قد نعتقد أن تناول الأسبرين بجرعاتٍ منخفضة، لا يمكن أن يسبب أي ضرر لدرجة جعلتنا نطلق عليه "أسبرين الأطفال". وبالرغم من أننا لم نعد نعطيه للأطفال بعد الآن، إلا أن العديد من البالغين يتناولونه كل يومٍ (بناء على توصية الطبيب) لتفادي النوبات القلبية والسكتات الدماغية. بهذا الصدد، تشير بعض الأبحاث التي أُجريت خلال السنوات الماضية إلى أن تناول البالغين للأسبرين يومياً لا يُفيدهم، بل إنه قد يسبب لهم الضرر في بعض الأحيان.
هذه المحاذير حول تناول البالغين للأسبرين بشكلٍ يومي هي ما تشير إليه الإرشادات الجديدة الصادرة عن الكلية الأمريكية لأمراض القلب وجمعية القلب الأمريكية، حيث تتفق إلى حدٍ كبير مع الكيفية التي بدأت المنظمات الرئيسية الأخرى تنظر بها إلى الأسبرين. على سبيل المثال، توصي الإرشادات الأوروبية للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية لعام 2016 بعدم استخدام الأسبرين كطريقة أساسية للوقاية من النوبات القلبية أو السكتة الدماغية، بينما توصي وحدة التدخل السريع للخدمات الوقائية بالولايات المتحدة الأمريكية به فقط للأشخاص في الخمسينيات من العمر، الذين يعانون من مخاطر مرتفعة لأمراض القلب والأوعية الدموية، مع عدم وجود أي وضوح لجدوى استخدامه لبقية الأعمار.
الأسبرين دواء مضاد لتجمع الصفائح الدموية، وهذا يعني أنه يمنع الدم من التخثر بالسهولة المعتادة. ومن المؤكد أن التمكن من تكوين جلطة دموية، يعتبر أمرٌ بالغ الأهمية، فإذا كان دمك غير قادرٍ على التجلط على الإطلاق، فسوف تنزف حتى الموت من أبسط الجروح. لكن يظل بإمكان الجلطات التي تتشكل داخل الأوعية الدموية أن تسد تدفق الدم بالكامل، مما يسبب نوبة قلبية عندما يفشل ذلك الدم في العودة إلى قلبك، أو السكتة الدماغية إذا قطعت الجلطة وصول الدم إلى جزء من الدماغ. الأسبرين من الناحية النظرية، يجب أن يساعد في تقليل خطر هاتين المشكلتين بمنعه الصفائح الدموية من القيام بعملها، وهذا ما يحدث بالفعل لمجموعة محددة من الناس.
تشير الإرشادات الجديدة إلى أن الأسبرين ما يزال يُوصى به كثيراً باعتباره علاجاً ثانوياً لمساعدة الأشخاص الذين أصيبوا بالفعل بنوبة قلبية أو سكتة دماغية. فهؤلاء الأشخاص معرضون بدرجة أكبر لخطر تكوّن جلطة أخرى، وباستطاعة الأسبرين التقليل من هذا الخطر. في الوقت ذاته، لا يُوصي الأطباء بعد الآن باستخدامٍ واسع النطاق للأسبرين كعلاج أولي لمن لم يسبق لهم الإصابة بأزمة قلبية أو سكتة دماغية من قبل.
بالرغم من أن ما نُطلق عليه "أسبرين الأطفال" قد يحتوي على جرعاتٍ منخفضة من الأسبرين، إلا أنه ما زال قد يُعرضك للخطر من خلال جعل الدم أقل قدرة على التجلط. على سبيل المثال، في حالة حدوث نزيف معوي أو دماغي، فمن المفترض أن تقوم الصفائح الدموية بعملية التجلط لوقف النزيف وإنقاذك، إلا أن تناول الأسبرين بشكلٍ يومي قد يؤدي إلى حدوث هذه العملية بشكلٍ أقل فعالية، حيث أشارت دراسة نُشرت عام 2009 في دورية لانسيت The Lancet، إلى وجود زيادة بسيطة في خطر الإصابة بنزيفٍ كبير بين الأشخاص الذين يتناولون الأسبرين بغرض الوقاية، كما ذكرت دراسة أجريت في 2016 الشيء نفسه، وكذلك دراسة أخرى نشرت في عام 2018 في دورية نيو انغلاند للطب "The New England Journal of Medicine".
إذا سبق لك التعرض لنوبة قلبية بالفعل، وبدأت بعدها في استعمال الأسبرين، فستظل عُرضة لمخاطر النزف الزائد، لكن في هذه الحالة ستفوق الفوائد التي يمكنك الحصول عليها من تناول الأسبرين الجوانب السلبية المحتملة. أوردت الكلية الأمريكية لأمراض القلب وجمعية القلب الأمريكية هذه المفاضلة بين فوائد استخدام الأسبرين وسلبياته في آخر مراجعة للإرشادات. حيث تُوضح الإرشادات أنه من الأفضل وصف الأسبرين يومياً للمرضى الذين يزيد لديهم خطر الإصابة بنوبة قلبية عن 10 %، وهو ما ينطبق أيضاً على أي شخص يتراوح عمره بين 40 و 70 عاماً. وبغض النظر عن خطر الإصابة بأمراض القلب، فلا توجد أدلة كافية على أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، والكبار الذين تزيد أعمارهم عن 70 عاماً، معرضون لخطر النزيف بدرجة كبيرة، بحيث قد يضرهم تناول الأسبرين يومياً.
بالرغم من أن الأبحاث التي تمت في منتصف القرن العشرين توصلت إلى أن الأسبرين قادرٌ على مساعدة الجميع، إلا أن التعديلات التي تمت على الإرشادات الرسمية، تستند إلى دراسات حديثة وتحليلات وصفية لهذه الدراسات، كما أنها أُجريت على مدار سنوات عديدة، وصُممت على نحوٍ أفضل وأكثر إحكاماً من أي شيء توصلنا إليه من قبل وفقاً للكلية الأمريكية لأمراض القلب، وجمعية القلب الأمريكية.
لذا، النصيحة التي نقدمها للجميع، هي أن تناقش طبيبك حول جدوى تناول الأسبرين بجرعة منخفضة، قبل أن تقرر استخدامه أو الامتناع عنه، حيث تذكُر الإرشادات احتمالية وجود استثناءات في بعض الحالات؛ لذا يجب على الطبيب أن يقيّم المخاطر الصحية الخاصة بك، قبل أن يقرر هل من الضروري أن يصف لك الأسبرين يومياً أم لا.