يؤثر داء السكري اليوم في حياة الملايين حول العالم، ليصبح من أكثر المشكلات الصحية إلحاحاً في عصرنا. ومع عدم وجود علاج شافٍ له حتى الآن، تُعدّ إدارة هذا المرض صراعاً يومياً للكثيرين، وتتطلب متابعة مستمرة لمستويات السكر في الدم واتباع نمط حياة صحي. وبينما يُقدّم الطب الحديث علاجات تُساعد على السيطرة على الأعراض ومنع المضاعفات، فإن هذه الحلول قد تكون مكلفة، وغالباً ما تُصاحبها آثار جانبية غير مرغوب فيها. لهذا السبب، يتزايد بحث الناس عن بدائل طبيعية لدعم صحتهم.
ومن بين هذه العلاجات التي تكتسب زخماً، شجرة المورينغا المعروفة بفوائدها الصحية المذهلة. يعتقد العديد من الناس أنه يمكن لهذا النبات أن يساعد على إدارة مرض السكري، فما هي حقيقة هذا الادعاء؟
ما هي عشبة المورينغا؟
نبات المورينغا أو علمياً مورينغا أوليفيرا (Moringa oleifera)، المعروف عادةً باسم شجرة الطبل أو "الشجرة المُعجزة"، هو نباتٌ شجري موطنه الأصلي جبال الهيمالايا ولكنه يُزرع حالياً في أنحاء العالم كافة لخصائصه الطبية، حيث يتميز بغناه بالعناصر الغذائية. يُمكن استخدام أجزاء هذه الشجرة كلّها قريباً، بما في ذلك الأوراق والقرون والبذور والجذور، في الطب التقليدي أو تناولها كغذاء، سواء على شكل مسحوق أو زيت أو كبسولات أو حتى أجزاء من النبات مثل الأوراق أو اللحاء.
يحتوي نبات المورينغا عموماً على العناصر الغذائية التالية:
- الفيتامينات: فيتامين أ، والثيامين (ب1)، والريبوفلافين (ب2)، والنياسين (ب3)، وفيتامين سي (حمض الأسكوربيك).
- المعادن: الكالسيوم والبوتاسيوم والحديد والمغنيزيوم والفوسفور.
- مركبات نشطة بيولوجياً: مثل الفلافونويدات، والفينولات، والكاروتينات.
- الأحماض الأمينية الأساسية وغير الأساسية.
اقرأ أيضاً: من الشعر وعلاج السكري إلى هرمون الذكورة: إليك فوائد زيت الحلبة
كيف تؤثر المورينغا في مستويات السكر في الدم؟
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن المورينغا يمكن أن تساعد على إدارة مرض السكري من خلال الآليات الرئيسية التالية:
خفض مستويات الغلوكوز: تنظيم سكر الدم
أشارت المراجعة المنشورة في دورية العناصر الغذائية (Nutrients)، إلى أنه يمكن للمورينغا خفض مستويات سكر الدم (الغلوكوز). تحتوي المورينغا على العديد من البوليفينولات، بما فيها الكيرسيتين والكايمبفيرول وحمض الكلوروجينيك وحمض الكافويلكوينيك. تعمل هذه المركبات كمثبطات تنافسية لبروتين (SGLT1)، الذي يؤدي دوراً أساسياً في امتصاص الغلوكوز والصوديوم من الأمعاء الدقيقة إلى مجرى الدم. علاوة على ذلك، وضحت المراجعة أن للكيرسيتين دوراً خاصاً في إبطاء إنتاج الكبد للغلوكوز، ما يؤدي في المجمل إلى تنظيم مستويات سكر الدم لدى المرضى المصابين بمرض السكري.
اقرأ أيضاً: 5 فوائد واستخدامات لنبات القراص اللاذع
تحسين حساسية الإنسولين
تحمي مضادات الأكسدة الموجودة في المورينغا خلايا بيتا البنكرياسية، وهي الخلايا التي تُنتج الإنسولين، من التلف الناتج عن الإجهاد التأكسدي. تنتج خلايا بيتا السليمة الإنسولين بفاعلية أكبر، ما يدعم تنظيم مستوى الغلوكوز في الدم.
