أثناء نزهة مشياً على الأقدام في الغابات المطيرة الإندونيسية في 2011، صادف توفر وايت رجلاً يقطع شجرة بشكل غير قانوني. كان الرجل يعمل على بعد مسافة قصيرة من محطة الحراسة، غير أن جلبة زقزقة العصافير وأزيز الحشرات طغت على صوت منشاره الآلي، فبقي مخفياً يعمل بأمان.
استوحى وايت فكرة من هذه الحادثة. فقد كان المهندس الذي يعمل في سان فرانسيسكو يحلم بصنع جهاز قادر على التقاط أصوات المناشير وتبليغ سلطات المتنزهات عن مكانها. وقد علم وايت، والذي يبلغ عمره الآن 35 عاماً، أن بعض مناطق الغابات المطيرة أصبحت تتمتع بتغطية خليوية ممتازة. حيث تتوافر الأبراج الخليوية، حتى في الأماكن التي تندر فيها الطرقات وخطوط الطاقة الكهربائية. ويمكن للسكان المحليين إجراء الاتصالات وإرسال الرسائل النصية من أطراف الغابة، حيث يتركز التحطيب غير القانوني.
في رحلة لاحقة إلى إندونيسيا، قام وايت بتركيب بعض الهواتف الخليوية في محمية لقردة الجيبون. حيث ستقوم هذه الهواتف بتنبيه حراس المتنزه عند سماع صوت المناشير الآلية. وبعد تركيب النظام بفترة وجيزة، تلقى وايت إشعاراً بالبريد الإلكتروني من أحد هواتفه. وقام بإبلاغ الحراس، الذين قاموا بتتبع الصوت الضعيف للمنشار الآلي عبر الغابة. وقاموا باعتقال مجموعة من الحطابين غير الشرعيين متلبسين بالجرم المشهود.
يقول وايت: "في معظم الحالات، يعتقد الحطابون غير الشرعيين وأمثالهم أنهم بمأمن من اكتشافهم أو القبض عليهم. وعندما يتعرضون لهذا، يفقدون الحافز للمخاطرة".
يوضع كل هاتف خليوي ضمن علبة بلاستيكية واقية، ويحصل على الطاقة من مصفوفة شمسية صغيرة. يقوم ميكروفون عالي الحساسية بتسجيل الأصوات المسموعة في الغابة المطيرة، ويتم إرسال هذه الأصوات إلى السحابة الإلكترونية لتحليلها. وعند التقاط صوت منشار آلي، يقوم الهاتف بإرسال رسالة نصية أو بريد إلكتروني إلى السلطات المعنية.
على الرغم من أن الخبراء دعوا إلى استخدام الطائرات بدون طيار والأقمار الاصطناعية لرصد التحطيب غير القانوني، فإن هذه التقنيات عموماً لا تتيح للسلطات الاستجابة بشكل فوري. أما أجهزة التنصت التي صممها وايت، فهي تقوم بإعلام الحراس بشكل فوري وتدلهم على مسرح الجريمة.
تعتبر هذه التقنية إضافة رائعة إلى جهود حماية الغابات. حيث يتسبب التحطيب غير القانوني بتشويه المناظر الطبيعية، وتدمير مواطن الكائنات الحية، كما يساهم بشكل كبير في التغير المناخي. وذلك لأن الأشجار تسحب الكربون من الهواء وتخزنه في جذوعها وأوراقها. وعندما يقطع هؤلاء الحطابون شجرة، فإنهم يقضون على أداة هامة لسحب الكربون. ومع مرور الزمن، تتراكم آثار هذا العمل. ويساهم زوال الغابات في التغير المناخي أكثر من جميع السيارات والشاحنات على وجه الأرض. وتعود نسبة 90% من زوال الغابات الاستوائية إلى التحطيب غير القانوني.
يقول وايت: "عادة ما يستهدف التحطيب غير القانوني أنواعاً محددة من الأشجار في الداخل ذات أخشاب عالية القيمة، إضافة إلى فتح طرقات ترابية عريضة لإخراج الجذوع بالشاحنات. وبوجود هذه الطرقات، يصبح من الممكن الوصول إلى مناطق كانت عصية من قبل، واستغلالها بأشكال أكثر تدميراً، مثل بناء المستوطنات، والصيد غير القانوني، وفي النهاية إحراق الغابة وإخلاء مكانها تمهيداً للزراعة".
