ازداد استخدام الأدوية الموصوفة في الحمل بنسبة تزيد عن 60% بحلول عام 2008، إذ تتناول نحو 9 من كل 10 نساء الأدوية في مرحلة ما أثناء الحمل، يعود ذلك لازدياد الإصابة بالأمراض التحسسية والمناعية والمزمنة بشكل عام والتي تتطلب استخدام أدوية بشكل مستمر.
عندما يتعلق الأمر بأخذ الدواء، يتوجه تركيز الحامل نحو سلامة جنينها بالكامل وتنسى نفسها، وتفضل عدم أخذ أي دواء على الإطلاق على أن تأخذه وهي تخشى آثاره على الجنين. إلّا أن صحة الحامل وإصابتها بالأمراض تؤثر بدورها أيضاً على صحة الجنين، إذ يمكن أن تكون بعض الحالات خطرة على كل من صحة الأم والجنين إن تُركت دون علاج، مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري.
بشكل عام، تُنصح الحامل بتجنب أخذ الدواء أكثر ما يُمكن في الثلث الأول للحمل نظراً لأنه أكثر مرحلة حساسة فيه، إذ تتشكل معظم أعضاء وأجهزة الجنين خلاله ومنها العرف العصبي. ويبقى أخذ بعض الأدوية أقل خطورة نسبياً في الثلثين الثاني والثالث. وعلى المرأة استشارة الطبيب دائماً أثناء التخطيط للحمل بما يخص أدويتها.
اقرأ أيضاً: كيف يتم حساب فترة الحمل بالأسابيع والشهور؟ وكيف يتم تحديد موعد الولادة؟
تصنيف سلامة الأدوية خلال الحمل
تصنف إدارة الغذاء والدواء الأميركية الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية والأدوية الموصوفة حسب سلامتها ومخاطرها ضمن مجموعات، وتعتبر الأدوية التي تندرج في الفئات "أ" أو "ب" أو "ج" عموماً "آمنة" للاستخدام أثناء الحمل، أما باقي المجموعات فهي ذات مخاطر أعلى، ومن التصنيفات نذكر:
- الفئة "أ": تظهر الدراسات الخاضعة للرقابة على النساء الحوامل عدم وجود خطر على الجنين عند تناول أدوية هذه الفئة في الأشهر الثلاثة الأولى أو الثلث الأخير من الحمل.
- الفئة "ب": أجريت الدراسات على الحيوانات ولم تظهر أي آثار سلبية على أجنتها، ولكن لا توجد دراسات مضبوطة على النساء الحوامل.
- الفئة "ج": لا توجد دراسات دقيقة على النساء، إلّا أن هذه الأدوية أظهرت تأثيرات سلبية على أجنة الحيوانات، ولذا تُعطى أدوية هذه الفئة إذا كانت الفوائد تفوق المخاطر.
- الفئة "د": يوجد دليل على خطرها على الأجنة البشرية والحيوانية، لذا لا تُعطى هذه الأدوية إلا في الحالات المُهددة لحياة الأم.
- الفئة "X": تم تأكيد الآثار الضارة لأدوية هذه الفئة، فلا توصف أدوية هذه المجموعة للنساء الحوامل أو حتّى اللاتي يخططن للحمل.
الأدوية الآمنة لبعض الحالات الصحية عند الحامل
تُصاب الحامل كأي شخص آخر بطيف من الحالات الصحية، ناهيك عن وجود أمراض مزمنة كالأمراض التحسسية المزعجة والسكري التي تتطلب علاجاً طويل الأمد، ولذلك، وبعد التأكيد على ضرورة استشارة الطبيب الذي يحدد الحالة بالضبط، ويُوصي بالعلاج المناسب، نورد أشيع الحالات الصحية التي قد تُصاب الحوامل بها مرفقةً بالعلاج الأكثر أماناً، منها:
الصداع أو الآلام الجسدية
يعتبر "أسيتامينوفين" الدواء المُسكن للألم الأكثر استخداماً خلال الحمل، وهو يُصنف من أدوية الفئة "ب" ويتم استخدامه على نطاق واسع مع وجود عدد قليل جداً من الآثار الضارة الموثقة. إلّا أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية نصحت باستخدامه بالجرعات الدُنيا نظراً لارتباطه بحدوث اضطراب هرمونات وعدم نزول الخصيتين عند الرضع الذكور، إضافةً إلى زيادة خطر الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واضطراب طيف التوحد لدى الذكور والإناث.
