تُعدّ إصابات الحروق من أكثر الإصابات إيلاماً، وتشتهر ببطء شفائها وعدم اكتماله في كثير من الأحيان. في الحالات الشديدة، قد تقاوم العلاج تماماً، ما يؤدي إلى مضاعفات كالالتهاب أو حتى خطر البتر. تعتمد العلاجات التقليدية على الضمادات الطبية وكريمات المضادات الحيوية، بالإضافة إلى ترقيع الجلد بجلد المريض نفسه، ومع ذلك، بعض الحروق يقاوم الشفاء بعناد، ما يترك المرضى في حالة من الألم لفترات طويلة ويعرضهم لخطر المزيد من المضاعفات.
في محاولة لإيجاد حل لمثل هذه المشكلات، توصل باحثون في البرازيل إلى تقنية جديدة أظهرت فعاليتها في مجال علاج الحروق، وهي "العلاج بجلد السمك"، فكيف تعمل هذه التقنية؟ وما مدى فعاليتها؟
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تكشف قدرة النمل على تمييز الجروح الملوثة وعلاجها
كيف بدأت تقنية علاج الجروح بجلد السمك؟
يُستخدم عادة في علاج الحروق طعوم من أنسجة بشرية أو جلد الخنزير المجمد، أو البدائل الاصطناعية، للمساعدة على ترطيب الحرق ونقل بروتين الكولاجين له لإعادة بناء الخلايا والشفاء. ومع ذلك، فإن تقنيات مثل هذه تعد مكلفة وغير متوفرة بسهولة في المستشفيات في الدول النامية كما في البرازيل، فمقارنةً بالدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الأميركية، يعد برنامج التبرع بالأعضاء في البرازيل ضعيفاً. ولذلك، لا يحصل العديد من ضحايا الحروق على طعوم جلدية، أو يضطرون لدفع مبالغ طائلة للحصول عليها، أو يلجؤون إلى ضمادات الشاش التي تتطلب تغييراً دورياً ومؤلماً.
دفعت هذه الحقيقة بخبراء جامعة سيارا الفيدرالية في شمال البرازيل إلى البحث عن بدائل حيوية أقل تكلفة وأكثر توافراً، فاستخدموا جلد سمك "البلطي" لعلاج حروق شاب برازيلي يبلغ من العمر 23 عاماً أصيب بانفجار بارود. وُضع جلد السمك على ذراعيه ويديه، ثم غُطي بالشاش ما أدى إلى إعادة التئام الظهارة بالكامل في غضون 12 يوماً من العلاج، ولم تكن هناك حاجة لتغيير الضمادات، ولم تُلاحظ أي آثار جانبية.
سابقاً، في عام 2013، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على تقنية طوّرتها شركة "كيرسيس" (Kerecis) الأيسلندية، تدعى "ماريجين أوميغا 3"، لعلاج الجروح المزمنة، بما في ذلك جروح مرضى السكري والأوعية الدموية وغيرها من الجروح التي يصعب التئامها، باستخدام جلد سمك القد. وهي عبارة عن صفائح جلد سمك سليمة منزوعة الخلايا، خالية من جميع الخلايا والمواد المستضدية، بحيث تصبح مشابهة لمادة جلد الإنسان، باستثناء وجود أحماض أوميغا 3 الدهنية المتعددة غير المشبعة.
تعمل التقنية من من خلال إدخال المنتج في الأنسجة البشرية التالفة، حيث يتم تزويد جلد السمك بالأوعية الدموية وتعبئته بخلايا المريض، فيتحول إلى أنسجة حية.
تختلف هذه التقنية عن سابقتها، في أن جلد السمك يُحمّل بعد تعقيمه في طعم خاص، ويُغلّف للاستخدام في المستشفيات، بحيث يمكن حفظه لمدة تصل حتى 3 سنوات، أما التقنية المستخدمة في البرازيل فتعتمد على الاستخدام المباشر لجلد السمك لتضميد الإصابة بعد تنظيفها وتعقيمها، كما أنها أقل تكلفة ومناسبة للمناطق ذات الدخل المنخفض، حيث قد تكون العلاجات التقليدية باهظة الثمن بالمقارنة مع العلاج في مناطق التكنولوجيا الحيوية المتقدمة لأنظمة الرعاية الصحية العالمية كما في أيسلندا.
