ظهر مصطلح «انقسام الإنترنت» خلال الفترة الماضية، وربما سمع به البعض للمرة الأولى، وشعر البعض الآخر بأن الأمر ينضوي على خطر ما، وأدرك آخرون بأن المعركة لم تنتهِ بعد وما زالت قيد المداولة، ثن بدأت التساؤلات عندها عن حيادية الإنترنت وحرية تنقل المعلومات؛ لتتنقل بنا الدائرة إلى مستقبل الإنترنت، وقصص انقسامه، وكيفية تأثيره فينا.
ما هي حيادية الإنترنت؟
يقوم مفهوم حيادية الإنترنت على التعامل العادل من قِبَل مزودي الخدمة مع المستخدمين بصورة محايدة واحدة لا تتبدل، تقوم بالأساس على حرية ولوج أي مستخدم في العالم إلى أي موقع على الإنترنت بصورة طبيعية، وبالسرعة المناسبة لاشتراكه، دون الحاجة إلى دفع رسوم مالية، أو تقديم معلومات شخصية، أو فقدان القدرة على الحصول على أي نوع من المعلومات والمحتوى.
وعليه فليس من حق أي من مزودي الخدمة المشاهير؛ مثل« Verizon» و«Comcast» حجب قدرة المستخدمين عن الدخول إلى الخدمات المتعددة على الإنترنت، أو إبطاء وصول المستخدمين إليها.
وقد صارعت العديد من الحكومات المتعاقبة في الولايات المتحدة منذ عام 2015 على حماية حيادية الإنترنت خلال الإنترنت؛ مما يعني أن يكون مصدر الخدمة قادماً من مصدر معروف، وليس من حقه التحكم في حركة تنقل المعلومات.
وفي عام 2017 خرج قرار إلغاء حيادية الإنترنت من الكونجرس الأميركي؛ مما سمح لمزودي الخدمة بفرض الحظر على خدماتها على الإنترنت مقابل فرض الرسوم على الخدمة.
ومن هنا بدأ الحديث عن إمكانية انقسام الإنترنت مستقبلاً، وتحوله إلى كتلتين.
ماذا لو انقسم الإنترنت؟
في سبتمبر/أيلول من عام 2018 ظهر «إيريك شميت»، الرئيس التنفيذي السابق لجوجل، في مؤتمر بسان فرانسيسكو الأميركية متحدثاً عن المفاجأة التي يتوقع حدوثها بحلول عام 2028، وهو أن الإنترنت حول العالم سينقسم إلى كتلتين: الأولى تنطلق من الولايات المتحدة، والأخرى تخرج من قلب العاصمة الصينية.
رأى شميت أن حدوث ذلك سيمثل أزمة كبيرة؛ بسبب ارتفاع العوائد الصينية المحققة من الإنترنت مقارنةً بالعوائد المحققة في الولايات المتحدة، وهو ما يعني المزيد من التمدد في السيطرة على الإنترنت.
والحقيقة أن الصين هي أكثر الدول المرشحة للاستحواذ والتحكم في الكتلة الأكبر من الإنترنت مستقبلاً؛ بسبب اتساع نطاق الأعمال المُعدَّة هناك، وكثرة الشركات المنتجة والمتحكمة في المحتوى؛ مما يجعلها مُتحكِّماً في نوعية المحتوى الذي يخرج للكثير من دول العالم التي تتبع إنترنت الكتلة الصينية.
ومن أهم الملامح المُحدِّدة لشكل الإنترنت في حال تحقق ذلك السيناريو؛ فهو خضوع كتلة الإنترنت التي يتبعها المستخدمون إلى التحكم الكامل المتمثل في: قطع الخدمة عن بعض أنواع المحتوى؛ بسبب تقييدها برسوم اشتراك شهري، أو إبطاء ظهور الخدمة وسرعتها عن المعدلات الطبيعية، أو حجب المحتويات بشكلٍ كامل بسبب تنافيها مع المعايير التجارية التي يحصل من خلالها مزودي الخدمة على أرباحهم.
وقد ظهر ذلك بوضوح -بوصفه مثالاً- لما يمكن أن تصبح عليه الصورة في المستقبل؛ فقد حددت البرتغال رسوم اشتراك خاصة ببعض محتويات الإنترنت، ولن يستطيع المستخدمون أن يدخلوا إليها أو يحصلوا عليها إلا بعد سداد قيمة الخدمة المحددة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل صار من المؤكد أن هذا هو مصير الإنترنت خلال العقود القادمة، أم أن ثمة تغييرات يمكن أن تغير قليلاً من الصورة؟
شهدت الأيام الماضية محادثات دولية جديدة تخص مسألة حيادية الإنترنت، وحرية تنقل المعلومات، ومنع الشركات المزودة للخدمات من التحكم في المحتوى بأي شكل؛ مما يعني أنه قد يجِدُّ جديد في تلك القضية، يمنع من الوقوع في سيناريو انقسام الإنترنت.
ختاماً، هل تظن أن مصير الإنترنت هو الانقسام إلى أكثر من كتلة، أم أن الأمور ستظل كما هي على مدار الخمسين عاماً القادمة؟