نعلم جميعاً بأن التمارين الرياضية مفيدة لنا. فهي تقلل من الإجهاد وتحافظ على صحة العضلات والعظام وتجعل القلب أقوى. لكن فوائدها الدقيقة على القلب والأوعية الدموية هي أقل وضوحاً. فلطالما كان هناك سؤال هام حول فيما إذا كان القلب يمكنه توليد خلايا جديدة بمجرد بلوغه مرحلة النضج. إذا كان ذلك ممكناً، فقد يعني بأن التمارين الرياضية قد تكون أمراً أساسياً للأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض القلبية مثل فشل القلب.
وفي دراسة جديدة نشرت الشهر الماضي في دورية Nature Communications، وجد الباحثون خلال فترة ثمانية أسابيع بأن الفئران السليمة التي كانت تركض لمسافة خمسة كيلومترات تقريباً في اليوم على عجلة مخصصة للركض من النوع الذي يستخدمه الهامستر قد أنتجت أنسجة قلبية جديدة بمقدار أربعة أضعاف تلك لم تكن تركض. كما قاموا بإجراء بنفس اختبار الركض على مجموعات الفئران بعد فترة وجيزة من إحداث نوبة قلبية عند القوارض. وحتى بعد النوبة القلبية، فقد أظهرت الفئران التي كانت تركض على العجلة باستمرار علامات نمو أنسجة قلبية جديدة. أما الفئران التي لم تكن تركض فلم تظهر أي علامة على إنتاج خلايا جديدة. ولأن ذلك بدا واعداً، فقد أراد الباحثون فهم الآليات المرتبطة بذلك: أي ما هي التغيرات الخلوية أو الكيميائية في الجسم والتي سمحت لها بإعادة توليد هذه الأنسجة القلبية؟ وتمكنوا من تحديد مسار محتمل يمكن للجسم من خلاله أن يشكّل هذه الخلايا القلبية الجديدة، ولكنهم يجب عليهم الآن أن يسألوا فيما إذا كانوا يستطيعون إحداث هذا التغيير - أو زيادة تأثيره - بدون ممارسة التمارين الرياضية.
إذن لماذا يعدّ هذا الأمر مهماً جداً؟ كان الباحثون قد أدركوا سابقاً بأن القلب البالغ لديه قدرة محدودة على إنتاج خلايا جديدة. وفي الواقع، فقد اعتقد العلماء الذين درسوا الجهاز القلبي الوعائي بأنه ليس لدينا أي قدرة على الإطلاق على إنتاج أنسجة قلبية جديدة. إلا أننا نعلم الآن بأنه يمكن للشباب البالغين - في المتوسط - تجديد كمية صغيرة - حوالي 1 بالمئة - من كافة خلايا القلب كل عام، وينخفض هذا المقدار تدريجياً مع تقدمنا في العمر.
ولكن في الوقت نفسه، وجد الباحثون أيضاً بأن فشل القلب عند البشر يمكن أن ينتج عن مجرد كمية صغيرة من الخلايا المتموتة. فإذا كانت التمارين الرياضية يمكنها أن توفر القدرة على التجدد عن طريق توليد خلايا جديدة (حتى ولو بعدد صغير) والحفاظ على التوازن، فقد يمنع ذلك من حدوث فشل القلب.
ويقول الباحثون في الدراسة: "إن التمارين المتكررة تحمي القلب من الأمراض، مع تأثير مماثل للعديد من التدخلات الدوائية، على الرغم من أن أساس هذه الفوائد غير مفهوم بشكل كامل". إذ أننا نعلم بأن ممارسة الرياضة تزيد من وظيفة القلب وكذلك من حجمه الكلي. على الرغم من أن الباحثين في الماضي كانوا دائماً ما يعزون ذلك إلى زيادة حجم كل خلية وليس إلى زيادة العدد الإجمالي للخلايا.
يقول الباحثون بأن هذا يشير إلى أساس لفهم السبب في كون التمارين المنتظمة مفيدة جداً للقلب. والأهم من ذلك، السبب في أنها قد تكون ضرورية لمنع فشل القلب، ومساعدة أولئك الذين عانوا لتوّهم من نوبة قلبية.
ولكن من الواضح بأن للدراسة بعض القيود. ففي حين أن قلوب كافة الثدييات تشترك في كثير من أوجه التشابه، إلا أنها ليست متطابقة، وكذلك الأمر مع وظائف أعضاء كل نوع. قد تعني الاختلافات الكبيرة والدقيقة بأن الاستنتاجات في دراسة الفئران لا تنطبق على البشر على الإطلاق.
أما الخطة التالية للباحثين فهي دراسة المسار الميكانيكي المعني، وكيف يمكن لهم تفعيله بغير هذه الطريقة. إذ يعني تحفيز المسار زيادة إنتاج الخلايا القلبية، والتي يمكن أن توجّه التوازن في الاتجاه الصحيح لشخص يعاني من فشل القلب أو عانى للتوّ من نوبة قلبية.
يقول ريتشارد لي - وهو باحث في أمراض القلب والأوعية الدموية في جامعة هارفارد وشارك في إعداد الدراسة – في بيان صحفي مرافق: "إذا استطعنا تفعيل هذه المسارات في الوقت المناسب وعند الأشخاص المناسبين، فعندئذ يمكننا أن نحسن من فرص الشفاء بعد الإصابة بالنوبة القلبية."
ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن التمارين المنتظمة هي على الأرجح أفضل طريقة لزيادة قدرة القلب وإمكانيته المحتملة على توليد بعض الخلايا الجديدة.