حسب التقديرات، يشاهد الناس أكثر من مليار ساعةٍ من مقاطع الفيديو يومياً على موقع يوتيوب. إلا أن الانتقادات ليوتيوب تزايدت في الأعوام الأخيرة؛ بسبب دورها في نشر وزيادة عدد مشاهدات مقاطع الفيديو المتطرّفة، بسبب بعض الخوارزميات التي تتبعها هذه المنصة.
كان معظم النقد موجهاً بشكلٍ خاص لنظام اقتراح مقاطع الفيديو على المستخدمين الذي تعتمده يوتيوب، الذي يعمل على نشر ثقافات متطرفة موجّهة للشباب، وتوجيه المشاهدين إلى مقاطع فيديو ذات محتوىً مخيف أو مربك، أو مليء بالأكاذيب.
تدعي شركة يوتيوب أنّها تحاول دائماً تجنب دعم المحتوى المشكوك فيه. إلا أن البحث الذي أجراه فريقٌ من شركة جوجل، والتي تُعتبر الشركة الأم ليوتيوب، تشير إلى أنّ ما قالته يوتيوب أبعد ما يكون عن الوضوح؛ بالنظر إلى الضغط التجاري الذي يدفع لإبقاء المستخدمين منشغلين بالمزيد من المُحتوى الجذّاب المُحفّز أكثر مما كان عليه الأمر في السابق.
ولكن كيف تعمل خوارزميات الفيديوهات التي تقترحها يوتيوب فعلياً؟ وما مدى مسؤوليتهم عن مشاكل نشر وتعزيز مقاطع الفيديو المتطرفة؟
الخوارزميات تحدد ما نراه
كل ما نراه على الانترنت تقريباً معدٌّ بواسطة الخوارزميات. فهي تقرر ما الذي سيظهر لنا في نتائج البحث على جوجل، وفي أخبار آبّل، والأخبار السائدة على تويتر، وتوصيات نيتفلكس، والتحديثات التي يعرضها فيسبوك، وحتّى تحديد رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية بناء على تصنيفات المستخدمين السابقة.
وغالباً ما تقرر هذه الخوارزميات ما تعرضه علينا؛ بناءً على ما تجمعه من معلوماتٍ عنّا وعن اهتماماتنا الخاصة، وحتّى أنها تستخدم معلوماتٍ من قبيل ما يفعله أصدقاؤنا والمحتوى الأحدث، بالإضافة إلى العشوائية المُضمّنة لخيارات ما تعرضه. ما يجعل من العسير علينا تصميم خوارزمية عكسية لتبيّن كيفية ظهور هذا المحتوى لدينا.
تقوم الخوارزميات بجمع البيانات المتعلّقة بنا وتعالجها لتحقيق هدفٍ معين -غالباً ما يكون بهدف التأثير على سلوك المستخدمين-؛ مثل التسويق لمنتجٍ ما أو ابقائنا مرتبطين بتطبيق، أو موقعٍ ما على الويب.
في يوتيوب، تحوز الخوارزمية التي بُنيت عليها ميزة «التالي - Up next» بأكبر قدرٍ من الانتقادات والاهتمام، لكن ذلك لا يعني أن الخوارزميات الأخرى أقل أهميةً، بما فيها تلك التي تُرتب بها نتائج البحث والفيديوهات المُقترحة على الصفحة الرئيسية، وقوائم الفيديوهات الاكثر شعبية.
كيف يوصي أو يقترح يوتيوب مقاطع فيديو؟
الهدف الرئيس لخوارزمية «توصيات يوتيوب» هو جعلنا نستمر في المشاهدة، وهي تعمل بالفعل، فقد وجدت الدراسات أنها مسؤولةٌ عن أكثر من 70% من الوقت الذي يقضيه المستخدمون في مشاهدة مقاطع الفيديو.
عندما يشاهد المستخدم مقطع فيديو على يوتيوب، يعرض الشريط الجانبي «التالي - Up next» مقاطع الفيديو ذات الصلة ولكنها عادةً ما تكون أطول وأكثر مشاهدةً. يتم عرض وترتيب مقاطع الفيديو هذه وفقاً لسجلّ المستخدم والمحتوى الذي يشاهده غالباً، ويعطي الأولوية لمقاطع الفيديو الأحدث عموماً.
وهنا نبدأ بمواجهة المشاكل، فإذا كان الهدف هو زيادة وقت المشاهدة، فإنّ الخوارزمية ستميل إلى تفضيل مقاطع الفيديو الجديدة والمثيرة للاهتمام والاستفزازية. وبالرغم من ذلك، فإن هذه الخوارزميات ليست سوى جزءٍ بسيطٍ من هذه المنصة الاجتماعية الهائلة والمعقّدة؛ اليوتيوب. وفي الواقع، وحتّى الآن ليس هناك إلا القليل من الأدلّة التجريبية التي تشير لدور الخوارزميات في آليات التطرّف.
