اكتشاف دارة دماغية جديدة قد يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة للإدمان

اكتشاف دارة دماغية جديدة قد يؤدي إلى تطوير علاجات جديدة للإدمان
صورة بالرنين المغناطيسي لدماغ بشري على شاشة. يمكن أن يساعد مسح الدماغ الأطباء على العثور على الشذوذات والروابط العصبية بينها. غيتي إميدجيز

علاج الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة صعب للغاية؛ وأحد أسباب ذلك هو أن صور الدماغ التي تبيّن الشذوذات لدى المدمنين تتضمن الكثير من النتائج المتباينة وتظهر غياب الوصلات العصبية. وجدت دراسة نشرت بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2023 في مجلة نيتشر منتال هيلث (Nature Mental Health) أن أدمغة الذين يعانون اضطراب تعاطي المواد المخدّرة تحتوي على دارة متصلة؛ ما يمنح الباحثين منطقة يمكن استهدافها في العلاجات السريرية المستقبلية.

الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة

وفقاً لإدارة خدمات تعاطي المواد المخدرة والصحة النفسية في الولايات المتحدة؛ يُصاب البشر بالاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة عندما يؤدي تعاطي الكحول و/أو المواد المخدرة على نحو متكرر إلى المشكلات الصحية الكبيرة مثل "الإعاقة، والفشل في تحمّل المسؤوليات الرئيسية في العمل أو المدرسة أو المنزل". تشير التقديرات إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون هذه الاضطرابات في الولايات المتحدة يتجاوز 20 مليون شخص، وأن الاضطرابات الرائجة تشمل اضطراب تعاطي المواد الأفيونية واضطراب تعاطي النيكوتين واضطراب تعاطي الكحول.

يمكن أن يساعد كلٌّ من التصوير العصبي وتصوير الدماغ على تحديد خيارات العلاج؛ وذلك لأن الشذوذات التي تظهر في فحوص الدماغ ترتبط باضطرابات تعاطي المواد المخدرة. يتضمن بعض النُهُج المطورة حديثاً لدراسة دور الدماغ في الإدمان عملية تحمل اسم "رسم خرائط شبكة آفات الدماغ". هذه الآفات هي مناطق من أنسجة الدماغ تظهر عليها الأضرار الناجمة عن الإصابة أو المرض. يستخدم الخبراء هذا النهج الجديد لفحص كيف يمكن أن تتسبب آفتان تقعان في موقعين مختلفين بالمشكلات نفسها.

اقرأ أيضاً: ما الاحتياطات التي يجب اتباعها عند تناول الأدوية التي تُعطى دون وصفة طبية؟

رسم خرائط شبكة آفات الدماغ

قال طالب الطب في جامعة كولومبيا البريطانية والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، جيكوب ستَبز، لبوبساي: "يمكننا أن نفكّر في هذا النهج على أنه رسم تخطيطي وسطي للاتصالات العصبية في الدماغ البشري يهدف إلى إظهار كيف تستطيع آفتان تقعان في موقعين مختلفين تتسببان بالمشكلة نفسها أن تتشاركا الاتصال بالمنطقة نفسها".

ساعد نهج التخطيط الباحثين على ملاحظة أن هذه الشبكة كانت منتشرة بين الأشخاص الذين يستهلكون مختلف المواد المسببة للإدمان مثل الكحول أو الكوكايين أو الهيروين أو النيكوتين. وفقاً لستبز؛ تفاجأ الفريق للغاية عندما كشف وجود هذه الدارة المشتركة لدى الأشخاص المدمنين على المواد المختلفة لأن البيانات التي جُمعت على مدى عقود من الزمن كانت معيوبة ومتباينة.

تشمل العيوب التي تعانيها هذه الدراسة أن البيانات جميعها استُمدّت من أبحاث سابقة، وأن نتائجها تكشف عن ارتباط إحصائي فقط. لم يتمكّن المؤلفون من كشف أي علاقة سببية بين وجود الدارة العصبية والإدمان، فضلاً عن أنهم لم يحددوا إن كان تشكّل الدارة ناجماً عن عوامل وراثية أو بيئية. بالإضافة إلى ذلك، ثمة طرائق متعددة لدراسة صور الدماغ؛ ما قد يجعل تفسير البيانات أكثر تشويشاً وتعقيداً.

العلاقة بين آفات الدماغ ودارة دماغية تمكنها إزالتها

كشف الباحثون في دراسة نُشرت عام 2022 علاقة بين آفات في الدماغ ودارة دماغية تُمكنها إزالة الآفات من أدمغة بعض مدخني السجائر. استخدم مؤلفو الدراسة الجديدة بيانات دراسة عام 2022 لدراسة الدارة الدماغية المكتشفة حديثاً والمناطق التي أُصيب فيها الدماغ بالضمور أو الانكماش. وقيّموا بيانات من 144 دراسة حول الإدمان، وتوصّلوا إلى أن الشذوذات المرتبطة بالإصابة بمختلف اضطرابات تعاطي المواد المخدرة موجودة في شبكة دماغية مشتركة. نظرت هذه الدراسات في المقام الأول في إدمان الكحول أو الكوكايين أو الهيروين أو النيكوتين.

قال المدير المؤسس في مركز علاجات دارات الدماغ في مستشفى بريغام آند ويمنز والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، مايكل فوكس، في بيان صحفي: "توصلنا إلى أن مناطق الدماغ المختلفة المرتبطة بالإدمان هي جزء من دارة دماغية مشتركة. يبيّن اتساق نتائج الأوراق البحثية المختلفة أنه أصبح لدينا الآن دارة دماغية يمكننا استهدافها لعلاج الإدمان، بدلاً من أن يكون لدينا منطقة دماغية معينة". يعمل فوكس مستشاراً في شركات مثل ماغنوس ميديكال (Magnus Medical)، وسولارس (Solaris)، وبوسطن ساينتفك (Boston Scientific)، وهو صاحب ملكية فكرية تتيح استخدام التصوير الاتصالي لتوجيه عمليات تحفيز الدماغ.

اقرأ أيضاً: هل تؤدي المسكنات دوراً معالجاً أم مهدئاً فقط؟

استهداف هذه الدارة الدماغية بالعلاجات

راجع الفريق البيانات التي تعود لأكثر من 9 آلاف مشارك. يشير وجود الاتصال العصبي المكتشف حديثاً إلى احتمال وجود دارة دماغية يمكن استهدافها بعلاجات التحفيز العصبي بهدف علاج الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المواد المخدّرة.

تمتد الدارة عبر 5 مناطق رئيسة في الدماغ؛ وهي القشرة الحزامية الأمامية والقشرة الجزيريّة وقشرة الفص الجبهي الظهراني وقشرة الفص الجبهي الإنسية والمهاد.

يقول ستبز: "انخراط هذه المناطق الخمس منطقي وبديهي. تقع قشرة الفص الجبهي الإنسية تحت الدماغ، وهي مهمة لأنها مثّلت هدفاً لتجارب تحفيز الأعصاب الناجحة".

على الرغم من أن التطبيقات السريرية المعتمدة على هذه الدارة لن تُطور قبل عدة سنوات، فإنها تمنحنا الأمل لعلاج الإدمان.

المحتوى محمي