عدد الميكروبات التي يحملها كلٌّ منا -مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات وغيرها من الكائنات الحية الدقيقة- يفوق عدد خلايانا البشرية، وهي تساعدنا في الحفاظ على صحتنا. تقول «ليتا بروكتور»؛ المديرة السابقة لمشروع الميكروبيوم البشري في المعاهد الوطنية للصحة؛ والذي ساعد في تحديد العديد من هذه الكائنات الدقيقة: «يمكننا اعتبارها عضواً جديداً في الجسم. قد تكون زراعة مزائج البكتيريا المثالية في أجسامنا لاستعادة توازن الميكروبيوم الدقيق حلاً للكثير من أمراضنا، لكن ما يزال أمامنا الكثير لكي نعرفه عنها قبل أن نتمكن من استخدام البروبيوتيك لحلّ مشاكلنا الصحية».
تتمثل الخطوة الأولى في معرفة الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش بداخلنا بدقّة. منذ تسعينيات القرن الماضي، ساعدت أداة التسلسل الجيني في تحديد أنواع عديدةٍ منها؛ بما فيها أكثر المستعمرات البكتيرية تعقيداً في أمعائنا، وقد بتنا نعلم الآن أن لبعضها دورٌ حيوي جداً في صحتنا. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي اختلال ميكروبيوم الأمعاء لسببٍ ما -مثل تناول المضادات الحيوية التي تقتل البكتيريا الضارة والنافعة على حد سواء- إلى زيادة بكتيريا «المطثية العسيرة»؛ التي تتسبب بدورها بحدوث ضائقةٍ معوية؛ تظهر أعراضها على شكل نوباتٍ من الإسهال الدموي والمائي، بالإضافة إلى تشنجّات البطن، وارتفاع درجة الحرارة.
لقد أصبحت أفضل طريقةٍ في الوقت الحالي لاستعادة توازن الميكروبات داخل الأمعاء بعد الإصابة بعدوى المطثية العسيرة، هي القيام بعملية تلقيح براز المصاب بجراثيم برازية من شخصٍ سليم آخر؛ وتدعى هذه العملية «زرع جراثيم البراز»، ويمكن أن تعالج ما يصل إلى 90% من حالات الإصابة بعدوى المطثية العسيرة المتكررة، لكن العلاجات المحتملة المماثلة لم تتضح بعد، لأننا في الواقع لا نعرف بالفعل بعد دور جميع الميكروبات في الأمعاء السليمة.
الأمراض التي يمكن علاجها
المرحلة التالية تتمثل في معرفة الحالات التي يمكن علاجها بعملية زراعة جراثيم البراز. من المرجّح استهداف أمراضٍ مثل داء كرون، وغيرها من الأمراض المعوية الأخرى خلال السنوات الخمس المقبلة، لكن في الوقت الحالي، ما زال من غير الواضح هل هناك تطبيقات لهذا العلاج أم لا؛ فبدون صورةٍ واضحة لدور كلّ نوعٍ من البكتيريا في الأمعاء، فإنّ أفضل يمكن للأطباء القيام به هي تجربة استبدال الأنواع التي تبدو ممرضةً بأخرى تبدو نافعة.
يتوقّع الخبراء؛ من خلال دراسة ميكروبيوم الأمعاء لدى المصابين بأمراضٍ معينة، أنه سيكون بوسعنا تحديد المزيد من الروابط بين الميكروبات وصحتنا في غضون السنوات العشر المقبلة، وبشكلٍ عام؛ تشير الأبحاث الجارية حالياً في مشروع «هيومن ميكروبيوم» بشكلٍ مبدئي إلى أن أمراضاً مثل السرطان وألزهايمر، يمكن أن تكون مرتبطةً بتوازن الميكروبات داخلنا.
مع ذلك، فإن الاستفادة من هذه المعلومات والاستناد عليها لتطوير أدويةٍ لعلاج هذه الأمراض، قد يستغرق عقوداً طويلة. يجب أن يكون بوسع أي دواءٍ سحري قد نطوره في المستقبل أن يستعيد التوازن الدقيق للميكروبات التي تعيش في أمعائنا؛ والتي يمكننا أن نصفها بأنها أنظمةٌ بيئية قائمة بحد ذاتها، ولكننا ما نزال نعمل على فهمها.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً