تزايد عدد المعاملات الفيزيولوجية التي تراقبها أجهزة تتبع اللياقة والصحة منذ أن ظهرت؛ فقد كانت في البداية تعدُّ خطواتك ببساطة، ومن ثم أتاحت حساسات الأشعة تحت الحمراء إمكانية تتبع معدل نبض القلب وغيره من القياسات حالياً، بما فيها معدل التنفس والنوم، ومعاملات أخرى بالنسبة للرياضيين مثل معدل الاستهلاك الأقصى للأكسجين وسرعة الجري، وقد كانت هذه القياسات أقرب بكثير إلى الفائدة الشخصية واللياقة وأسلوب الحياة للمستخدم منها بالنسبة للمسائل الطبية.
ولكن آبل اتخذت مؤخراً خطوة كبيرة لجعل سلسلة ساعات آبل 4 الذكية تتجاوز مسائل تتبع اللياقة البدنية والصحة العامة وتصل إلى مجال الأدوات الطبية السريرية؛ حيث إن الأداة الجديدة القابلة للارتداء ستكون مزوَّدة بقياس مراقبة للتخطيط الكهربائي للقلب، بالإضافة إلى مستشعر الأشعة تحت الحمراء المعتاد، كما توجد أقطاب في الجزء الخلفي من الساعة -والمصنوع من السفير- والزر الجانبي؛ وذلك لإجراء التخطيط الكهربائي للقلب بشكل يُماثل جهاز تخطيط القلب المحمول أحادي السلك عند فتح التطبيق ولمس الزر الجانبي بإصبعك.
النبضات الأولى
على الرغم من ادعاء جيف ويليامز في عرضه التقديمي أن "هذه الساعة هي أول منتجات التخطيط الكهربائي للقلب يُباع للمستهلكين غير المختصين بشكل مباشر"، إلا أن الواقع مغاير لهذا تماماً؛ فقد ظهرت الكثير من المنتجات المماثلة التي يمكن أن تشتريها بنفسك، بما فيها كاردياباند من ألايفكور؛ وهي أداة بحجم لصاقة جروح كبيرة تقوم بتسجيل تخطيط كهربائي للقلب بدقة تحقِّق المعايير الطبية لحوالي 30 ثانية.
الأمر الأهم هو أن ساعة آبل أصبحت أول جهاز قابل للارتداء يقتحم المجال الطبي، فقد نالت الشركة موافقة الإدارة الأميركية للدواء والغذاء على استخدام مستشعر هذه الساعة والتطبيق المرافق لها في كشف الرجفان الأذيني؛ وهو اختلال في نبض القلب قد يؤدي إلى مجموعة من المشاكل القلبية، بما فيها الجلطة، والسكتة، والفشل القلبي.
ويوجد في أميركا -وفقاً للجمعية الأميركية لأمراض القلب- حوالي 2.7 مليون مصاب بالرجفان الأذيني، وهذا الأمر ليس جديداً، فقد كانت ألايفكور من السبَّاقين إليه عن طريق منتجاتها (مثل كاردياموبايل وكاردياباند) التي كانت ستُستخدم حزاماً لساعة آبل، لكن ما يعد أمراً جديداً وهاماً أيضاً هو دمج التقنية داخل ساعة آبل نفسها، والحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء لاستخدامها؛ فقد كان تصميم الأدوات القادرة على كشف المشاكل الطبية ومعالجتها مقتصراً قبل ذلك على الشركات المتخصصة في الأدوات الطبية، والتي كانت هي الوحيدة القادرة على تحقيق معايير إدارة الغذاء والدواء، ولكن كل هذا تغير مع إعلان آبل.
يقول جويل دادلي (مدير معهد نيكست جينيريشن للرعاية الصحية في مركز ماونت سيناي الطبي في نيويورك): "أعتقد أن الكثير من الأنظمة الصحية وشركات الأدوات الطبية على مستوى العالم كانت تعتقد أن الشركات التقنية تخشى دخول المجال الطبي الخاضع للأنظمة والقوانين الطبية، ولكنني أعتقد أن هذا الإعلان يثبت خطأ هذه الفكرة، وأن آبل مستعدة لتحقيق شروط إدارة الغذاء والدواء، وهو من أكثر الأمثلة وضوحاً على استعداد الشركات التقنية لشقِّ طريقها داخل مجال الرعاية الصحية".
يقول دادلي إن الشركات التقنية العملاقة الأخرى -مثل جوجل- ما زالت تعمل على دخول مجال الرعاية الصحية، ومؤخراً أعلنت جوجل بالفعل عن هارت بوينتس؛ وهو مشروع يهدف إلى تحويل الأجهزة القابلة للارتداء إلى شكلٍ من الألعاب الهادفة إلى تحفيزك على زيادة نشاطك، وإن كان الحافز غالباً معضلة أكبر من هذا بكثير، وقد تم تطوير هذا البرنامج بالتعاون مع الجمعية الأميركية لأمراض القلب، التي شاركت أيضاً في مبادرة آبل للتخطيط الكهربائي للقلب.