في الحقيقة، يشير بحثٌ حديث إلى أنه بدلاً من التفكير في أثر الخوارزميات لوحدها، ينبغي النظر في كيفية تفاعلها مع سلوك المجتمع لتحديد ما يراه المستخدمون.
أهمية دور المجتمعات على يوتيوب
اليوتيوب عبارةٌ عن مكانٍ أو ساحة عامة يحتوي على جميع أنواع مقاطع الفيديو، الموسيقية والعروض التلفزيونية والأفلام إلى مقاطع الفيديو من نوع «كيف تقوم بها- How to» إلى البرامج التعليمية والساخرة وغيرها الكثير. لعب المستخدمين الذين صنعوا فيديوهاتهم الخاصة على يوتيوب باعتباره شبكةً اجتماعيةً دوراً مهماً على يوتيوب منذ انطلاقته.
واليوم أصبح موجوداً على اليوتيوب، إلى جانب مجتمعات المستخدمين، منشؤوا العلامات التجارية الذين يستخدمون المنصة لبناء شهرتهم وعلامتهم التجارية الخاصة بهم. وقد وجد بعض الشخصيات من أقصى اليمين المتطرّف مكاناً لهم على يوتيوب لنشر أفكارهم والدفع بأجنداتهم.
لا يمكننا لوم خوارزميات يوتيوب وحدها على الأرجح على تطرّف «الجمهور المعتدل أساساً»، فقد أشار بحثٌ حديث إلى أنّ الجمهور المتطرّف كان موجوداً في الأساس طوال الوقت.
وصانعوا المحتوى ليسوا مشاركين سلبيين في الأنظمة التي تعمل بالخوارزميات، فهم أتقنوا وفهموا كيفية عمل الخوارزميات ويقومون باستمرار بتكييف وتحسين تكتيكاتهم لكي تصل مقاطعهم للانتشار عبر اختيارها من خلال قائمة «مقاطع الفيديو الموصى بها».
وهنا أيضاً، يفهم صانعوا المحتوى المتطرف عمل خوارزميات يوتيوب جيداً. وغالباً ما يكون محتوى مقاطع الفيديو التي يصنعونها «حَدّيّ» أي بَيْنَ بَيْن؛ ويمكن أن يفسرها مختلف المشاهدين لها بطرقٍ مختلفة.
تقيّد يوتيوب نشر المحتوى المؤذي بوضوح مثل خطاب الكراهية والعنف. ولكن من الصعب للغاية مراقبة المحتوى غير الواضح أو «الحَدِيّ» الذي يقع في المناطق الرمادية بين الجدّ والهزل، بين شرح مذهب الديني وخطاب الكراهية، أو بين التهكم والدعوة إلى حمل السلاح.
المضي قدماً نحو تحول ثقافي معرفي
في الحقيقة لا يوجد حلّ تقني سحري للتطرف السياسي. يعمل موقع يوتيوب على تقليل انتشار المحتوى الإشكالي الحديّ (على سبيل المثال، نظريات المؤامرة) عن طريق تقليل ظهورها في قوائم التوصيات المقترحة، والتي قد تؤدي إلى تضليل المستخدمين بمعلومات مفبركة.
لكن يوتيوب شركةٌ تجارية وتحقق أرباحاً خيالية، وسوف تكون الأولوية لديها لتحقيق مصالحها حتماً. لذلك يجب أن نكون حذرين من الاعتماد على الإصلاحات التكنولوجية التي تقدمها الشركات الخاصة لحل مشاكل المجتمع، وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي الاستجابة المتعجّلة لتقديم هذه الإصلاحات إلى إلحاق الأذى بالناشطين سياسيا والأقليات المجتمعية (مثل مجتمعات الأقليات الجنسية).
عندما نحاول فهم كيف يعمل يوتيوب، يجب أن نأخذ في اعتبارنا العوامل المختلفة التي تُبنى عليها نتائج الخوارزمية. يتضمن ذلك تحليلًاً منهجيًا طويل الأمد لطريقة عمل الخوارزميات، وكذلك كيف تتفاعل مع الثقافات الفرعية البارزة في يوتيوب، ودورها في الاستقطاب السياسي، وتكتيكاتها لإدارة المشاهدات على المنصة.
يجب على شركة يوتيوب أولاً، وقبل أن تقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة للتقليل من انتشار المحتوى الضار، فهم الثقافات والأفكار التي تنتشر على منصتها، وتضخيمها بواسطة الخوارزميات الخاصة بهم.