تُعد الأمراض بالمنتقلة بالجنس STIs من الحالات الشائعة. إذ تُشير إحصائيات الرابطة الأمريكية للصحة الجنسية إلى أن نصف الأمريكيين يُصابون بمرض منتقل بالجنس في مرحلة ما من حياتهم. وبما أن الكثير من أشكال تلك العدوى لا تتظاهر بأعراض معينة (مثل العدوى بفيروس الورم الحليمي البشري HPV والعدوى بفيروس الحلأ herpes)، فإن العديد من المصابين ينقلون المرض لغيرهم دون قصد.
وهكذا، فمن المحتمل أن يكون العديد من الأشخاص مصابين بمرض جنسي دون أي يدركوا ذلك. ولعل الشيء الإيجابي الوحيد هو أن مُعظم الأمراض الجنسية يمكن علاجها بشكل فعال. وحتى الأشكال التي لا تزال غير قابلة للشفاء، مثل العدوى بفيروس نقص المناعة المكتسبة HIV، فتتوفر أدوية تساعد المريض على خفض الحمل الفيروسي لديه إلى الدرجة التي يكون فيها من شبه المستحيل نقل المرض إلى الشريك.
ولكن، كما هو الحال مع أمراض مثل الجدري وشلل الأطفال، فإن تراجع أعداد الإصابات بها لا يعني القضاء عليها نهائياً. وكذلك الأمر بالنسبة للأمراض المنتقلة بالجنس، فإن توفر العلاج لها لا يعني بأنها على وشك الانقراض. فبعد تحليل بيانات واردة من أكثر من 77 دولة حول العالم، أطلقت منظمة الصحة العالمية مؤخراً تحذيراً صريحاً من أن شكلاً جديداً من داء السيلان يتميز بمقاومته للمضادات الحيوية يأخذ بالانتشار بشكل متزايد حول العالم.
لقد بدأت المشكلة منذ عدة سنوات وتفاقمت ببطء. فقد أظهرت دراسة نُشرت في العام 2015 فشل المحاولات الرامية إلى الحد من المقاومة المتزايدة لبكتريا "النيسرية البنية" تجاه المضادات الحيوية التقليدية. فقد قام الباحثون حينها بدراسة عينات من البكتريا التي جرى جمعها خلال سنوات، ولاحظوا تراجعاً تدريجياً في فعالية المضاد الحيوي سيفترياكسون مع اتساع نطاق استخدامه، وهي المشكلة التي يواجهها الطب مع جميع المضادات الحيوية عقب البدء باستخدامها، حيث تبدأ البكتريا بتطوير دفاعات تجاهها مع كل احتكاك بها. وكلما ازدادت المواجهة بين البكتريا والمضاد الحيوي كلما تسارع نهج تطور المقاومة تجاهه. ولهذا السبب ينبغي على المريض عدم الإلحاح على طبيبه لوصف مضاد حيوي له عند الإصابة بحالة زكام مزعجة، وإرجاء استخدام المضاد الحيوي لحين الحاجة الحقيقية له.
في العام 2013، قامت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بتصنيف داء السيلان كتهديد عاجل، وأوصت بمعالجته بجرعة واحدة من المضاد الحيوي سيفترياكسون بالاشتراك مع دواء آخر. لقد أدى ذلك إلى تراجع مقاومة البكتريا تجاه المضاد الحيوي لفترة من الزمن، ولكن السلالات المقاومة ما لبثت أن عادت وانتشرت من جديد، بحسب ما جاء في دراسة العام 2015.
تقول تيودورا وي، المسؤولة الصحية بمنظمة الصحة العالمية: "إن البكتريا المُسببة لداء السيلان ذكية للغاية. ففي كل مرة نستخدم فيها مضاداً حيوياً جديداً للقضاء عليها تقوم بتطوير مقاومة تجاهه. ولعل الحالات المعروفة من المقاومة تجاه المضادات الحيوية ليست إلا رأس الجبل الجليدي الذي يقبع الجزء الأعظم منه تحت الماء، خاصةً مع الافتقاد لآليات لتشخيص حالات داء السيلان والإبلاغ عن الحالات غير المعالجة في البلدان الفقيرة، حيث الانتشار الأعظمي لداء السيلان".
ما الذي يمكننا فعله؟
دعت منظمة الصحة العالمية إلى إدخال أنواع جديدة من المضادات الحيوية في ساحة الصراع مع المرض. ولكن للأسف، لا توجد حالياً سوى ثلاثة أدوية يمكن استخدامها في هذه الحرب. وبحسب دراسة العام 2015، فإن المضادات الحيوية لا تُشكل مصدر ربحٍ وفيرٍ لشركات الأدوية، لأن المرضى لا يتناولونها إلا لمدة قصيرة، كما تجري توصية الأطباء باستمرار بعدم الإفراط في وصفها.
ولكن حتى ولو جرى استخدام المضادات الحيوية الثلاثة، فقد لا يؤدي ذلك إلى القضاء على المشكلة. حيث إن المقاومة تجاه المضادات الحيوية في تزايد مستمر، تماماً كما هو الحال مع البكتريا الضارية القاتلة، التي لا تستجيب لأي من المضادات الحيوية الموجودة حالياً. وطالما اتبع الأطباء نفس السياسة التي تعتمد على المضادات الحيوية فستتراجع فعالية المضادات باستمرار. ويسعى العلماء على المدى الطويل للعثور على طرائق جديدة لعلاج العدوى البكتيرية. كما تأمل منظمة الصحة العالمية أن تُفضي جهودها الحثيثة إلى ابتكار لقاح فعال ضد داء السيلان.
ما الذي يمكن للمرضى فعله؟
يُلقي الأطباء اللوم بانتشار المقاومة تجاه داء السيلان على الممارسات الجنسية الشاذة، إلا أن ذلك لا يشكل سوى عاملاً واحداً من جملة من العوامل الأخرى. يمكن للجنس الفموي أن يؤدي إلى داء السيلان في الحلق، وهي حالة قد تتشابه مع التهاب الحلق التقليدي. فإذا أخطأ الطبيب في تشخيص الحالة بشكل دقيق، وقام بإعطاء المريض نفس المضادات الحيوية التي تُوصف لالتهاب الحلق فقد يؤدي ذلك إلى تطور مقاومة عند بكتريا النيسيرية البنية تجاه تلك المضادات الحيوية.
من جهةٍ أخرى، ينبغي على جميع المرضى الالتزام بتعليمات الطبيب فيما يخص استخدام المضادات الحيوية، وعدم الإلحاح على الطبيب لوصفها دون حاجة حقيقية.