك الجينات مدفوعة بقضايا أكبر، مثل إيقاف استخدامها في تطوير أسلحة بيولوجية عن طريق هندسة حشراتٍ أكثر خطورة لاستخدامها ضد الأعداء. لكن هناك سؤالاً حول على من تقع مسؤولية تقرير أيّ من مشاريع محرك الجينيات يجب أن تستمر، وما هي أنواع الحشرات المُعدّلة به يمكن إطلاقها في البرية؟ في الواقع، لا يستطيع العلماء وحدهم الإجابة عن هذه الأسئلة.

كما تشكّل عدم ثقة المجتمع بهذه التقنية عقبة أخرى يمكن التغلّب عليها من خلال التقنيات المبتكرة والفعّالة لتحظى بقبولٍ أكبر. غالباً ما تنبع مشكلة عدم الثقة بالتقنية من الخلافات حول من يجب عليه تطوير التكنولوجيا للسيطرة على الحشرات، وما هو الهدف منها؟

الانتقاد الثالث الشائع ضد تقنيات محرك الجينات هي أنها قد تسبب عواقب غير مقصودة في النظام البيئي، لأن محرك الجينات مصمم من قبل البشر وغير طبيعي. دائماً ما تُطرح أسئلة من قبيل: ماذا سيحدث للنظام البيئي الطبيعي إذا تسببت التقنية بانقرض البعوض المسبب للأمراض؟ هل سيسبب ذلك تهديدا للتنوع البيولوجي الطبيعي وأمن الغذاء؟ تعرض هذه الأسئلة في النهاية عواقب التدخل المحتملة في النظام الطبيعي للعالم. ولكن من يحدد ما هي الحالة الطبيعية للنظام البيئي؟ في الواقع، النظم البيئية في حالة تطورٍ وتغيرٍ دائم بالفعل.

الاستعداد لمستقبلٍ قد يشمل حشرات مُهَندسة وراثياً

عندما يُطور محرّك الجينات؛ فإنه يُصمم وفقاً لاحتياجات معينة. هذا يعني أن المخاطر المتوقعة التي يفرضها كل محرك جيني تكون خاصّة بكل مشروع، ويجب النظر فيها وتنظيمها على أساس كل حالة وحدها. من الطرق المسؤولة لحماية المجتمع من هذه المخاطر؛ هي الدعوة إلى استمرار البحث فيها، والتي تمكّن العلماء من فهمها أكثر وإيجاد حلولٍ لها. وبالإضافة إلى الحاجة لتنفيذها استناداً إلى أسسٍ علمية؛ هناك حاجة إلى سن القوانين والتشريعات التي تنظّم هذه التقنية بحيث تضمن الالتزام باللوائح، وحماية السلامة العامة.

ما يزال الباحثون حالياً يستكشفون خبايا تقنية محرّك الجينات لفهمها أكثر. هل يمكن تصميم محرك الجينات بحيث يكون قابلاً للعكس أو ليكون أكثر كفاءة؟ هل يمكن توقع تأثير محرك الجينات على النظام البيئي؟ مثل هذه الأسئلة الهامة التي لم تتم الإجابة عليها هي السبب في أن أكثر المؤيدين المتحمسين لهذه التقنية يقولون إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث فيها.

تحتاج مجتمعاتنا إلى أدوات جديدة للسيطرة على الآفات الحشرية وحماية النظم البيئية، وتعتبر تقنية محرك الجينات تقنية واعدة تحمل الكثير من الآمال.

المحتوى محمي