بعد مضى 12 عاماً على انتصار «تريزا ماكوين» في معركتها مع سرطان الثدي، عاد المرض إليها مرة أخرى وبشراسة، حيث فشل العلاج الكيميائي هذه المرة. لذا سألت طبيبها عما إذا كان على علمٍ بأي علاجات تجريبية يمكن أن تكسبها بعض الوقت، وهنا أصبحت تريزا جزءاً من دراسة معنية بالطب الشخصي.
في هذه الدراسة يقوم الباحثون بتحليل الحمض النووي في الخلايا السرطانية للمريض باستخدام خوارزميات خاصة، ثم يبحث الحاسوب بعد ذلك عن آلاف المتغيرات الجينية، ومئات الأدوية المضادة للسرطان، وملايين من التركيبات الدوائية لإيجاد العلاج الذي يستهدف الورم على أكمل وجه، حتى لو كان دواء لم يتم اعتماده لمرض السرطان على وجه التحديد.
وبعد تحديد العلاج الخاص بماكوين، شُفيت تريزا من السرطان بعد علاج دام 4 أشهر.
العلاج المناسب للمريض المناسب، في الوقت المناسب
يعتمد نهج الطب الشخصي على أن لكل شخص خصائص وراثية مميزة ذات تأثير كبير ومباشر في صحتنا، لذا يقوم بفك الشفرة الوراثية الخاصة بالمريض، ومقارنتها بالشفرة السليمة، ومن ثم تحديد مواضع الطفرات، وتوفير علاج يتوافق مع المحتوى الجيني الخاص بالمريض.
لا يوفر هذا النهج الوقت والمال وحسب، بل يزيد من جودة حياة المرضى، ويعمل على إطالة أعمارهم بالكشف المبكر عن المرض بتحديد الطفرات المبكرة في الجينات، فهو يركز بشكل أساسي على الطب الوقائي واتخاذ خطوات استباقية، بدلاً من الانتظار حتى تطور المرض لاتخاذ رد فعل.
كما يقلل من الحاجة لتجربة علاجات كثيرة والتعامل مع المشكلات الكامنة، وبالتالي يقلل من الآثار الجانبية الضارة، ويزيد من فاعلية العلاجات الحالية، حيث يختار الطبيب الدواء المناسب بناءً على الملف الوراثي الخاص بالمريض، كما يفتح الباب أمام شركات الأدوية لتطوير علاجات تستهدف الجزيئات.
فعلى سبيل المثال، يعد هيرسيبتين دواءً فعالاً في علاج 20:30% من مرضى سرطان الثدي، لكن بعض المرضى لديهم مقاومة وراثية لهذا الدواء نتيجة لطفرة في جين «HER2». لذا يمكن تحديد أي الفئات من المرضى ستستجيب للدواء بصورة أكبر عن طريق التوصيف الوراثي لهم.
برمجة الخلايا لتقتل المرض
قبل عقدٍ واحد كان فك شفرة الحمض النووي بسرعة فائقة، وهندسة الأنسجة، وإعادة البرمجة الخلوية، والتعديل في الجينات محض خيال علمي، أما الآن فقد صار واقعاً. ففي المعهد القومي للسرطان في الولايات المتحدة الأمريكية، استطاع باحثون علاج امرأة مريضة بسرطان الثدي بعلاج تجريبي باستخدام الخلايا المناعية الخاصة بها لمهاجمة أورامها، عن طريق تحليل حمضها النووي لإيجاد الطفرات، ثم استخلاص الخلايا المناعية، واختيار الخلايا التي تعرفت على العيوب الجينية للورم، ثم استنساخ مليارات منها في المعمل، وإعادة إدخالها إلى المريضة.
وفي المستقبل القريب قد يغدو من الممكن التنبؤ بمخاطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب وغيرها قبل سنوات من حدوث المرض، وأيضاً تغيير الجينات في الأجنة للقضاء على الأمراض الموروثة.
تحديات كثيرة
ومن أجل التطبيق الفعال لنهج الطب الشخصي، يتعين على شركات الأدوية تطوير أدوات تشخيصية جديدة تساعد في فحص المحتوى الجيني للمرضى بشكل أكثر دقة.
علاوة على ذلك، يواجه نهج الطب الشخصي العديد من التحديات في نظام الرعاية الصحية الحالي كالآتي:
- عدم الفهم الكامل لفوائد هذا النهج.
- ضعف الفهم الكامل لكيفية تطور بعض الأمراض على المستوى الجزيئي.
- صعوبة إتاحة التكنولوجيا والأنظمة التشغيلية لتوفير التكاليف المطلوبة.
- وجود مخاوف حول مدى حماية المعلومات الخاصة بالمريض، أو تعرضها للتسريب أو السرقة أو للخطأ البشري.
إضافة إلى ذلك، لن يستطيع الطب الشخصي أن يحقق ثورة في نظام الرعاية الصحية إلا عن طريق مساهمة كل من المرضى والمستهلكين في التجارب السريرية، ورواد الأعمال في ابتكار أدوات ذكية لتحليل المعلومات الوراثية، بجانب ضرورة نشر الوعي من خلال تثقيف كل من المستهلكين ومقدمي الخدمات، وتشجيع المبادرات المختصة بوضع السياسات التنظيمية، والأطباء لفهم المرض على المستوى الجزيئي، والباحثين الأكاديميين للمشاركة في البحوث المبتكرة ودعم تطوير عقاقير جديدة.
كما سيتعين على قطاع تكنولوجيا المعلومات ابتكار أدوات إلكترونية فريدة من أجل جمع معلومات المرضى وتأمينها، وإلزام أصحاب رأس المال والمشرعين استكشاف نماذج الأعمال وأدوات التشخيص والعلاجات الجديدة.
بتحقيق ذلك، يمكن لكل فرد أن يتلقى معلوماته الجينية الكاملة عقب ولادته لوضعها في سجله الطبي، حيث ستسمح هذه المعلومات للأطباء تقديم رعاية صحية أكثر فاعلية في حالة تعرض المرء للأمراض المختلفة.