هل دماغك جاهز للتعامل مع مشغل الفيديو الجديد الخاص بيوتيوب؟

4 دقائق

ربما لاحظ رواد موقع يوتيوب -خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر هذا- وجود أداة جديدة ضمن الشريط الذي يظهر أسفل كافة الفيديوهات، هذا الزر -وهو عبارة عن صندوق صغير أبيض اللون يتوضع داخل صندوق أكبر حجماً- هو مشغل الفيديوهات الصغير الذي طال انتظاره، والذي يمكِّن المستخدمين -بدلاً من تركيز اهتمامهم على فيديو واحد- أن يشاهدوا في الوقت نفسه مقاطع الفيديو ضمن مشغل صغير يظهر في زاوية شاشاتهم، مما يمنحهم حرية البحث عن فيديوهات جديدة ضمن باقي موقع يوتيوب.

وعلى الرغم من الحجم المُصغَّر حرفياً للمشغِّل، يقول الخبراء إن هذه الميزة قد يكون لها عواقب وخيمة على أدمغتنا، وعلى مستقبل البث المرئي على الإنترنت.

مشغِّل يوتيوب الصغير الجديد يتيح للمشاهدين التصفح أثناء تشغيل الفيديو الحالي الخاص بهم ضمن شاشة مخصَّصة صغيرة الحجم.
مصدر الصورة: بوبساي

يان لومي هو المؤسس المشارك لـ "ثينك موجو"، التي تعرف نفسها بأنها: "وكالة مختصَّة بمبدأ تجربة المشاهد"، ففي حين تركز الشركات الأخرى على تصميم تجربة المستخدم -أو ما يشار له اختصاراً بـ UX- من أجل مواقع الويب النصية أو التطبيقات المعيارية ذات المحتوى النصي، نجد أن فريق لومي يوجِّه كامل تركيزه على الفيديو. ويقول لومي إن ظهور مُشغِّلات الفيديو المصغَّرة -التي بدأت بشكل فعلي مع نوافذ الفيديو العائمة المنبثقة التي أطلقتها فيسبوك لمتصفحات سطح المكتب في 2015- قد تسبِّب بعض الصعوبات العملية بالنسبة للمصممين.

وحالياً تقوم الشركات والفنانون بوضع نسخ مختلفة من محتوى الفيديو الخاص بهم للاستخدام على منصات مختلفة، فمثلاً يتميز إنستغرام وسناب تشات بأنهما منصات عمودية الفيديو، في حين أن الشاشة الأفقية الكبيرة ما زالت مهيمنة على يوتيوب على الرغم من أنه كان يضيف عدة وظائف جديدة على مدى السنة الماضية. وبالتالي فإن رفع شيء جميل على كل من هذه المواقع يتطلب بعض المهارة، ولذلك يرى لومي أن إضافة مشغل صغير يعني إضافة بُعدٍ آخر إلى هذا التشتت. لكن هل يستطيع المشاهدون -مثلاً- قراءة النص ضمن الفيديو إذا تم تقليصه إلى زاوية الشاشة؟ وكيف يمكن للمرء أن يطلق الفيديو بأحسن شكل ممكن لأحجام مختلفة جداً؟ ومع ذلك فإن لومي يضيف: "من ناحية أخرى، أعتقد أنها ميزة رائعة ومطلوبة كثيراً".

كان الموقع الإلكتروني ليوتيوب سابقاً يشغل مقطع فيديو واحداً يحتلُّ قسماً كبيراً من الشاشة، ويولد أقسام المقاطع التالية جانباً، وكانت تعمل تلقائياً بمجرد أن ينتهي الفيديو الحالي، أما الآن فيمكن للمستخدمين أن يتصفحوا الموقع أثناء تشغيل الفيديو، مما يسمح لهم بإضافة الفيديو التالي من اختيارهم إلى الصف، ويليه الثالث والرابع أيضاً. إن هذه الميزة تحافظ على نشاط المستخدم على الصفحة الحالية، وإذا كنت لا تحب التجوال وتغيير الصفحة، فلا داعي للإمساك بهاتفك أو فتح علامة تبويب جديدة للحصول على جرعة إضافية من السعادة، بل يمكنك متابعة العبث على يوتيوب. وإضافة إلى هذا فإن إطلاق المشغل الصغير يجلب شعوراً بالاتساق والاستمرارية عبر منصة الشركة، وهو ما قد يكون أهم شيء بالنسبة لها؛ فقد جعل موقعها الإلكتروني أكثر شبهاً بتطبيق يوتيوب المخصَّص للهواتف الذكية.

ولكن ما رأي أدمغتنا في كل هذا؟ يعمل إيرل ميلر بروفسوراً مختصاً بعلم الأعصاب في إم آي تي، وهو خبير في الإدراك البشري وحدوده، ويقول: "إن تعدد المهام -في الواقع- أمر مستحيل، ولكن ما يحدث فعلياً هو أن أدمغتنا تتنقل جيئة وذهاباً بين المهام، أو -في هذه الحالة- بين مقاطع الفيديو". ويعتقد الكثيرون منا أنهم بارعون في تعدد المهام، ولكن ميلر يقول إن هذا يعود إلى شكل خفي من خداع النفس، حيث "يقوم العقل بتغطية الفواصل"، مؤدِّياً إلى وهم من الاستمرارية، ولكن الدراسات المخبرية تكشف الحقيقة، وهي أن تعدد المهام يعني في الواقع أننا نقوم بشيئين بشكل سيئ.

