نسيج بأطراف متحركة يبشر بمستقبل من المواد القابلة للبرمجة

6 دقائق
يعتمد مشروع النسيج الفعال على الخواص الطبيعية لعدة مواد لصنع أنسجة قادرة على الاستجابة للبيئة المحيطة بدون الروبوتات.

ليس من المستحب لمس المعروضات في معظم المتاحف. كما أن الفن، بشكل عام، لا يتجاوب مع البيئة المحيطة. ولكن الوضع مختلف بعض الشيء في الطابق الثالث من متحف كوبر هيويت سميثسونيان للتصميم. فمن أبريل إلى أكتوبر، يفتتح معرض "الحواس: تصاميم تتجاوز النظر" أمام الزوار، ويطلب منهم أن يتفاعلوا مع القطع الفنية والتصاميم عن طريق التحسس والشم والتذوق والسماع وغير ذلك. إنه بمثابة حلم للأولاد (وربما الأهل أيضاً)، وعلى الرغم من تواجد الحراس، فهم لا يتدخلون إلا فيما ندر. يتميز هذا المعرض بأنه يتيح إمكانية وصول رائعة للزوار الذين قد لا يتمتعون بحاسة نظر جيدة، ويعتبر بمثابة لمحة مقتضبة ومنظمة عن مستقبل المواد التطبيقية، وهو مجال أساسي لا يحظى بالاهتمام الكافي، ينتج عن تقاطع مجالات التصميم، وعلم الجمال، والهندسة، والكيمياء، والفيزياء.

في زيارتي الأولى إلى المعرض، برفقة كارول ديربي نائبة رئيس البحث والتطوير لشركة ديزاينتيكس لتصميم وتصنيع المواد، توقفنا للتربيت على حائط متموج مغطى بفراء اصطناعي داكن. تحركت أيدينا صعوداً وهبوطاً، ونحو الأمام والخلف، وفي دوائر كبيرة، وشغلت الحساسات ضمن الفراء موسيقى أوركسترالية ملأت الغرفة.

غير أن ديربي لم تذهب إلى هناك لمداعبة حائط، أو استنشاق الروائح التجريبية التي تمثل أشياء مثل "لحظة مكررة جماعية"، أو التفكير بأكل الكراسي الخشبية أو مساند الأرجل المعدنية التي بنيت لتبدو على شكل مخبوزات شهية، بل كانت تتفقد النسيج الفعال، وهو أكبر نموذج أولي عامل لنوع جديد من المواد التي تستجيب للمحفزات البيئية بنفسها، بدون الروبوتات.

المادة الشبيهة بخصلات ورقة النخيل، أو الأسواط البكتيرية، وقد صممت لتتمدد أو تتقلص استجابة للحرارة والضوء.
مصدر الصورة: تقدمة من مختبر إم آي تي للتجميع الذاتي، ديزاينتيكس، وستيلكيس

يعتبر مشروع النسيج الفعال ثمرة تعاون بين ديزاينتيكس، وشركة ستيلكيس للأثاث، ومختبر التجميع الذاتي في إم آي تي، ويبدو من بعيد ككائن حي. وهو مبني على شكل ستارة يابانية منتصبة، بشكل مرتفع وعريض، ولكنه قابل للطي أيضاً. تتميز الطبقة الخارجية بلون رمادي، ومن خلفها تدرج يتراوح بين اللونين الأحمر والأزرق. ولأغراض العرض، أنير النسيج من الخلف بمصابيح حرارية تتحرك بشكل متناغم من الأعلى إلى الأسفل كشموس صغيرة.

ولكن، على عكس النسيج التقليدي الذي يبقى مكانه بدون حراك، فإن تقطيعات الشيفرون (على شكل حرف V) في النسيج الفعال تفتح وتغلق مع حركة المصابيح. فعند ارتفاع الحرارة قربها، تفتح الخصلات الصغيرة بشكل يشبه سحلية محرشفة تنفخ رقبتها. ومع تراجع الإضاءة، تنكمش الشقوق وكأنها صفوف صغيرة من الجنود وهي تتراص قرب بعضها البعض. ويبدو المنظر بأكمله حساساً وودوداً في نفس الوقت، وكأنه مجموعة من ورق النخيل الذي يتمايل مع الرياح.

وعلى الرغم من كل هذه الجماليات الرقيقة، فإن المبادئ العلمية التي يعتمد عليها المشروع موضوع تقني شديد التعقيد. تقول ديربي، وهي تشرب الشاي في فناء المتحف: "إنها ست طبقات". توجد طبقة من نسيج البوليستر البحت المطبوع، والذي يحسن من توهج المصباح. وطبقة من الألمنيوم تمنح النسيج شكله. ومواد لاصقة تجمع كل هذه الطبقات معاً. ولكن الحركة الحية للمادة تأتي من التفاعل بين أول طبقتين: الوجه القماشي المطبوع، وطبقة البولي إيثيلين منخفضة الكثافة والملتصقة بها.