مكافحة الإجهاد التأكسدي
في داء السكري، يؤدي ارتفاع سكر الدم فترات طويلة (فرط سكر الدم) إلى الإفراط في إنتاج جزيئات تُسمى "أنواع الأوكسجين التفاعلية" (ROS)، وهي جزيئات غير مستقرة يمكن أن تُلحق الضرر بالخلايا، من خلال إتلاف البروتينات والدهون وحتى الحمض النووي. ومع مرور الوقت، يُسهم هذا الخلل في حدوث مضاعفات مرض السكري، مثل تلف الأعصاب ومشكلات الكلى وأمراض القلب.
أشارت دراسة نشرتها دورية آفاق في علم الأدوية (Frontiers in Pharmacology)، إلى أن علاج الحيوانات المصابة بالسكري بمستخلصات المورينغا مدة 3 أسابيع، له تأثيرات مقاومة للإجهاد التأكسدي الذي يسبب مضاعفات السكري، حيث ساعد على:
- التئام الجروح وتجديد الأنسجة في الحيوانات المعرضة لمستويات مستمرة من ارتفاع سكر الدم.
- الوقاية من تلف الأعضاء، بما فيها الكبد والكلى.
- منع ضعف الإدراك والانتصاب لدى الفئران.
- انخفاض الضرر الكلوي والكبدي.
- زيادة تنظيم عامل نمو بطانة الأوعية الدموية، ما يحمي من الإصابة بالقروح وهي الجروح الناجمة عن ارتفاع سكر الدم.
مكافحة السمنة
تعتبر السمنة عامل خطر رئيسياً لتطوير مرض السكري من النوع الثاني، لأنها تؤثر مباشرة في قدرة الجسم على تنظيم مستويات السكر في الدم.
كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة الشقراء السعودية، بمن فيهم نجلاء العرباني، وعبير حمد، وسند محمد السبيعي، ونُشرت نتائجها في مجلة الكيمياء الحيوية الغذائية (Journal of Food Biochemistry)، أن زيت بذور المورينغا أظهر تأثيرات ملحوظة في مكافحة السمنة، مثل تقليل وزن الجسم، وتحسين مستويات الدهون (خفض الكوليسترول الكلي، والدهون الثلاثية، والكوليسترول الضار، وزيادة الكوليسترول الجيد)، بالإضافة إلى إظهار خصائص قوية مضادة للأكسدة. وشملت المكونات النشطة التي حددها الباحثون في الدراسة، حمض كريبتوكلوروجينيك، والإيزوكيرسيتين، والأستراجالين.
اقرأ أيضاً: باحثون يطوّرون تقنية علاجية للسكري من النمط الثاني تلغي حاجة المرضى لحقن الإنسولين
آثار جانبية محتملة لاستخدام المورينغا للتحكم في سكر الدم
على الرغم من أن المورينغا آمنة للاستهلاك عموماً، فإنه من المهم الانتباه إلى بعض الآثار الجانبية المحتملة لاستخدام المورينغا:
- انخفاض سكر الدم: قد يُسبب الإفراط في تناولها انخفاض سكر الدم، خاصة عند تناولها مع أدوية السكري.
- مشكلات هضمية: قد يُعاني بعض الأفراد الإسهال أو الغثيان أو الانتفاخ أو اضطراب المعدة عند تناول كميات كبيرة من المورينغا.
- التفاعلات الدوائية: قد تتفاعل المورينغا مع بعض الأدوية، بما فيها أدوية ضغط الدم وبدائل هرمون الغدة الدرقية ومميعات الدم، وأدوية الكبد.
- الإجهاض للمرأة الحامل: يمكن للمواد الكيميائية الموجود ة في لب المورينغا أو اللحاء، أن تسبب انقباض الرحم أو الإجهاض.
- ردود فعل تحسسية: على الرغم من ندرتها لكن قد تسبب المورينغا ردود فعل تحسسية بالنسبة للبعض.