وغالباً ما تتجنب منصات التواصل الاجتماعي أن تطلب الأموال منك بشكل مباشر، ولكنها تعتمد بدلاً من هذا على الإعلانات لجني الأموال، حيث تعرف منصات فيسبوك ويوتيوب وتويتر وسناب تشات وإنستغرام عنك الكثير مع المعلومات، ويمكنها أن تستهدفك بإعلانات موجَّهة تتعلق بشكل مباشر باهتماماتك الخاصة، بحيث لا تلقي نظرة عابرة عليها وحسب، وهو أمر هام؛ لأن المُعلنين يريدون أن يستحوذوا على انتباهك.

ويعتبر هذا المفهوم الاقتصادي -الذي يشار إليه بأنه "اقتصاد الانتباه"- مصدر الإشعارات الفورية والتصفح اللانهائي والتشغيل التلقائي لمقاطع الفيديو، وتعتبر جميع هذه الأساليب ناجحة، فعندما أجرى الباحثون مقارنة بين مقدار الوقت الذي يرغبون في إمضائه على الإنترنت والوقت الذي يمضونه فعلياً، كان الفارق يصل في أغلب الأحيان إلى ساعات كاملة.

وقد وصل تقبُّل الأجهزة الرقمية واستخدامها إلى حالة مستقرة، فقد أوردت مؤسسة بيو للأبحاث أن عدد الأميركيين الذين يحملون هواتف خلوية لم يتغير منذ 2016، كما أن عدد من يمتلكون حواسيب مكتبية قد تناقص في الواقع، ولهذا يبدو أن المشغل الصغير وميزاته المرافقة معقولاً ومنطقياً أكثر من قبل. وقد كانت الشبكات التلفزيونية تركز على مفهوم "الشاشة الثانية" (أي الهاتف أو اللوح الذكي الذي تتصفحه أثناء مشاهدة التلفاز)، ولكن يمكن لهذا الجيل الجديد من خدمات البث الرقمي الآن أن تضيف الشاشة الثانية مباشرة إلى خدمتك الأساسية.

ويعتبر الجيل الحالي من المشغل الصغير بمنزلة لعبة تافهة بالمقارنة مع ما يمكن أن تتحول إليه هذه الميزة لاحقاً، وتقتصر هذه الخدمة حالياً على موقع يوتيوب، ولكن يعتقد لومي وآخرون أن هذا الفيديو قد يلحقك عبر أي موقع يوماً ما، وقد يحدث هذا -على الأقل- في متصفح كروم الذي تديره شركة جوجل، وهي الشركة الأم لموقع يوتيوب. يقول لومي: "تبدو هذه الخطوة التالية منطقية للغاية، ولا أستطيع أن أتخيل أن جوجل لم تباشر العمل على هذا الأمر".

وهذه الخدمة -من وجهة نظر تقنية- لن تكون أصعب شيء تعامل معه موقع يوتيوب حتى الآن؛ حيث إن محاربة التطرف والانحراف أصعب بكثير من بناء برنامج يُعتبر عملياً مجرد امتداد لمتصفح كروم حائز على موافقة جوجل، ولكن تمكين المشاهدين من "اصطحاب" فيديوهات يوتيوب معهم إلى أية صفحة يعتبر -من وجهة نظر الأعمال- أمراً عدوانياً باختصار، وعلى الرغم من أن الكثير من الزبائن سيرحِّبون به (بل إن الكثيرين كانوا يطالبون بهذه الميزة من قبل)، إلا أن هذا الإجراء يعني بشكل أساسي البداية لنهاية علامات التبويب، وسيؤدي إلى نزاعات مع مواقع أخرى تحتاج إلى مشاهدة محتواها وإعلاناتها لجني الأرباح أيضاً.

وقد ابتُكرِت علامات التبويب في بدايات عصر الإنترنت، وكان متصفح الإنترنت البائد إنترووركس هو أول من أضافها إلى نوافذ الويب في 1994، وذلك بناء على علامات التبويب في الجداول. وكانت المتصفحات في تلك الفترة تفتح كل موقع جديد في نافذة مختلفة، ولكن علامات التبويب أدَّت إلى ظهور نظام مماثل للمصنفات المكتبية، حيث تعرض نافذة واحدة مجموعة من المعلومات المختلفة، ويمكن رؤيتها جميعاً بنظرة واحدة، ويمكن التنقل بينها بسهولة.

ومنذ ذلك الحين تمحورت كامل تجربة الإنترنت حول هذه البنية، وما لم تقم بإضافة المزيد من العتاد الصلب -مثل حاسوبين متصلين أو حاسوب أمامك وهاتف في يدك- فإن كل علامة تبويب تمثل واحدة مستقلة، وبالتالي فإن إضافة مشغل فيديو صغير من يوتيوب يسمح بأخذه إلى أي مكان سيغير من هذه البنية، وبدلاً من تشارك مقادير متساوية من المساحة مع المواقع الأخرى -علامة تبويب واحدة لكل موقع!- ستحتكر خدمة البث الرقمي هذه انتباه المستخدم على أي موقع وفي أي وقت.

ولا يمكننا إلا أن ننتظر حتى نرى التأثير الحقيقي للمشغل الصغير، ولكن من المهم للمشاهدين ولمطوِّري المنتجات -على حد سواء- أن يتذكروا "المفارقة" التي تقدِّمها ميزة كهذه، فعلى حد تعبير لومي: "ستزيد هذه الميزة من راحة المشاهدين، سواء الراغبين في الانغماس بالمشاهدة، أو في المشاهدة السلبية بدون انتباه، ولكنها ستُسهم في زيادة الضجيج في نفس الوقت".

المحتوى محمي