حتى الحيوانات المفترسة الأكثر رعباً في أستراليا ليست في مأمن من لدغات البعوض وخطر الإصابة بفيروس غرب النيل الذي يرافقها. يمكن أن تُصاب تماسيح المياه المالحة بآفات جلدية تحمل اسم "بيكس" نتيجة لدغة البعوض المزعجة التي تنقل الفيروس؛ كما يمكن أن تنقل هذه الحيوانات الفيروس أيضاً.
لا يعلم العلماء تماماً كيف يستطيع البعوض اختراق الجلد القاسي لتمساح المياه المالحة ولدغه، ويعتقد بعض الخبراء أنه من المحتمل أن يكون اختراق الأغشية الرقيقة حول عيون التماسيح وداخل أفواهها وإطلاق الفيروس فيها أسهل بالنسبة إلى البعوض.
ومع ذلك، يمكن أن تُعالَج التماسيح قريباً بلقاحات خاصة.
لقاحات خاصة للتماسيح لوقايتها من فيروس غرب النيل
نُشرت نتائج تجربة أُجريت على لقاح مرشّح يمكن أن يقي تماسيح المياه المالحة من فيروس غرب النيل في 27 يونيو/ حزيران 2023 في مجلة "إن بي جيه فاكسينز" (npj Vaccines). اختبر أستاذ علم الفيروسات في جامعة كوينزلاند، روي هول، وفريقه نوعَين من اللقاحات المرشحة على مجموعة من أفراخ تماسيح المياه المالحة.
صنع الباحثون اللقاحين من مورثات فيروس يصيب الحشرات يحمل اسم "فيروس بنجاري"، ومن البروتينات البنيوية في فيروس غرب النيل. تلقّت مجموعات تتكون كل منها من 70 فرخاً، جرعتين من لقاح فيروس بنجاري أو لقاح فيروس غرب النيل في العضلات أو طبقات الجلد الدهنية كل 4 أسابيع.
قال هول لموقع بوبساي: "فوجئنا بسرور كبير لأن اللقاحات التي طورناها حفّزت مناعة وقائية قوية لدى التماسيح. كانت دراساتنا السابقة حول هذا النوع من اللقاحات كلها على الثدييات، ولم نكن متأكدين كيف ستكون شدة الاستجابة لدى الزواحف ذات الدم البارد".
اقرأ أيضاً: هل ستكون لقاحات السرطان العلاج الشامل لأمراض المستقبل؟
لماذا القلق بشأن الآفات الجلدية التي تُصيب التماسيح؟
يتمثّل أحد أسباب قلق العلماء بشأن الآفات الجلدية التي تصيب التماسيح بأن تربيتها ما تزال قانونية في أستراليا. يقول هول: "تلتقط التماسيح البرية وتلك التي تُربّى في المزارع هذه العدوى من البعوض، ومع ذلك، هناك أدلة رصينة تبيّن أنه في بعض الحالات، يمكن أن تنتقل العدوى مباشرة بين التماسيح في المزارع. وهذه حالة احتمال حدوثها أقل في البريّة؛ حيث تكون كثافة الحيوانات أقل بكثير والتواصل المباشر بينها أقل تواتراً".
وفقاً للجمعية الملكية الأسترالية لمنع القسوة على الحيوانات؛ رُبّيت التماسيح في الإقليم الشمالي في أستراليا منذ أواخر السبعينيات لإنتاج السلع الفاخرة مثل حقائب اليد والأحزمة واللحوم، ويمثّل ذلك جزئياً استجابة لتعرض هذه الحيوانات للصيد الجائر لعقود. تُمنح الموافقة الحكومية للشركات على جمع ما يصل إلى 100 ألف بيضة تمساح من البرية سنوياً في الإقليم الشمالي للبلاد.
وعلى الرغم من أن تربية التماسيح ليست محظورة رسمياً، فهي مرتبطة ببعض المسائل الأخلاقية الإشكالية. يمكن أن يؤدي كل من الحبس والازدحام الناجم عن التكاثر إلى إجهاد الحيوانات بسبب انخفاض مساحة الحركة ونقص الطعام وانخفاض التفاعل مع الحيوانات الأخرى. أصدرت الحكومة الأسترالية قانون ممارسة حول المعاملة الإنسانية للتماسيح، ولا يُعد أَسر التماسيح البرية أو تربيتها قانونياً في ولاية كوينزلاند. لا تزال مؤسسة "التجمّع من أجل المعاملة الأخلاقية للحيوانات" الأسترالية غير الربحية أو "بيتا" (People for the Ethical Treatment of Animals. PETA)، تقف ضد تربية التماسيح؛ إذ تتحدث عارضة الأزياء الأسترالية، روبن لولي نيابة عن المؤسسة ضد استخدام مزارع التماسيح في قطاع الأزياء الفاخرة.
اقرأ أيضاً: بعد انتشاره الذي أثار الرعب: ما هي العلاجات المتوفرة لجدري القرود؟
إنقاذ تماسيح المياه المالحة من الانقراض
كانت تماسيح المياه المالحة على وشك الانقراض في أوائل سبعينيات القرن الماضي بسبب الصيد، وتُعد هذه الحيوانات الآن من الأنواع المحمية ولكن المعرّضة للخطر؛ إذ لم يتبقَّ منها سوى نحو 20-30 ألفاً في كوينزلاند. أما في الإقليم الشمالي، فهي لا تُعد معرضة للخطر بعد الآن.
يعتبر بعض ناشطي الحفاظ على البيئة؛ ومنهم خبير التماسيح، غراهام ويب، أن منح التماسيح قيمة اقتصادية أدى دوراً جزئياً في الحل المتمثّل في توفير فوائد مستدامة إلى الإقليم الشمالي والحفاظ على التماسيح.
يقول هول: "تعزز تربية التماسيح الممارسات المستدامة، وأدّت دوراً محورياً في إنقاذ تماسيح المياه المالحة من الانقراض في الفترة الأخيرة. ونتيجة لمنح التماسيح قيمة اقتصادية؛ أصبحت المجتمعات التي تعيش مع هذه الحيوانات أو بالقرب منها أكثر تسامحاً مع وجودها وأصبحت تميل إلى حماية مواطنها. يفيد الحفاظ على جدوى هذا القطاع أيضاً الأنواع الأخرى التي تعيش مع التماسيح؛ مثل طيور الكركي المتورد والجَبِير والسلاحف الطويلة العنق".
اقرأ أيضاً: ما تود معرفته عن العلاج بدودة العلق
وتشير نتائج التجربة الجديدة إلى أن اللقاح المرشح آمن وفعال في الوقاية من الآفات الجلدية التي تصيب التماسيح التي تُربَّى في المزارع. تلقّى فريق التجربة مؤخراً تمويلاً من مجلس الأبحاث الأسترالي للعمل مع مركز أبحاث التماسيح لتقييم أداء اللقاح بدقة أكبر على المدى الطويل وفي تجربة أوسع، على أمل إنتاجه بكميات كبيرة لتلقيح المزيد من التماسيح.
يقول هول: "تبيّن هذه الدراسة كيف يمكن أن تؤدي الأبحاث المتعلقة بفهم الحقائق الحيوية الأساسية والتنوع الحيوي للكائنات الدقيقة الغامضة إلى ابتكارات تكنولوجية حيوية مهمة جداً لحل المشكلات الكبيرة في القطاع التجاري والطبي البيطري ومجال صحة البشر".