من ناحية أخرى، يجب تجنب الأسبرين ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (NSAIDs) أثناء الحمل مثل الإيبوبروفين والنابروكسين.
أمّا إذا كان الألم شديداً، فقد يصف الطبيب شوطاً قصيراً من مسكنات الألم الأفيونية كالمورفين، والتي لا تؤثر على نمو الجنين عندما تؤخذ حسب التوجيهات.
نزلة البرد
ما زالت الدراسات حول أمان أدوية نزلات البرد خلال الحمل محدودة، إذ يقترح بعض الأطباء الانتظار حتى الأسبوع 12 من الحمل لأخذها وذلك لتقليل أي مخاطر محتملة على الجنين. وبالمقابل من الممكن أخذ شراب السعال ديكستروميتورفان، على الرغم من أنه يُصنف ضمن الفئة "ج"، ويُفضل أن يقتصر ذلك على الحالات الشديدة.
أما بالنسبة لمضاد الاحتقان "سودوإفيدرين" فعلى الرغم من عدم تصنيفه على أنه أدوية ضارة بالحمل، إلا أنه يرفع من ضغط الدم ويؤثر على تدفق الدم من الرحم إلى الجنين، ولذلك يُفضل استشارة الطبيب قبل أخذه في حال كانت الحامل تعاني من ارتفاع ضغط الدم. وتبقى العلاجات المنزلية لنزلة البرد مُفضلة بشكل كبير قبل البدء بأي دواء.
ارتفاع ضغط الدم
ارتفاع ضغط الدم حالة مزمنة تتطلب علاجاً مستمراً، ولذلك يُنصح دائماً باستشارة الطبيب لتعديل الأدوية الخافضة للضغط التي تأخذها الحامل. يجب الابتعاد عن أصناف حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين ومثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين نظراً لارتباطها بحدوث تشوهات جنينية.
من أكثر الأدوية الخافضة للضغط استخداماً حاصرات مستقبلات بيتا مثل "لابيتالول" أو حاصرات الكلس مثل "نيفيديبين"، كما يعتبر "إلفا ميثيل دوبا" آمناً للاستخدام خلال الحمل.
الحموضة المعدية والقلس المعدي المريئي
تعتبر مضادات الحموضة التي تصرف بدون وصفة طبية والتي تحتوي على حمض الألجنيك والألمنيوم والمغنيزيوم والكالسيوم آمنة بشكل عام أثناء الحمل مثل "مالوكس" وكربونات الكالسيوم.
أمّا بالنسبة لحالات الحموضة الشديدة، فقد يقترح الطبيب تناول "مثبطات مستقبلات الهيستامين-2" مثل "رانيتيدين" و"سيميتيدين"، والتي تعتبر آمنة.
السكري
لم تتم الموافقة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على استخدام أي دواء خافض للسكر سوى "الإنسولين"، ولذلك يجب استشارة الطبيب قبل حدوث الحمل لتعديل الخطة العلاجية للسكري إن كانت الأم تتناول خافضات السكر الفموية واستبدالها بالإنسولين.
الأمراض التحسسية
قد تستجيب الحالات الخفيفة من التحسس الأنفي لتغييرات نمط الحياة كالابتعاد عن محرضات التحسس، وإن لم ينجح ذلك فمن الممكن استخدام مضادات الهيستامين والتي تعتبر آمنة خلال الحمل مثل "ديفينهيدرامين" و"كلورفينيرامين" و"لوراتادين". وفي الحالات الشديدة، يُسمح باستخدام بخاخ كورتيكوستيروئيدي بجرعة منخفضة إلى جانب مضادات الهيستامين.
اقرأ أيضاً: كل ما تودين معرفته عن سكري الحمل من الأعراض حتى العلاج
الإمساك
تعتبر ملينات البراز آمنة بشكل عام أثناء الحمل وتشمل "كولايس" أو "سورفاك"، إلّا أنه يتوجب استشارة الطبيب حول أخذ بعض الملينات التي تخرش مخاطية الأمعاء مثل "سينوكوت".
