الشوكولا لذيذة وممتعة.. ولكنها ليست غذاءً سحرياً أو خارقاً

4 دقائق
إنها الشوكولا تغمزك وتناديك.. فهل ستُلبي نداءها؟

حسناً، لعل معظم الناس يودون إقناع أنفسهم بأنهم يتبعون عاداتٍ غذائية صحيةٍ وإن لم تكن كذلك. فإذا سألت أحدهم لماذا تضيف تلك الصلصة الغنية بالدهون إلى الخس، فيستهرب من سؤالك ويقول لك إن الخس مفيد لصحته! وإذا سألت شخصاً آخر لماذا تضيف كل تلك الكمية من السكر إلى اللبن الرائب، فيسيجيبك بأن اللبن مفيد للهضم! وإذا سألت فتاةً شابةً لماذا تُكثرين من تناول الشوكولا، فقد تقول لك بأن الدراسات العلمية أثبتت بأن الشوكولا مفيدة لصحة القلب!

وهنا تكمن المغالطة، فحتى لو كانت الشوكولا مفيدة حقاً لصحة القلب، إلا أن الفائدة منها ليست على تلك الدرجة من الأهمية التي تُروّج وسائل الإعلام لها، فهي تُهلل دائماً لأيّة دراسة تعثر على رابط إيجابي بين تناول الشوكولا وتعزيز الصحة، مثل الدراسة القائلة بأن "تناول الشوكولا يُقلل من خطر اضطراب النظام القلبي"، وبالتالي، سيُقبل الناس على تداول نتائج تلك الدراسة كحقائق مطلقة، لأنهم ببساطة يودون الاقتناع بذلك.

وللأمانة، فإن الشوكولا تحتوي على بعض المركبات التي تعود بالفائدة على الجهاز القلبي الوعائي، مثل الفلافونولات التي تُعزز صحة القلب. ويمكن للشوكولا أيضاً أن تساعد على خفض ضغط الدم وتنظيم عملية تخثر الدم، رغم بعض الشكوك الدائرة حول مدى الفائدة الحقيقية لذلك. وللعلم، فإن الشوكولا الداكنة مفيدة للصحة أكثر من شوكولا الحليب، لأن الأولى تحتوي على كمية أكبر من الفلافونولات، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تتميز الفلافونولات فعلاً بتلك الفوائد الخارقة؟

نتائج الدراسة المذكورة غير حاسمة

قد تبدو نتائج الدراسة التي تحدثت عن العلاقة بين الشوكولا والرجفان الأذيني حاسمة للوهلة الأولى. فقد اشتملت على أكثر من 55 ألف مريض، وجرى نشرها في مجلة القلب، التي تتبع لمجموعة المجلة البريطانية الطبية ذات السمعة العريقة. وقد تلقّفت وسائل الإعلام نتائج الدراسة بانتقائية واضحة، بحيث ركزت على الأرقام التي تُشير إلى أن حصة واحدة من الشوكولا تُقلل من خطر الرجفان الأذيني بنسبة 17%، ولكنها أغفلت في الوقت ذاته الجزء الأكثر أهمية من الدراسة، وهو الخلاصة التي تُشير إلى عدم وجود علاقة سبب ونتيجة بين تناول الشوكولا وتراجع خطر الرجفان الأذيني، أي أن هذا الانخفاض في خطر الرجفان الأذيني قد يكون عائداً لأسباب أخرى غير تناول الشوكولا (على الرغم من تزايد الأدلة المؤيدة لتلك الفرضية).

وكما أشرنا، فقد يكون التراجع في خطر الرجفان الأذيني عائداً لأسباب أخرى مختلفة كلياً عن استهلاك الشوكولا، فعلى سبيل المثال أظهرت الدراسة نفسها بأن مُستهلكي الشوكولا هم عموماً من الفئات الأكثر تعليماً والذين تنخفض لديهم معدلات الإصابة بضغط الدم والسكري، وذلك خلافاً للأشخاص الذين يُحجمون عن تناول الشوكولا.

حتى ولو لم يكن الأمر كذلك، فإن استنتاجات الدراسة ليست على قدرٍ كافٍ من القوة، والكثير من نتائجها لم تكن مُعتبرة من الناحية الإحصائية. ولفهم ذلك بشكل أفضل ينبغي علينا معرفة المزيد عن مفهوم نِسَب الخطر.