العلم وراء استخدام جلد السمك لعلاج الحروق والجروح
يعود نجاح جلد سمك البلطي في علاج الحروق إلى تركيبته الحيوية التي تشبه إلى حد كبير جلد الإنسان، فهو يتميز بمحتوى عالٍ من:
- الكولاجين: يحتوي جلد السمك، وخاصةً سمك البلطي وسمك القد، على كميات كبيرة من الكولاجين من النوع الأول، وهو بروتين حيوي لتجديد الجلد. يشبه هذا الكولاجين جلد الإنسان إلى حد كبير، ما يُساعد على التئام الجروح بشكل أسرع.
- أحماض أوميغا 3 الدهنية: تتمتع هذه الأحماض بخصائص مضادة للميكروبات والالتهاب، ما يعزز إصلاح الأنسجة، ويسرع علاج الحروق والتئام الجروح.
- الأحماض الأمينية: تعزز الأحماض الأمينية تجدد الخلايا والأنسجة، وتقاوم الالتهاب والميكروبات، وتحمي النهايات العصبية من التلف.
- ببتيدات شفاء خاصة (تيلابيا بيسيدين-3 أو TP3): تساعد هذه الببتيدات على تسريع تكاثر الخلايا وإعادة تشكيلها والتئام الجروح المصابة.
علاوة على ذلك، يتمتع جلد السمك بخصائص تعزز عملية شفاء الحروق والتئام الجروح، بما فيها:
- يلتصق بقوة بالجرح أو مكان الحرق، فيعمل كطبقة واقية تحمي الجرح أو الحرق وتشجع على نمو الأنسجة تحته بسرعة.
- لا يسبب استجابة مناعية، أي لا يرفضه الجسم، وذلك لأنه يفتقر إلى "المستضدات" المسؤولة عادةً عن تحفيز الاستجابات المناعية لدى البشر.
- يحافظ على الرطوبة في موقع الإصابة.
- يكون ميسور التكلفة ومتوفراً بسهولة.
- يُعد متيناً ومرناً ومقاوماً للتمزق.
وفقاً لدراسة نشرتها مجلة "جراحة التجميل والترميم" (Plastic and Reconstructive Surgery) عام 2021، وهدفت إلى تقييم فعالية جلد سمك البلطي النيلي كضمادة للجروح في الحروق السطحية جزئية السماكة بالمقارنة مع كريم سلفاديازين الفضة الذي يستخدم عادة لعلاج الحروق. شهد المرضى الذين عولجوا بجلد سمك البلطي إعادة تكوين ظهارة (تجديد الخلايا الظهارية التي تغطي السطح) بسرعة أكبر بمتوسط مدة شفاء بلغ 9.7 أيام، مقارنةً بـ 10.2 أيام للمرضى الذين عولجوا بسلفاديازين الفضة. علاوة على ذلك خفّضت ضمادة جلد السمك مستويات الألم بشكل ملحوظ، وتطلّبت التغيير بمعدل أقل من سلفاديازين الفضة بشكل ملحوظ.
اقرأ أيضاً: لماذا تشفى جروح كبار السن بشكل أبطأ؟
كيف يمكن استخدام جلد السمك في علاج الحروق؟
لا يمكن استخدام جلد السمك مباشرة على منطقة الإصابة، بل لا بد له أن يخضع لعملية تحضير وتتضمن:
- تنظيف الأطباء لموقع الإصابة بعناية، وإزالة أي أنسجة ميتة لضمان التصاق الجلد بالمنطقة المتضررة بشكل صحيح.
- تنظيف جلد السمك، حيث تُزال القشور والدهون وأي ملوثات محتملة.
- تعقيم جلد السمك لأنه يحمل البكتيريا، حيث يُعالج جلد السمك النظيف بمحاليل مضادة للميكروبات للقضاء على البكتيريا مع الحفاظ على خصائصه البيولوجية المفيدة.
- بعد تعقيمه، يُوضع جلد السمك مباشرةً على مكان الحرق، تماماً مثل الضمادة البيولوجية. على عكس الضمادات التقليدية، يلتصق جلد السمك طبيعياً بالمنطقة المصابة، ما يساعد على الاحتفاظ بالرطوبة وحماية منطقة الإصابة.
- مع مرور الوقت، تتسلل الخلايا السليمة من محيط الجرح إلى جلد السمك، وتُحوّله إلى جلد بشري. لا يُنزع جلد السمك من المريض أبداً.