نجح باحثون من المركز الوطني للأمراض السارية في أميركا بقيادة الباحث "كارل ديفنباخ" في تطوير آلية علاجية جديدة، تقوم على مبدأ زرع الخلايا الجذعية في نقي عظم المرضى لتطوير جهاز مناعي فعّال وقادر على التصدي لفيروس الإيدز وغيره من الأجسام الغريبة، ما أدى إلى شفاء أول مريضة بالإيدز، وهي الأولى التي تُشفى باستخدام هذه التقنية. تجدر الإشارة إلى أنه تم تسجيل عدة حالات شفاء سابقاً من مرض الإيدز باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات، ولكن بعض هؤلاء المرضى لاقوا حتفهم، ما دفع باحثي المركز الوطني الأميركي للأمراض السارية لإيجاد طرق علاجية أكثر فعالية لتحقيق الشفاء طويل الأمد.
ما هو مرض الإيدز؟
يعرف مرض الإيدز أو ما يسمى "متلازمة العوز المناعي المكتسب" بأنه مرضٌ سارٍ معدٍ ينتقل بالجنس شكّل أحد الأوبئة التي تم رصدها عام 1981 م للمرة الأولى.
يتكون فيروس الإيدز من ثلاثة أقسام، الحافظة التي تشكل الطبقة الخارجية، ومن ثم اللب وأخيراً المادة الوراثية، ما يميز هذا الفيروس أنه قادر على تصنيع مجموعة من الإنزيمات والبروتينات المختلفة وخلق مجموعة من المواد الأولية الضرورية لديمومته.
يدخل فيروس الإيدز جسم الإنسان ويبقى كامناً وغير عرضي لفترة قد تصل لعدة سنوات. خلال هذه الفترة يتكاثر داخل الجسم ويهاجم الخلايا اللمفاوية التائية المساعدة، ما يضعف مناعة الجسم بشكل كبير، فلهذه الخلايا دور رئيسي في الدفاعات المناعية، أي أنها خط الدفاع الأول تجاه أي عامل ممرض غريب يدخل الجسم.
لا تختلف الفترة الأولية من الإصابة بالفيروس عن الإصابة بالزكام، فهما متشابهتان إلى حد كبير. خلال الفترة الكامنة لا تظهر أي أعراض تشير لنقص المناعة، وبالمقابل يصبح مرض الإيدز جلي الأعراض عند انخفاض عدد الخلايا اللمفاوية التائية إلى ما دون الـ 200 خلية/مل من الدم، حيث يحدث زيادة في قابلية الإصابة بالانتانات الانتهازية وبعض أنواع السرطانات مثل سرطان الأنسجة الضامة وغيره.
اقرأ أيضاً: كيف ينتقل فيروس الإيدز عبر سوائل الجسم؟
محتوى الخطة العلاجية
نجح الباحثون في علاج "تيموثي راي براون" من السرطان النخاعي الحاد بعد زرع مجموعة من الخلايا الجذعية التي تعود لمُتبرع ذو خصوصية طبية، حيث عانى المُتبرع من خلل جيني نادر تمثل بمنح الخلايا اللمفاوية التائية القدرة على مقاومة فيروس الإيدز والتصدي له. تتطلب عملية الزرع دقة عالية حيث إنها نجحت في علاج شخصين آخرين مصابين بمرض الإيدز ولكنها فشلت عند آخرين بالمقابل، ويعمل الباحثون الآن على تطوير أسلم طريقة تعود بأكثر النتائج إيجابية.
كان الهدف من هذه الخطة العلاجية التي وضعت لأول مرة عام 2008، هو استبدال الجهاز المناعي الأصلي لبراون بآخر سليم بالتزامن مع علاج السرطان، لأن وجود خلل في الجهاز المناعي سيكون عاملاً يساعد في نكس السرطان.
تم القضاء على الجهاز المناعي الأصلي بالعلاج الكيميائي والإشعاعي، والهدف كان تدمير أكبر عدد ممكن من الخلايا التي لا تزال تأوي فيروس الإيدز. حدث تنّسخ جديد للفيروس من الخلايا المرضية التي لم يستطع العلاج الكيميائي والإشعاعي القضاء عليها، وهنا أتى دور عملية زرع الخلايا الجذعية بأنها أكسبت الخلايا المناعية القدرة على التصدي لأي نسخ مرضية جديدة.
اقرأ أيضاً: بعد عقود من الأبحاث: لماذا لا يوجد لدينا لقاح الإيدز؟
طرق علاجية أخرى
عمل المعهد الوطني الأميركي للأمراض السارية على دراسة أخرى تهتم بتقديم علاج نوعي آخر يُعرف بـ "زرع الخلايا الجذعية من الحبل السري" عند مريضة أميركية في مدينة نيويورك. وكان لهذه الطريقة قدرة على تجديد خلايا الجهاز المناعي بشكل كامل.
كانت الخلايا الجذعية السرّية قادرة على التكيف بشكل أكبر مقارنةً بالخلايا الجذعية الأصلية، ولكن من سلبياتها أنها قد تكون غير متوفرة بالمقدار الكافي لعلاج السرطان بشكل تام. ولذلك وجد الباحثون أنه من الأفضل الاحتفاظ بهذا النمط لعلاج سرطان الدم عند الأطفال.
اقرأ أيضاً: علاجات جديدة مبشرة لمرض الإيدز
عوائق التطبيق العلاجي
من سلبيات زرع الخلايا الجذعية أنها محفوفة بالمخاطر، حيث توجد فئة قليلة من الأشخاص المرشحين لإجراءات علاجية كهذه. بالإضافة إلى خصوصية المتبرع المذكورة، يجب أن يملك المتبرع مستضد مطابق لكريات الدم البيضاء البشرية HLA من أجل زيادة احتمالية نجاح زرع الخلايا الجذعية. كما أن وجود الخلل الوراثي الذي يعطي مقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية ضروري لنجاح العملية، هذا الخلل موجود بشكل أكبر لدى الأشخاص المنحدرين من أصول أوروبية شمالية، ولكنه لا يشكل سوى 1% من هذه المجموعة.
ومع ذلك أعلن كارل ديفنباخ، المسؤول عن ملف الإيدز في المعهد الوطني للأمراض السارية الأميركي، في بيان له حول العلاج: "إن تراكم الانتصارات في علاج فيروس نقص المناعة البشرية يمنح باحثينا الأمل في استمرار البحث والتطوير".