تم اختيار هذه الطبقات السطحية بعناية وفقاً لما يسمى "معامل التمدد الحراري"، كما تقول ديربي. حيث أن كل مادة، بدءاً من العوارض الخشبية في السقف وصولاً إلى الاسمنت تحت قدميك، تستجيب للحرارة بطرق مختلفة بعض الشيء. وهذا يحدث بشكل طبيعي طوال الوقت، وبدون أن نلاحظ في أغلب الأحيان.

أما الابتكار الحقيقي في النسيج الفعال فهو قرار فريق التصنيع بالاستفادة من هذه الظاهرة، وذلك عن طريق إلصاق مادتين مختارتين بعناية من حيث الاختلاف في معاملات التمدد الحراري، بحيث يمكن الحصول على استجابة متسقة وواضحة للحرارة. قد لا تتغير أي من تلك الطبقات لوحدها كثيراً مع المصباح الحراري، ولكن عند وضعها معاً، تفتح وتغلق مع ارتفاع وانخفاض الحرارة.

يروج مختبر التجميع الذاتي في إم آي تي لفكرة الطباعة رباعية الأبعاد. وفقاً لمؤسس المختبر سكايلر تيبيتس، فإن البعد الرابع هو الزمن.
مصدر الصورة: تقدمة من مختبر إم آي تي للتجميع الذاتي، ديزاينتيكس، وستيلكيس

يشغل سكايلر تيبيتس منصب المدير المساعد لمختبر التجميع الذاتي في إم آي تي، وهو مؤسس المختبر وصاحب فكرة مشروع النسيج الفعال. في 2014، تحدث تيبيتس عن مستقبل ما أطلق عليه اسم "الطباعة رباعية الأبعاد"، وفي حين أن الطباعة ثلاثية الأبعاد (أو الطباعة المجسمة) تقوم على الطول والعرض والارتفاع، اقترح تيبيتس إضافة بعد رابع وهو الزمن. يمكن تصميم المواد حتى تكون "ذاتية التجميع" أو تتحول بشكل آخر بعد إنتاجها الأولي. يقول تيبيتس: "إن هذه الفكرة أشبه بروبوتات بدون محركات أو أسلاك". ويقول أننا قد نتمكن يوماً ما من طباعة وتركيب أنابيب تتمتع بقدرة ذاتية على التمدد والتقلص وفقاً لتدفق الماء، أو تشغيل روبوتات نانوية تقوم بتجميع نفسها لتوصيل الدواء إلى منطقة ما داخل الجسم. وكما يبدو من حديث تيبيتس، فقد تصبح الصلابة شيئاً من الماضي.

كانت الأنسجة الأساسية مجالاً مناسباً لإجراء أولى الاختبارات حول المواد القابلة للبرمجة. قال تيبيتس لي في مكالمة هاتفية: "كنا نصنع قطعاً وعينات صغيرة". اعتمد الفريق على قواعد البيانات المعتادة لتحديد الخواص الحرارية للمواد المختلفة، وقاموا باختبار تركيبات متنوعة من الأنسجة المختلفة على نطاق صغير. أما الهدف الأساسي فكان اكتساب المزيد من المعلومات الجديدة وبرهان صحة الفكرة النظرية. يضيف تيبيتس: "وبعد هذا، فكرنا بإمكانية نقل هذه الفكرة إلى الأسواق، ما أدى إلى الشراكة مع ستيلكيس وديزاينتيكس".

قامت الفرق الثلاثة بتضييق نطاق المواد المستخدمة في عرض كوبر هيويت، إضافة إلى تفاصيل أصغر ولكنها ليست أقل أهمية، مثل اللون وطريقة التقطيع. كان التأثير اللوني الإجمالي أشبه بلون الخوخ الناضج، وعلى الرغم من جماله، فإن أهميته الحقيقية تكمن في امتصاص الطاقة. يقول تيبيتس: "تمتص ألوان الطيف المختلفة مقادير متفاوتة من الضوء، ما يعني مقادير مختلفة من الحرارة". وكلما كان اللون أغمق، ازداد امتصاصه للضوء، وكلما كان أفتح، كان أكثر عكساً للضوء.

وبشكل مشابه، فإن التقطيعات الراقصة تحدد سرعة حركة النسيج. يقول تيبيتس: "أدت هذه التقطيعات إلى تغيير الخصائص الهندسية للنسيج. وبشكل أساسي، فإن زيادة طول القطعة يقلل من مقدار القوة المطلوبة لتحريكها من الطرف، أي أن الأشرطة الطويلة أكثر فعالية حركية من الأشرطة القصيرة".

