تحدث معظم حالات الساد في مرحلة الشيخوخة، حيث تتراجع الأنسجة التي تشكل العدسة البلورية للعين وتنكمش وتبدأ البروتينات والألياف فيها بالانحلال. يؤدي ذلك إلى حدوث ضبابية في الرؤية. يمكن لبعض الاضطرابات الوراثية أن تزيد من خطر الإصابة بالساد، كما أن لبعض الأدوية كالستيروئيدات القشرية السكرية دور في الإصابة به.
وبالتالي نُعرف جراحة الساد أو ما تسمى بـ "جراحة استبدال العدسة" على أنها استئصال عدسة العين المصابة واستبدالها بعدسة أخرى سليمة وزرعها داخل مقلة العين. أصبحت جراحة الساد آمنة بشكل استثنائي في العقود الأخيرة، وأصبحت تصنف كأحد العمليات الروتينية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يخضع مليونا أميركي لمثل هذه العملية الجراحية سنوياً، ومن المرجح أن تتضاعف الأرقام مرتين أو ثلاثاً بحلول عام 2050.
يعتقد الكثير منا أن دور جراحة الساد يقتصر فقط على إعادة صفاء الرؤية وزيادة حدة البصر، إلا أن دراسة حديثة تشير إلى أنها تحافظ على الصفاء الذهني والسلامة العقلية، إذ يمكن أن تساعد في منع الإصابة بالخرف.
هل يوجد صلة بين فقدان حدة البصر والإصابة بالخرف؟
أظهرت مجموعة من الدراسات الحديثة التي نشرتها دورية "شبكة جاما للطب الباطني" والتي قام بها مركز جراحة العيون في جامعة واشنطن برئاسة الباحث "روجر جونسون"، وجود صلة بين الخرف وطيف من الأمراض العينية كالضمور البقعي المرتبط بالتقدم بالعمر وارتفاع ضغط العين والساد واعتلال الشبكية السكري، حيث وجدت إحدى الدراسات زيادة خطر الإصابة بالخرف لدى كبار السن الذين عانوا من تدهور الرؤية على مدى 8 سنوات.
اقرأ أيضاً: القهوة والشاي قد يقللان خطر الإصابة بالخرف
محتوى الدراسة
إن هذه الدراسة ليست الأولى التي قامت بها جامعة واشنطن والتي سلطت الضوء على العلاقة السببية بين الخرف والساد، حيث تم إيجاد رابط بين جراحة الساد وتقليل خطر الإصابة بالخرف في المستقبل وفقاً لدراسة أجريت عام 2015 برئاسة "روبرت موريتون" وهو طبيب من جامعة نيويورك، حيث أثبت من خلالها أن خطر الإصابة بالضعف الإدراكي كان أعلى عند المصابين بضعف الرؤية.
تقدم هذه الدراسة الجديدة حجة قوية مفادها أن جراحة الساد قد تقلل من خطر الإصابة بالخرف، حيث شملت هذه الدراسة 3 آلاف من كبار السن، بعضهم كان مصاباً بالساد بينما كان البعض الآخر مصاباً بالزرق، وهو ارتفاع الضغط داخل مقلة العين.
قبل البدء بالدراسة، تم فحص المشاركين عصبياً ولم يظهر الفحص وجود أي علامات لأي تدهور في الحالة العقلية، وانطلاقاً من تلك النقطة بدأ الباحثون بدراسة العلاقة بين جراحة الساد وخطر الإصابة بالخرف بشكل حيادي ومستقل عن أي مرض عصبي مستبطن.
وجد الباحثون أن خطر الإصابة بالخرف كان أقل بنسبة 29%عند الذين خضعوا لجراحة الساد مقارنة بالذين لم يخضعوا لها، أما بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يعانون من الزرق، فكان خطر الإصابة بالخرف هو نفسه عند من خضع ومن لم يخضع لأي عمل جراحي علاجي، ولكن من الواجب التنويه إلى أن العملية الجراحية التي تستطب في حالات الزرق ليست شافية بل مخففة للأعراض على عكس جراحة الساد، وبالتالي هذا التفاوت في النتائج بين المجموعتين لم يؤثر على النتائج النهائية لهذه الدراسة.
استطاع الباحثون القول إن النتائج الأولية مقنعة، إلا أنها تحتاج إلى التطبيق على نطاق أوسع، ولذلك أكدوا على ضرورة تنوع الدراسات المستقبلية، وضرورة إدراج شتّى الأعراق والأجناس للوصول إلى نتائج أكثر شمولية وموثوقية، ففي هذه الدراسة، كان 90% من المشاركين بِيضاً، وكانوا جميعاً يتمتعون بسهولة الوصول إلى الرعاية الصحية الشاملة، الأمر الذي حدد من إمكانية تعميم النتائج.
اقرأ أيضاً: الباحثون يكتشفون مسببات جديدة للخرف يمكن اكتشافها وعلاجها مبكراً
كيف تُفسر نتائج هذه الدراسة؟
لا تؤكد نتائج الدراسة أن جراحة الساد تقلل بشكل مطلق من خطر الإصابة بالخرف، بل طرحت مجموعة من النظريات وهي:
تتضرر الوظائف الدماغية بانخفاض المدخلات الحسية
وهذا ما يسمى بفرضية الحرمان الحسي أو فرضية "إمّا استخدمها أو افقدها"، حيث تؤدي المدخلات الحسية الضعيفة إلى تحفيز أقل للدماغ، وينجم عن ذلك تراجع تدريجي في الوظائف الدماغية. أظهرت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي لِمرضى جراحة الساد زيادة في الفعالية الدماغية، الأمر الذي دعم هذه النظرية بشكل كبير.
فقدان الرؤية يقلل من النشاط البدني
من الطبيعي أن تؤدي ضبابية الرؤية إلى تقييد النشاط البدني، ويؤدي النشاط البدني المحدود والمشاركة الاجتماعية الضعيفة إلى تراجع في الوظائف العقلية، وبالتالي ارتفاع خطر الإصابة بالخرف.
فقدان الرؤية يزيد من الاكتئاب
قد يساهم فقدان البصر المرتبط بالساد في الإصابة بالاكتئاب، حيث إن تبدل نمط الحياة المتعلق بالعمر وتراجع الأداء يتسبب في حدوث حالة من العجز قد تؤدي إلى الاكتئاب في نهاية المطاف، الأمر الذي قد يزيد من خطر الإصابة بالخرف. تؤدي جراحة الساد إلى تحسين أعراض الاكتئاب، كما تقلل من مخاطر السقوط فتحسن نوعية الحياة، إذ قد تكون لمضاعفات السقوط والكسور الناجمة عنه آثار مميتة في بعض الأحيان.