علم الإحصاء يُقدم روايةً مختلفةً كلياً عن رواية وسائل الإعلام

نِسَبة الخطر هي الرقم الذي يُعبر عن احتمال حدوث المرض ذاته لدى أفراد مجموعتين منفصلتين في سياق تجربة علمية مُحددة. فإذا كُنا بصدد إجراء تجربة علمية على مجموعتين من المشاركين: مجموعة شاهدة لا يتناول أفرادها حبات الشوكولا، ومجموعة اختبار يتناول أفرادها لوحاً واحداً من الشوكولا كل أسبوع، وأشارت نتائج الدراسة لاحقاً إلى أن معدل إصابة أفراد مجموعة الاختبار بالمرض القلبي يقل بنسبة 0.9 مرة عن أفراد المجموعة الشاهدة، فهذا يعني بأن نسبة الخطر تبلغ القيمة 0.9. أما إذا لم تُظهر نتائج الدراسة وجود فوارق في معدلات إصابة أفراد كلا المجموعتين بالمرض القلبي، فهذا يعني بأن نسبة الخطر تبلغ القيمة 1. وفي نفس السياق، هناك مُصطلح يُطلق عليه مجال الثقة 95%، ويُشير إلى الخطأ المحتمل في حساب نسبة الخطر. يُعطينا هذا المجال تصوراً عن المدى الذي يمكننا الوثوق بأن نسبة الخطر تقع ضمنه. فإذا كانت قيمة نسبة الخطر تبلغ 0.9 ضمن مجال ثقة 95% فهذا يعني بأن احتمال وقوع نسبة الخطر الحقيقية ضمن المجال 0.85-0.95 يبلغ 95%.

ولكن، ماذا لو كان مجال الثقة أكبر من ذلك؟ كأن تبلغ نسبة الخطر 0.95 ومجال الثقة يتراوح بين 0.75 و 1.05؟ يعني هذا بأن الأشخاص الذين يتناولون الشوكولا قد يكون خطر إصابتهم بمرض قلبي أقل بنسبة 25% من أقرانهم الذين لا يتناولون الشوكولا، وقد يكون خطر إصابتهم بالمرض القلبي أعلى بنسبة 5% أيضاً. وإن المفارقة تكمن في عدم إمكانية الجزم بصحة إحدى الفرضيتين وخطأ الأخرى. والخلاصة هنا هي أن مجال الثقة الذي يحتوي على الرقم 1 ضمنه سيجعل نسبة الخطر المذكورة في التجربة غير مُعتبرة من الناحية الإحصائية. في التجربة المذكورة، قام الباحثون بمعاينة 8 مجموعات من الرجال والنساء الذين كانوا يتناولون كميات متفاوتة من الشوكولا. وقد تخطى مجال الثقة لدى نصف المشاركين القيمة 1، ما يعني بأن نصف المشاركين في الدراسة لم يتراجع لديهم خطر الأمراض القلبية، أو أنه تراجع بمقدار ضئيل جداً، دون أن نتمكن من التحقق من ذلك على وجه الدقة.

أضف إلى كل ذلك بأن الشوكولا الأوروبية غالباً ما تحتوي على كمية من الكاكاو تفوق نظيرتها الأمريكية، ما يعني بأنها أغنى بالفلافونولات. وللعلم، فقد كان جميع المشاركين في الدراسة من الدنمارك، التي تتميز بانسجام عرقي نسبي بين سكانها، خلافاً لما هو الحال في العديد من بلدان العالم الأخرى. من جهةٍ أخرى، فإن الحصول على الفلافونولات متاحٌ أيضاً من خلال العديد من المصادر الغذائية الأخرى غير الشوكولا، مثل الخضراوات والفواكه والشاي، والتي لا تحتوي على كمية السكر الكبيرة الموجودة في الشوكولا. كما إنه من المعلوم مسبقاً لدى الباحثين والخبراء بأن اتباع نظام غذائي متوازن يحتوي على وفرة من الألياف وممارسة التمارين الرياضية بانتظام هما من الإجراءات التي تُقلل من خطر أمراض القلب. ولعل اتباع تلك النصائح الراسخة خير من البحث عن تبريرات أو أعذار لتناول الشوكولا.

إذن، فلنكن صريحين وواضحين: بإمكانك أن تتمتع بمذاق الشوكولا الرائع، وأن تتلذذ بما تحتويه من سكر وكاكاو وزبدة ومكونات أخرى تمنحها الطعم الفريد، وأن تنعم بمزاج جيد بعد ذلك كله، ولكن تذكر بأنها ليست الخيار الأفضل لصحة قلبك.

المحتوى محمي