كانت المشاريع السابقة للنسيج القابل للبرمجة أشبه بجلد الزواحف، حيث كان السطح مغطى بمثلثات صغيرة مرنة تستجيب للإضاءة بشكل شبيه لاستجابة النباتات صائدة الذباب للحركة، كما كانت نماذج أخرى أشبه بشبكة متموجة كبيرة. وعلى حين أن اختبار هذه المواد المركبة عملية صعبة، فإن تصنيعها أسهل من ذي قبل، بفضل ستيلكيس وديزاينتيكس، كما يقول تيبيتس. وبوجود آلة صناعية لإلصاق رقاقات المواد، وآلات تقطيع يتحكم بها الحاسوب، "فقد أصبح بإمكاننا تصنيع كميات كبيرة على الكثير من الأنسجة المختلفة. برأيي، إنها قفزة كبيرة".

في ذلك اليوم الحار من شهر يونيو في متحف كوبر هيويت، أمعنت ديربي النظر في النسيج الفعال، ولاحظت التغيرات الطفيفة التي طرأت عليه منذ تركيبه. وتقول مشيرة إلى بعض الأشرطة التي بقيت مفتوحة على الرغم من تراجع الحرارة: "لقد رأينا بعض الحالات التي لا يعود فيها النسيج إلى شكل مسطح مثالي". تفقد جميع المواد قوتها وحساسيتها مع الزمن، حيث تهترئ القمصان، ويفقد الدهان لونه ويتقشر، ويتشقق الخشب، ولا يختلف النسيج الفعال عن بقية المواد من هذه الناحية، على الرغم من ان عملية الانطواء مسرّعة بعض الشيء في جو العرض الداخلي غير المثالي، حيث يلعب المصباح الحراري شديد القوة دور أشعة الشمس العابرة اللطيفة. قد تبدو هذه العيوب محبطة لمالكي المنازل في المستقبل، والذين دفعوا أموالهم لتركيب النسيج الفعال في نوافذهم، ولكن التشوهات الصغيرة أمر منتشر في جميع أشكال الحياة، ولهذا، فإنها تبدو كدلالة على أن هذا النسيج حي أيضاً.

تعتبر هذه الصفة الحية أساسية لدى تيبيتس. ويقول أن الناس معتادون على فهم وتقدير واستخدام الميزات الخاصة للمواد الطبيعية. وعلى سبيل المثال، فقد اعتمد بناة السفن على قابلية الخشب للانتفاخ لعزل بدن السفينة ومنع الماء من الدخول. كما أن خيام اليورت المستخدمة للسكن في وسط آسيا مصنوعة من الصوف، بحيث تحتفظ بالحرارة في الشتاء وتسمح بتغير الهواء بسهولة في الصيف. يقول تيبيتس: "لقد فقدنا الكثير من هذه المعرفة حول المواد الطبيعية. والآن، نميل لاستخدام الروبوتات في كل شيء".

بالابتعاد عن استخدام الشاشات والأسلاك، استخدم تيبيتس التكنولوجيا العصرية المتوافرة –مثل آلات الإلصاق والتقطيع- لصنع مواد بسيطة. وبهذه العملية، يزيل تيبيتس وزملاؤه الحدود ما بين الماضي والمستقبل. تقول ديربي: "يمكن حل الكثير من المشاكل بالاعتماد على هذه المعلومات القديمة أو المستمدة من الحرف اليدوية حول خصائص المواد".

لم يُحدد الاستخدام الأمثل لهذه المواد دائمة التغير.
مصدر الصورة: تقدمة من مختبر إم آي تي للتجميع الذاتي، ديزاينتيكس، وستيلكيس

ليس من المرجح أن نرى النسيج القابل للبرمجة في بيوتنا أو مكاتبنا قريباً. ويقول الشركاء الثلاثة، ديزاينتيكس وستيلكيس ومختبر التجميع الذاتي، أنه يوجد المزيد مما يجب فعله لتحسين هذه المواد، والعثور على السوق الملائمة. وفي الأشهر والسنوات المقبلة، يمكن الاستفادة من الدروس المستقاة من عملية تصنيع هذا النموذج الأولي لتصنيع ستارة ذاتية الاستجابة، أو حاجب رؤية ذكي، أو شيء ما لم نتخيله بعد.

عندما وقفت أمام النسيج الفعال، وأنا أقاوم الرغبة في لمسه أثناء تموج هذه الأشرطة المصنوعة بعناية، وجدت نفسي آمل أن أرى تطبيقاً آخر لهذا النسيج، شيئاً تفاعلياً ما ينم عن مخيلة خلاقة.

المحتوى محمي