يترأس وايت الآن منظمة راينفورست كونيكشن، وهي منظمة غير ربحية تقوم بتحويل الهواتف الخليوية بنظام أندرويد، والتي تجمع بالتبرعات، إلى أنظمة لحراسة الغابات. يرمي الأمريكان سنوياً مئات الملايين من الهواتف الخليوية في المهملات. ويقوم وايت بإعادة استخدام هذه الأجهزة التي كان يمكن أن تنتهي في مطمر للقمامة.
يمكن لهاتف واحد أن يغطي تقريباً مساحة 2.6 كيلومتر مربع من الغابة، أي ما يكافئ 15,000 طن من ثنائي أوكسيد الكربون المخزن، وفقاً لوايت. وهو ما يساوي تقريباً الانبعاثات الناتجة سنوياً عن 3,000 سيارة. قام وايت بتركيب ما يقارب 100 جهاز تنصت في الغابات في إندونيسيا، الكاميرون، رومانيا، البرازيل، الإيكوادور، بيرو، نيكاراغوا وبوليفيا. كما جمع آلاف الدولارات لمشروعه على موقع كيك ستارتر، وذلك بمساعدة نجم موسيقى الروك القديم نيل يونج.
يعمل وايت حالياً على تطوير تقنيته للقبض على الصيادين غير القانونيين، وذلك ببناء أجهزة لالتقاط أصوات البنادق ومحركات القوارب إضافة إلى المناشير الآلية. وقد قام بنشر بعض الأجهزة في غابات بوليفيا، حيث تسعى السلطات لحماية حيوانات الجاغوار التي تضاءلت أعدادها. والتي ويقوم الصيادون بقتلها للحصول على أسنانها التي تستخدم في الطب الصيني التقليدي لعلاج الروماتيزم، وأمراض أخرى. وتقوم أجهزة وايت بإنذار حراس المتنزهات عند التقاط أصوات الصيادين غير الشرعيين.
ليس وايت الناشط الوحيد الذي يستخدم الهواتف لحماية الطبيعة. فقد دعا الخبراء إلى تزويد السكان المحليين بهواتف خليوية لمراقبة زوال الأشجار. ويمكن للتجمعات السكانية أن تعتمد على الكاميرات لتصوير التحطيب غير القانوني، وتقنيات نظام تحديد المواقع العالمي GPS لتسجيل أماكن الحطابين، والهواتف لإبلاغ السلطات.
تعمل منظمة ويتنيس في نيويورك على تدريب الناس على استخدام كاميرات الفيديو، وتحديداً في الهواتف الذكية، لمراقبة الجرائم. وهذا يتضمن الاستخدام المفرط للقوة من قبل رجال الشرطة، والإتجار بالبشر، والتحطيب غير القانوني. وقد قامت منظمة ويتنيس مؤخراً، بالتعاون مع اتحاد من مجموعات البيئة وحقوق الإنسان، بإطلاق حملة لمكافحة إزالة الأشجار في الأمازون. حيث يوزعون على السكان المحليين الطائرات بدون طيار، والهواتف الخليوية، وتجهيزات الأقمار الاصطناعية، وذلك لتوثيق التحطيب غير القانوني.
تقول بريسيلا نيري، مديرة أساسية للبرامج في ويتنيس: "بدأت المجتمعات، وبشكل أكبر من ذي قبل، باستخدام الفيديو والهواتف الخليوية لتوثيق الجرائم البيئية وفضحها ومحاربتها، مثل التحطيب غير القانوني. ومع تزايد الأدلة، يصبح من الصعب إنكار هذه الجرائم، أو تجاهلها، أو نسيانها".
بدأت التجمعات السكانية المحلية من إندونيسيا إلى جويانا باستخدام الهواتف الذكية لردع الحطابين غير القانونيين. وقد تسبب انتشار الهواتف الذكية المزودة بكاميرات الفيديو وتقنية نظام تحديد المواقع العالمي بجعل عملية المراقبة متاحة للجميع. صحيح أنه يمكن لأي شخص يحمل هاتف أندرويد أن يسلط الضوء على الأفعال الخاطئة، غير أن الناشطين مثل وايت ونيري يسهلون من هذا الأمر.
قال وايت في مؤتمر مجموعة تيد الإعلامية لعام 2014: "إذا تمكنا من إيقاف المجرمين بشكل فوري، فهو رادع كافٍ يضمن عدم عودتهم إلى فعلتهم". ويضيف أن استخدام الهواتف الخليوية لمراقبة التحطيب غير القانوني "قد يكون الطريقة الأرخص والأسرع لمحاربة التغير المناخي".