في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي بات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية؛ بات الوصول إلى بياناتنا الشخصية أسهل بكثيرٍ مما نعتقد، وعبر العديد من الوسائل. هناك من يتتبع نشاطنا على الإنترنت، ومن يبث لنا إعلاناتٍ بناءً عليها، فهل أضحى من الصعب المحافظة على خصوصيتنا في هذا العالم الافتراضي؟
ربما تصادف الكثير من الإعلانات الترويجية التي لا تتوقف عن الظهور، وتلاحقك دائماً على صفحات الإنترنت لأسابيع عدة، مثل نوعٍ ما من الأحذية أو دعايةً لشركةٍ مالية وغيرها.
في الحقيقة، معظم الإعلانات التي نشاهدها عبر صفحات الإنترنت هي إعلانات موجهة، فالإعلان الذي تراه لأحد المعلنين موجّه لك أنت على وجه التحديد لاعتقاده أنك مهتمٌ بما يعرضه لك. ولكن كيف علم صاحب الإعلان أنك قد تكون مهتماً بمنتجه؟ ربما زرت مؤخراً موقع متجرٍ للأحذية، أو يوجد في سجل تصفّح الإنترنت لديك ما يضعك في الفئة المستهدفة بنوعٍ معين من الإعلانات.
بالرغم من أن العديد من مواقع الويب يعرض عليك دائماً خياراتٍ لإلغاء الاشتراك في الإعلانات الموّجهة، أو رسائل البريد الإلكتروني الإعلامية غير المرغوب بها، إلا أننا اكتشفنا في بحثنا الأخير أن إعدادت الخصوصية في العديد من المواقع؛ ليست سهلة التناول دائماً. مع ذلك، ساعدنا البحث على صياغة بعض الحلول البسيطة التي يمكن أن تجعل تصفّح الإنترنت أسهل، وأكثر متعةً للمستخدمين.
مصطلحات خصوصية غير موّحدة
قام فريق الباحثين المتعاونين لدينا بفحص خيارات الخصوصية المتوفرة على 150 موقعاً على الإنترنت باللغة الإنجليزية، واختار فحص 3 أنماطٍ شائعة من خيارات الخصوصية على كل من هذه المواقع؛ وهي طلب إلغاء الاشتراك في رسائل إعلانات البريد الإلكتروني، وطلب الإزالة من قائمة الجمهور المُستهدف، وحذف البيانات الشخصية التي قام الموقع بجمعها عنّا. قمنا بدراسة -بالنسبة لكلّ خيارٍ منها- مكان عرضها على الصفحة، والخطوات المطلوبة لطلب هذا الخيار وتطبيقه.
الأمر الجيد الذي وجدناه هو أنّ معظم هذه المواقع تقدّم خيارات إلغاء الاشتراك أو حذف البيانات المتعلّقة بك، حيث قدّم 89 موقعاً من المواقع التي ترسل رسائل دعائية بالبريد الإلكتروني، أو تبثّ الإعلانات الموّجهة؛ قدمت ميزة إلغاء الاشتراك بالبريد الإلكتروني، أو حذف بياناتك عن الإعلانات الموجهة، بينما عرض 74% من هذه المواقع خدمة طلب محو البيانات الشخصية المتعلّقة بك.
من الأمور الجيدة أيضاً وجود رابطٍ على أغلب هذه المواقع تشرح فيها سياسة الخصوصية على صفحتها الرئيسية، ومن ضمنها خيارات الخصوصية المُتاحة على الموقع.
من المساوئ التي وجدناها، كانت النصوص التي تشرح سياسة الخصوصية طويلةً، 4000 كلمة في المتوسط، ومن الصعب قراءتها نظراً لأن مستواها التقني، كما يبدو، أعلى بكثير من مستوى ثقافة القارئ العادي العامة. والأسوأ من ذلك، كانت الأقسام التي تشرح خيارات الخصوصية صعبةَ الفهم أكثر على القارئ من بقية الأقسام الأخرى، لدرجةٍ أنها تتطلب من القارئ مستوى من الثقافة التقنية تصل لدرجة الجامعة.
كما أنّ المصطلحات الأساسية التي تتكلم عن سياسات الخصوصية لم تكن موحّدة عبر مختلف المواقع. بحثنا عن في عناوين قسم خيارات الخصوصية التي تظهر على المواقع مثل «اختياراتك - your choices» و«إلغاء الاشتراك - opt out»، ولسوء الحظ، لم نجد الكثير من الاتساق بينها.
لغة سياسة الخصوصية غير متسقة وغامضة
كانت عبارات مواقع الويب المستخدمة في عناوين الأقسام حول خيارات الخصوصية مربكة. تُظهر الأعداد عدد المواقع من أصل 147 التي استخدمت العبارة؛ للإشارة إلى نوع من اختيار الخصوصية. لم تحدث صياغة واحدة في أكثر من 20 من السياسات التي قام الباحثون بتحليلها.
يجعل ذلك الأمر عسيراً على القارئ للبحث عن كلماتٍ أو عباراتٍ مفتاحية والتي قد تساعدهم في فهم وتحديد خياراتهم. فمن المفيد دائماً أن يجد المستخدمون مصطلحاتٍ موحدة متعارف عليها في جميع مواقع الويب فيما يتعلّق بخيارات الخصوصية بعيداً عن التعقيد واللغة التقنية العالية.