غير أن هارت بوينس ليس سوى وسيلة تتيح لأجهزة أندرويد محاولة تفسير البيانات التي جمعتها مستشعرات أخرى، ومن ثم محاولة تقديمها بأسلوب يحفِّز المستخدم على المزيد من النشاط، أما أداة آبل فتحتوي على جهاز طبي يمكن أن يؤدي انتشار استخدامه إلى آثار إيجابية لمرضى القلب حالياً، ولنا جميعاً في وقت لاحق.
وليس من الواضح حالياً كيف يخطط الأطباء -خصوصاً أطباء القلب- لاستخدام هذه الأداة، ولكنها ستفيد غالباً في تلبية بعض الاحتياجات التي لا يوجد ما يلبيها حالياً.
العثور على النبض
تقول أدريانا كوينونيس- جارسيا (أخصائية أمراض القلب في مركز لانجون الصحي في جامعة نيويورك) إن تشخيص الإصابة باختلال نبض القلب قد يكون صعباً للغاية، وتكمل قائلة إن الأجهزة الحالية -مثل جهاز هولتر لتخطيط القلب (وهو جهاز محمول) والأجهزة القابلة للزرع- غالباً ما تكون كبيرة أو تتطلَّب عملاً جراحياً؛ مما يجعل الناس أقل تقبلاً لفكرة استخدامها، بالإضافة إلى أن معظم الأجهزة الموجودة حالياً تُرتدى لفترة محدودة من الوقت، ولهذا لا يستطيع الطبيب تشخيص الحالة بشكل صحيح إذا لم يُصَب الشخص بأعراض قلبية أثناء ارتداء الجهاز بالصدفة؛ تقول كوينونيس- جارسيا: "من المفيد للغاية وجود أداة يحملها المرضى بشكل دائم فتكون جزءاً من حياتهم اليومية؛ بحيث تستطيع هذه الأداة تخطيط القلب فوراً بمجرد أن يُصابوا بأية أعراض".
تخطيط القلب للجميع
ما فائدة هذه الساعة المزودة بجهاز لتخطيط القلب بالنسبة لبقيتنا ممَّن لا يعانون من أعراض قلبية؟ يقول دادلي: "لا نعرف، ومن المرجح أننا لم نكن لنعرف لو لم تطرح جوجل هذا المنتج".
وعلى الرغم من أن الأصحاء لا يستطيعون استنتاج الكثير عن تخطيط القلب بمراقبته يومياً (أو في كل ساعة بالنسبة للمهووسين بالمرض) إلا أن مسألة المراقبة الصحية الدائمة تؤول فعلياً إلى مسألة التصرف بالبيانات؛ حيث يقول دادلي: "ليست لدينا فكرة عن القِيَم التي تعد طبيعية في الصحة بشكل عام؛ لأننا لا ندرس الأصحاء بأعداد كبيرة، وأعتقد أننا سنكتشف أن معايير الصحة والمرض هي أقرب ما تكون إلى طيف مستمر بدلاً من التوزيعات الحالية التي نتبعها".
كما يقول دادلي -فيما يتعلق بالرجفان الأذيني- إن هناك على الأرجح إشارات تحذير مبكرة يمكن أن تنشأ من دراسة كميات كبيرة من بيانات تخطيط القلب للأصحاء، "ولكن من المرجح أن آبل -وبهدف الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء- أثبتت وجود درجة محددة من الحساسية والدقة، وأن النظام لن يُعطي نسبة كبيرة من الإنذارات الخاطئة ويرسل بالمستخدمين إلى غرفة الإسعاف دون سبب".
استمع إلى قلبك (بيانات النبض)
أما المشكلة التالية التي تواجه آبل فهي معرفة من سيطَّلع على كل هذه البيانات؛ فبالنسبة لمن تم تشخيص إصابتهم بأعراض صحية، يمكن لهم بسهولة أن يقدِّموا هذه المعلومات لأطبائهم عن طريق تحميلها إلى نظام تسجيل صحي إلكتروني (وهو ما تفعله ألايفكور مع منتجاتها من مجموعة كارديا أيضاً)، ويمكن توجيه تنبيه إلى الأطباء في حال وجود مشكلة في النبض.
أما بالنسبة لبقية الذين يرتدون هذه الساعة، فالأمور أقل وضوحاً؛ إذ لا تمتلك آبل حالياً صلاحية الوصول إلى بيانات المستخدم الصحية ما لم يقم بالتسجيل طَوْعاً في دراسة تابعة لآبل، ويقول دادلي إن هذا لا يعد كرماً أخلاقياً من آبل؛ فهي لا تحتاج إلى هذه البيانات فعلياً لأن أسعار منتجاتها تكفيها وتزيد، على عكس جوجل التي تحصل على معظم أرباحها من البيانات، وبالتالي فلن تستطيع آبل الوصول إلى البيانات دون إذن المستخدم.
غير أن من الممكن فعل الكثير بهذه الكميات الضخمة من البيانات؛ يقول دادلي: "لقد دخلنا في حقبة جديدة من الطب الدقيق، وتعتبر هذه الساعة من جوجل شيئاً متوافقاً مع ما نحاول تحقيقه بالطب الدقيق، والذي يقوم على استخدام المعلومات الكَمِّية في إعادة تعريف الصحة والمرض وتحديدهما".