منذ ظهور مرض كوفيد-19، بدأت ترتفع معدلات اضطرابات النوم. وإحدى الطرق التي لجأ إليها الكثيرون للتعامل مع الإجهاد الناجم عن الجائحة هي تناول مكملات الميلاتونين لمساعدتهم على النوم.
لكن يحذّر الخبراء من أن الميلاتونين ليس حلاً جيداً للأرق طويل الأمد على الأرجح. إذ تسبب هذا الهرمون في بعض الحالات النادرة بمرض الأطفال في حال تناول كميات كبيرة منه.
يقول إم. أديل ريشي (M. Adeel Rishi)، أخصائي أمراض الرئة وطب النوم والرعاية الحرجة في ولاية إنديانا ونائب رئيس لجنة الأمن العام في الأكاديمية الأميركية لطب النوم: "من الضروري وخصوصاً بالنسبة للأطفال عدم استخدام الميلاتونين إلا بعد استشارة طبيب الأطفال أو طبيب النوم".
إذا قررت تناول الميلاتونين، إليك أهم القواعد التي يجب الالتزام بها.
الميلاتونين هو حل قصير الأمد
الميلاتونين هو هرمون طبيعي يوجد في أجسام جميع الثدييات ويتحكم بدورة النوم والاستيقاظ. يقول ريشي إنه يتم إنتاج هذا الهرمون من قبل الغدة الصنوبرية في الدماغ ويساعد أيضاً في تنظيم "ارتفاع وانخفاض" درجة حرارة الجسم ومستوى سكر الدم.
يمكن استخدام الميلاتونين لعلاج المشكلات المتعلقة بالنظم اليومي مثل اضطراب تفاوت التوقيت. ووفقاً للمركز الوطني للصحة المتممة والتكميلية التابع للمعاهد الصحية الوطنية، "يبدو أن الاستخدام قصير الأمد للميلاتونين آمن بالنسبة لمعظم الأشخاص".
يقول ريشي: "في حالات الإصابة بالأرق الحاد، والذي يتسم بمواجهة صعوبة مفاجئة في النوم، أعتقد أنه لا ضير على الأرجح في أن يتناول البالغون ما يصل إلى 5 ميليغرام من الميلاتونين لمدة بضعة أيام". (تتراوح الأوقات المناسبة لتناول الميلاتونين بين 30 و90 دقيقة قبل النوم، ولا يجب تناوله مباشرة قبل النوم). إذا شعرت بأية أعراض جانبية مثل النعاس المفرط أو الدوار، توقّف عن تناول الميلاتونين واستشر طبيبك.
لا يوجد الكثير من الأدلة التي تدعم فكرة أن الميلاتونين فعال لعلاج الأرق المزمن، ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان تعاطي هذا الهرمون لفترات طويلة يمكن أن يكون له أي عواقب صحية.
يقول ريشي: "هناك خيارات أفضل لعلاج الأرق المزمن من تناول مكملات الميلاتونين"، ويضيف: "تنصح الأكاديمية الأميركية لطب النوم استخدام العلاج المعرفي السلوكي كمقاربة أولية لعلاج معظم المرضى. عندما يتم تطبيق هذا العلاج بشكل سليم، ستدوم تأثيراته لفترة أطول من تأثيرات المقاربات الفيزيولوجية".
تقول كاتارينا غراو-بانزر (Katharina Graw-Panzer)، خبيرة طب نوم الأطفال كلية وايل كورنيل للطب ومستشفى مدينة نيويورك المشيخيّ إنه من النادر أن يصاب الأطفال بأمراض خطيرة بسبب تناول كمية كبيرة من الميلاتونين. مع ذلك، لا يوجد ما يكفي من البيانات حول ما إذا كان الميلاتونين يؤثر على نمو الأطفال مع الزمن.
تقول غراو-بانزر إنه لا مشكلة في أن يتناول الأطفال جرعات منخفضة من الميلاتونين تحت إشراف أطباء الأطفال لفترات قصيرة من الزمن بهدف تنظيم دورات النوم الخاصة بهم. لكن لا يجب أن يكون تناول الميلاتونين هو الخيار الأول الذي يلجأ الآباء إليه. تقول غراو-بانزر: "قبل أن نلجأ لاستخدام الميلاتونين، الأهم هو أن نعمل على تعزيز عادات النوم الصحية لدى الأطفال، أو ما يدعى بالنوم الصحي".
اقرأ أيضاً: هل تقسيم النوم إلى فترتين هو من طبيعة البشر؟
عدم خضوع المكملات الغذائية لما يكفي من المراقبة
نظراً لأن الميلاتونين يعتبر أحد المكملات الغذائية، فلا يخضع استخدامه لنفس المراقبة الصارمة التي تخضع لها الأدوية التي يوصفها الأطباء أو تلك التي لا تحتاج إلى الوصفات الطبية من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
يعني هذا أن الكمية الفعلية من الميلاتونين الموجودة في المكملات قد لا تتطابق مع الكمية المصرح بها على عبوات منتجات هذه المكملات. وجدت دراسة أجريت في 2017 ونشرت في مجلة طب النوم السريري (Journal of Clinical Sleep Medicine) أن تراكيز الميلاتونين في المنتجات التجارية تتراوح بين 83 و478% من التراكيز المصرح بها على ملصقات هذه المنتجات. يقول ريشي إنه بالإضافة إلى ذلك، فإن 8 من المكملات الـ 30 التي تمت دراستها كانت ملوثة بالسيروتونين، وهو مركب طبيعي آخر تستهدفه بعض الأدوية المضادة للاكتئاب والتي لا يجب تعاطيها دون توجيه من الأطباء.