وأحياناً، حتى عندما يتمكن المستخدم من العثور علي خيارات خصوصية الموقع، قد لا يكون من الواضح كيفية استخدامها.
وجدنا أن بعض روابط «إلغاء الاشتراك»، عند الضغط عليها، بدلاً من أن تأخذك إلى صفحة إلغاء الاشتراك، فإنها تنقلك إلى الصفحة الرئيسية التي للشركات التي تستضيف أداة إلغاء الإشتراك، كما وجدنا روابط إلغاء الاشتراك معطّلةً في بعض المواقع أيضاً. وتضمنت بعض صفحات سياسات الخصوصية روابط متعددة لإلغاء الاشتراك، ولكن المواقع لا يشرح الاختلافات بين تلك الروابط المختلفة، أو ما إذا كان المستخدم مضطراً إلى الضغط على أحدها أو جميعها لإلغاء اشتراكه.
في أحد المواقع التي تفحصناها، تحديداً موقع «Salesforce.com»، وجدنا 6 روابط لإلغاء الاشتراك في الاعلانات. عموماً، وفي رأينا، ينبغي أن لا يُضطر المستخدمون إلى الغوص عميقاً في تعقيدات الروابط المختلفة، وشركات الطرف الثالث التي تقدّم خدمات إلغاء الاشتراك. يجب أن تجعل المواقع عملية إلغاء الاشتراك في مختلف أنواع الدعايات سهلاً ويسيراً على المشتركين، بغضّ النظر عمّن يقدّمها.
عواقب غير مؤكدة
بمجرد أن يتمكن شخص ما من إلغاء اشتراكه، فانه ليس من الواضح دائماً ما سيحدث بعدها.
معظم مواقع الإنترنت التي زرناها لا تخبر المستخدمين ما الذي سيُلغى، أو يتوقف عند إلغاء اشتراكهم. بعض المواقع تُتيح لك خيار عدم تتبعها لنشاطك على الإنترنت لكي لا تظهر إعلاناتها لك، بينما بعض المواقع تسمح بحذفك من الجمهور المُستهدف بالإعلانات، لكنّها لا تعدك بعدم تتبع نشاطك على الإنترنت. في هذه الحالة، لن يظهر لك إعلان الأحذية الافتراضي على الموقع مثلاً، لكن الشركة المسوّقة للأحذية قد تعلم أنك زرت الموقع.
في حوالي نصف المواقع المدروسة، كان مشروحاً أنه في حال إلغاء الاشتراك في الإعلانات؛ فإن ذلك يعني أنه سيتم عدم تتبع المستخدمين بعدها. أحياناً يعتقد المستخدمون أنهم يحمون أنفسهم من التتبع، إلا أن ذلك قد لا يكون صحيحاً في الكثير من المواقع.
وحتى عندما تكون خيارات إلغاء الاشتراك واضحةً، فليس من السهل تحديد الخيارات بسهولة. على سبيل المثال، كان علينا لإلغاء الاشتراك في رسائل موقع أمازون الإعلانية أن نتجاوز قائمةً طويلةً من 79 خياراً؛ لتحديدها قبل أن نصل أخيراً ونرى خيار «إلغاء الاشتراك من جميع خدمات التسويق الإلكتروني».
بينما تطلّب حذف البيانات الشخصية التي يجمعها موقع صحيفة نيويورك تايمز عن المستخدمين إكمال 38 إجراءً مختلفاً، بما في ذلك العثور على سياسة الخصوصية وقرائتها، والضغط على رابط حذف البيانات الشخصية من الموقع، واختيار نمط إلغاء الاشتراك، والقيام بتحديد حتّى 22 صندوق من الخيارات، وملئ نموذج من 8 حقول، وتحديد 4 صناديق تأكيدٍ إضافية، وفي النهاية إكمال اختبار «أنت لست آلة - I am not a robot» للتأكد من أن العملية يقوم بها إنسانٌ طبيعي، وليس خوارزمية برمجية معينة.
في الواقع، حتى ولم تكن المواقع تقصد تشتيتك بهذه الخيارات الكثيرة المعقدة؛ فإن الشركات بذلك تدفع المستخدمين للملل وصرف النظر عن حقّهم في تحديد خيارات خصوصيتهم.
الاتسّاق هو المفتاح
عندما يتعلق الأمر بالخصوصية الرقمية، نعتقد أن الاتسّاق في الخيارات المعروضة هو المفتاح.
تحتاج مواقع الإنترنت إلى توفير خيارات يسهل على المستخدمين العثور عليها وفهمها واستخدامها. ينبغي تبسيطها من خلال تقديم خيارات إلغاء الاشتراك بنقرة واحدة، والتي تعمل على دمج روابط متعددة وعشرات الخيارات.
إذا كانت المواقع تعرض على المستخدمين خياراتٍ دقيقة فيما يتعلّق بالخصوصية، فمن الأفضل عرضها كلّها في صفحةٍ واحدة دون روابط تشعبية كثيرة، واعتماد مصطلحات متسقة. بالاضافة إلى ذلك، يجب أن توضّح ما الذي يعنيه بالضبط إلغاء الاشتراك، وما أثره.
وربما الأهم من ذلك، ينبغي على الهيئات الناظمة مساءلة الشركات؛ ليس فقط عن تقديم خيارات إلغاء الاشتراك وعدم التتبع وحسب، بل عن تقديم الخيارات المحددة السهلة والواضحة، والتي يسهل على المستخدمين التعامل معها فعلياً.