الغثيان والإقياء
الغثيان شائع في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وفي الوقت الذي قد لا تحتاج فيه بعض الحوامل أي علاج له، نجد أخريات غير قادرات على تحمل هذا الشعور المزعج. لعلاج الحالات الخفيفة من الغثيان يُمكن إعطاء جرعات من فيتامين "ب-6" بالإضافة إلى "دوكسيلامين" و"ديمينهيدرينات"، وهي الأدوية المضادة للغثيان والتي توصف للمصابين بدوار السفر. كما يوصف "أوندانسيترون" في الحالات الشديدة من الغثيان والإقياء.
الأرق
الأدوية الآمنة للأرق هي تلك التي تنتمي لأصناف مضادات الهيستامين الجيل الأول مثل "ديفينهيدرامين". وإن لم يكن العلاج بها مجدياً قد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل "أميتريبتيلين" أو البنزوديازيبينات مثل "كلونوبين". يترافق استخدام البنزوديازيبينات في الأشهر الأولى من الحمل مع خطر الإصابة بانشقاق شراع الحنك عند الجنين، وبالمقابل، قد لا يحمل الاستخدام في وقت لاحق من الحمل أي مخاطر.
اقرأ أيضاً: اعتماد أول علاج لاكتئاب ما بعد الولادة
الأدوية التي يُحذر من استخدامها خلال الحمل
قد تكون الدراسات حول تأثير الأدوية على أجنة الحوامل محدودة نظراً لمحدودية التجارب السريرية بهذا الخصوص، فمن الطبيعي ألّا ترغب أي أم بتعريض حملها لأي مخاطر محتملة، إلا أنه توجد مجموعة من الأدوية التي ارتبط استخدامها بحدوث تشوهات جنينية ملموسة ومنها:
- التاليدومايد: والذي كان يُوصف سابقاً لعلاج الغثيان والإقياء، إلّا أن إدارة الغذاء والدواء منعت وصفه للحوامل نظراً للعيوب الخلقية المُترتبة على استخدامه.
- مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين: إذ ارتبط استخدامه بحدوث مشكلات في الكليتين والقلب والأوعية الدموية عند الرضع.
- مضادات الاكتئاب: لا تسبب تشوهات جسيمة، إنما يعاني الأطفال المولودين لأمهات تناولن هذه الأدوية خلال الحمل من مشكلات في النمو مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط واضطراب طيف التوحد.
- كلورأمفينيكول: أحد الصادات الحيوية التي يرتبط استخدامها بحدوث اضطرابات دموية و"متلازمة الطفل الرمادي".
- السيبروفلوكساسين والليفوفلوكساسين: هذه الصادات الحيوية تؤدي إلى حدوث مشكلات عضلية وعظمية عند الجنين.
- الكينولونات المفلورة: ترتبط هذه الصادات الحيوية مع ارتفاع خطر الإصابة بتمزق جذر الأبهر.
- بريماكوين: أحد أدوية الملاريا، ويتسبب استخدامها بحدوث انحلال دم الجنين.
- السلفاناميدات أو "مركبات السُلفا": تتسبب هذه الصادات الحيوية بحدوث اليرقان وانحلال الدم عند حديث الولادة.
- تريمتوبريم: ارتبط استخدام هذا الصاد الحيوي بحدوث عيوب الأنبوب العصبي عند الأجنة.
- الكودائين: لا يسبب هذا المُسكن أي تشوهات للرضيع، إلا أن استخدامه غير المدروس يؤدي لحدوث آثار سحب بعد إيقاف الدواء كتلك التي نجدها في حالات الإدمان.
- الوارفارين: أحد مميعات الدم التي تسبب اضطرابات دموية وتشوهات عند الجنين.
- كلونازيبام ولورازيبام: أحد الأدوية المضادة للاختلاج والتي قد تسبب حالة من "التعود" عند الجنين، الأمر الذي يؤدي لحدوث اختلاجات عند الطفل بعد الولادة نتيجة سحب الدواء من جسمه.
- إيزوتريتينوئين أو "ريتان": من الأدوية التي تُعالج حب الشباب. يسبب هذه الصنف تشوهات جنينة شديدة وينصح بإيقافه قبل شهر من الحمل، ولا يوصف إلّا بعد إجراء اختبارين سلبيين للحمل.