"قبل أن نلجأ لاستخدام الميلاتونين، الأهم هو أن نعمل على تعزيز عادات النوم الصحية لدى الأطفال، أو ما يدعى بالنوم الصحي".
كاتارينا غراو-بانزر، خبيرة طب نوم الأطفال
يجعل النقص في تنظيم استخدام مكملات الميلاتونين دراسة آثاره طويلة الأمد صعبة بالنسبة للباحثين. يقول ريشي: "بغض النظر عن كم البيانات التي لدينا، من الصعب مقارنتها لأننا لا نعلم حقاً ما هو نوع المكملات التي تمت دراستها وتركيز الميلاتونين فيها وما إذا كانت تحتوي على شوائب".
يضيف ريشي قائلاً إنه مع ذلك، هناك طريقة للتحقق ما إذا كان أحد مكملات الميلاتونين يحتوي جرعة من هذا المركب تطابق تلك المصرح بها على العبوة، وهي البحث عن ملصق يحمل اسم "يو إس بي". يجب أن تفي المنتجات التي تحمل هذا الملصق بالمعايير الخاصة بسمات أساسية مثل الفعالية والنقاء والتي وضعتها منظمة دستور الأدوية الأميركية غير الربحية.
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج الأدمغة إلى النوم؟
الميلاتونين يتسبب بالأمراض لدى الأطفال
مع توفر الميلاتونين بشكل أوسع وازدياد رواجه خلال العقد المنصرم، زاد معدل حالات تناول الأطفال لهذا المركب عن طريق الخطأ بشكل هائل.
وفقاً لدراسة نشرها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركي في يونيو/حزيران 2022، ازداد العدد السنوي لحالات تناول الأطفال للميلاتونين والمبلّغ به لمراكز السيطرة على المواد السامة بنسبة 530% من 2012 حتى 2021، وبلغ عدد هذه الحالات 260435 حالة. لم يعانِ 84% من الأطفال من أية أعراض، لكن احتاج 287 منهم للرعاية الصحية المشددة كما احتاج 5 إلى استخدام أجهزة التنفس الاصطناعي وتوفّي طفلان صغيران يبلغان من العمر 13 شهراً في منزليهما.
يقول ريشي: "الجرعة التي ينصح بتناولها من قبل الأطفال أقل بكثير من تلك التي ينصح البالغون بتناولها. وإذا تناولت كمية كبيرة من أي مادة، فستعاني من آثار الجرعة الزائدة"، ويضيف: "على الرغم من أنه تم لفت الانتباه لهذه المسألة في السنتين الأخيرتين، إلا أننا نعلم أن حالات التسمم بالميلاتونين لدى الأطفال كانت في ازدياد حتى قبل جائحة كوفيد".
وفقاً لريشي، قد تتضمن علامات تناول جرعة زائدة من الميلاتونين الغثيان والتقيؤ وانخفاض ضغط الدم والخمول والنعاس المفرط والدوار والارتباك.
أشار مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أن الزيادة في عدد الحالات السنوية لتناول الأطفال للميلاتونين تزامنت مع بداية جائحة كوفيد-19. قد يعود ذلك إلى الزيادة في معدل استخدام مكملات الميلاتونين بين البالغين الذين يعانون من الإجهاد وإلى أن الأطفال كانوا يقضون وقتاً أطول في المنزل بسبب إغلاق المدارس حيث يزيد احتمال تعرضهم لمكملات الميلاتونين.
كمكمّل غذائي لا يخضع استخدامه للكثير من التنظيم، يباع الميلاتونين عادة في قارورات لا تحتوي على أغطية الأمان الخاصة بالأطفال، كما أن له أشكال مختلفة مثل القطع القابلة للمضغ التي يجدها الأطفال جذابة بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك، يقول ريشي إن بعض الآباء قد لا يكونوا مدركين لأمان المنتجات التي تباع كمكملات بدلاً من أدوية.
يقول ريشي: "يصبح من السهل معرفة سبب وجود كل تلك التقارير المتعلقة بتناول الميلاتونين بالأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل السابقة"، ويضيف: "نحن نواجه موجة هائلة من سوء استخدام مكملات الميلاتونين".
اقرأ أيضاً: النوم العميق يخلّص الدماغ من السموم الخطرة
يفيد ريشي بأنه حتى يتم استخدام الميلاتونين بشكل آمن، "الخطوة الأولى هي تغيير طريقة تسويقه". ويضيف قائلاً إنه في الحالة المثالية، يجب أن يخضع استخدام الميلاتونين للفحص الدقيق الذي تجريه إدارة الغذاء والدواء على الأدوية الأخرى. يقول ريشي: "نأمل أن تتغير الطريقة التي ينظر بها العوام إلى الميلاتونين نتيجة لذلك وأن يبدؤوا في اعتباره دواءً وأن يكونوا أكثر إدراكاً للأمان".
تؤكد غراو-بانزر على أن الميلاتونين يجب تخزينه بعيداً عن متناول الأطفال.
إذ تقول: "ما يهم هو تذكّر أن الميلاتونين هو دواء حتى لو كان يباع دون الحاجة لوصفة طبيب".