ربما سمع معظمنا عن قانون «موور- Moore»، وهو القاعدة الذهبية لصناعة الإلكترونيات، الذي ينص على أن عدد الترانزستورات على شريحة معالج أجهزة الكمبيوتر يتضاعف تقريباً كل عامين، مما يعني أن أجهزة الكمبيوتر ستزيد قوتها بشكلٍ كبير، وتقل تكلفتها نسبياً بوتيرة متسارعة للغاية. لكن هل سمعت عن قانون «إروم - Eroom»؟
كما لاحظت فإن حروف كلمة «Moore» كُتبت بالعكس لتصبح «Eroom». يوضح هذا الاستنتاج أن تكاليف البحث والتطوير لكل دواء تمت الموافقة عليه، تضاعفت تقريباً كل 9 سنوات بين عام 1950 وعام 2010.
أضف إلى هذا حقيقة أن الأدوية المُرشحة للاختبار اليوم أكثر عرضة للفشل في التجارب السريرية، مقارنة بفترة السبعينيات. تُظهر كل هذه المشاكل مدى صعوبة إنتاج عقار جديد في الأسواق.
طُرحت أسباب مختلفة في محاولة توضيح ارتفاع معدل هذا الفشل، كان أحدها أن اختبار الدواء على النماذج الحيوانية قبل الاختبارات السريرية؛ قد لا يعكس بشكل صحيح استجابة الجسد البشري للدواء. لهذا يأمل العلماء كثيراً في شرائح أعضاء الجسد «organs-on-chips»، باعتبارها أكثر تعقيداً، وتقدم تنبؤاتٍ أكثر دقة في نماذج الاختبارات في المعمل، والتي يمكنها إعادة تعريف الاستجابة البشرية للدواء بصورةٍ أفضل.
بالتأكيد ليست بالمهمة السهلة، وربما يكون سقف توقعاتنا أعلى مما يمكن لهذه التقنية تقديمه؛ فهل ستتمكن بالفعل من تغيير صناعة الدواء بالكامل؟
ما هي شرائح أعضاء الجسد؟
في عام 2010، قدّم الباحثون في معهد ويس للهندسة الحيوية بجامعة هارفارد، تقنية شرائح أعضاء الجسد بعد أن نشروا ورقتهم البحثية الرائدة، التي شرحوا فيها نظاماً صغيراً للغاية يُحاكي بيولوجياً وظيفة عمل الرئة البشرية.
يعرّف الفريق شرائح أعضاء الجسد بأنها: «دمج تقنيات السوائل المجهرية، مع الخلايا الحية المزروعة داخل الأجهزة ثلاثية الأبعاد، والتي تم إنشاؤها باستخدام تقنيات التصنيع الدقيق ضمن مجال صناعة الرقائق الدقيقة. الهدف من ذلك هو دراسة فسيولوجيا جسد الإنسان في سياقٍ خاص بالأعضاء، وكذلك تطوير نماذج اختبار معملية أكثر تخصصاً للأمراض». ولكن في الواقع، كانت هذه التقنية قيد التطوير منذ عدّة سنوات؛ حيث بدأت مع ظهور تقنية زراعة الخلايا في السوائل المجهرية في أواخر التسعينيات.
يمكن تعريفها ببساطة على أنها شرائح دقيقة، صُنعت من شرائح معالجات أجهزة الكمبيوتر تحتوي على الخلايا الحية، ويمكنها أن تُحاكي العمليات الحيوية في جسد الإنسان مثل التنفس، وكيفية الإصابة بالعدوى.
استخدامات شرائح أعضاء الجسد
قد تستغرق الدراسات السريرية عدّة سنوات لإكمال واختبار مركب واحد من دواء واحد، ويمكن أن تكلف بين 161 مليون دولار و2 مليار دولار لهذا الدواء. وفي ذات الوقت، تُفقد أعداد لا حصر لها من الحيوانات في سبيل اختبارات العقاقير، وغالباً ما تفشل هذه العملية في التنبؤ باستجابات الجسد البشري للدواء، لأن النماذج الحيوانية التقليدية لا تُحاكي في كثيرٍ من الأحيان فيسيولوجيا المرض لدى البشر.
تستطيع شرائح أعضاء الجسد احتواء أنواع مختلفة من الخلايا والأنسجة التي تتكون منها الأعضاء البشرية، لذلك تقدم بيئة دقيقة مثالية لدراسة الأنشطة الجزيئية والخلوية التي تكمن وراء وظائف الأعضاء البشرية، وتُحاكي حالات الأمراض البشرية، وتساهم كذلك في تحديد أهداف علاجية جديدة في المختبر.
يمكن استخدامها أيضاً في زراعة الميكروبات الحية لأوقات طويلة، حيث تكون متصلة مباشرة بالخلايا الحية في الأمعاء البشرية، لتوفير نظرة ثاقبة حول كيفية تأثير هذه الميكروبات على الصحة والمرض التي تسببه. كما تساعد شريحة الأمعاء في إعادة خلق البيئة البشرية المعوية، من أجل اختبار قدرتها على امتصاص الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم.
كما أنها تفتح إمكانات جديدة لاستكشاف كيفية تأثير العوامل البيئية مثل؛ دخان السجائر على صحة الأنسجة وفيسيولوجيا الأعضاء لدى المرضى، كما يظهر في جهاز التدخين الذي يُحاكي بدقة سلوك التدخين البشري، وتأثيره على وظائف مجرى الهواء في الرئة البشرية، عن طريق استنشاق دخان السجائر مباشرة من خلال شريحة مجرى الهواء في الرئة.
ابتكرت العديد من المختبرات شرائح القلب، لدراسة الجوانب المختلفة لنظام القلب والأوعية الدموية مثل؛ التأثيرات على عملية وصول الأدوية عند تحفيزها باستخدام القوى الكهربائية والميكانيكية. كما يمكن دمج شريحة الكبد مع شرائح أعضاء أخرى مثل الرحم والثدي، لاختبار سُمية العلاج الكيميائي بعد استقلابه بواسطة الكبد.
تبدو تطبيقات هذه التقنية بلا حدود، مع استمرار المجال في التوسع والتطور. كما لها مزايا عملية في مجال صناعة الدواء، مثل توفير التكلفة والوقت ومجهودات العمل. وبينما يستمر البحث العلمي في هذا المجال بالتقدم والتطور مع مرور الزمن، لا يزال هناك الكثير والكثير من العمل المطلوب قبل أن يصبح نظام شرائح أعضاء الجسد معياراً لتطوير الأدوية.
على الرغم من المستقبل الواعد لاستخدام شرائح أعضاء الجسد في تطوير عقاقير وأدوية أرخص وأسرع، وتقليل الاختبارات على الحيوانات، إلا أن صُناعتها ليست عملية بسيطة، حيث هناك العديد من العقبات والتحديات التي يتعين التغلب عليها. بعض هذه التحديات تشمل التحديات البيولوجية؛ مثل المقياس الصحيح لحجم الأعضاء، وعدد الخلايا الذي ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار عند التصنيع، بالإضافة لعنصر المناعة والاستجابات المناعية التي يمكن أن تغير من جرعات الأدوية.
كذلك بعض العقبات التقنية، مثل قدرتها على الامتصاص الكيميائي للعقاقير، ومشاكل الاتصال والاختلافات في معدل السريان بين منصات الشرائح المختلفة. ومع أنها قد لا تُحاكي وظائف الجسد بدقة كاملة، إلا أنها تملك القدرة على التنبؤ بصورة أفضل بالأدوية التي ستكون فعالة وآمنة للبشر.