هل ستنجح لقاحات السرطان في حسم المعركة ضد هذا المرض الخبيث؟

4 دقائق
هل ستنجح لقاحات السرطان في حسم المعركة ضد هذا المرض الخبيث؟
حقوق الصورة: Lightspring/Shutterstock.com

لا يزال مرض السرطان يمثل أحد أكثر الأمراض فتكاً بالبشر، والمسبب الرئيسي للوفيات في العالم؛ حيث تسبب في وفاة نحو 10 ملايين شخص في عام 2020، أي حالة وفاة واحدة من بين كل 6 وفيات عالمية بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

لكن الحال قد يتغير خلال السنوات القليلة القادمة، فقد ازدادت الأبحاث الخاصة بتطوير علاجات من نوع مختلف من أجل الوقاية من الإصابة بالسرطان ومنع ظهوره من جديد، والحديث يدور هنا عن "لقاحات السرطان".

اقرأ أيضاً: لماذا لا يستخدم معظم الأطباء كلمة «شفاء» عند التعامل مع مرضى السرطان؟

تتشابه لقاحات السرطان مع اللقاحات الأخرى من عدة نواحٍ؛ فهي تعتمد على تحفيز جهاز المناعة لدى الأشخاص، وتفعيل خلايا الذاكرة المناعية للتعرف على الخلايا السرطانية المستهدفة والقضاء عليها مثل باقي اللقاحات. لكن هذه اللقاحات تختلف في أنها لا تعطى فقط قبل الإصابة بل تعطى أيضاً بهدف العلاج ومنع الانتكاس والمعاودة والحماية من انتشار الورم عن طريق النقائل الورمية، وهي خلايا الورم التي تنتشر في أنحاء الجسم.

يعتبر إنتاج لقاحات السرطانات عملية مكلفة ومعقدة، وهذا ما أخّر تعميمها واعتمادها من قبل منظمات الصحة العالمية والمحلية. لكن تطور آليات سلسلة الجينوم (sequencing)، وأبحاث لقاحات كوفيد-19 ساهمت في تسريع عجلة أبحاث اللقاحات الجينية المعتمدة على الرنا المرسال (mRNA)، ما صب في مصلحة إنتاج لقاحات السرطانات من هذا النمط وتقدمها في مراحل التجارب المخبرية والسريرية.

هناك عدة أمور تؤخذ في الاعتبار عند الحديث عن تصميم لقاحات السرطان، إذ يجب أن تكون:

  • محددة ومصممة خصيصاً للمريض بشكل شخصي، لأنها تعتمد على تحفيز الجهاز المناعي وتوجيهه ضد السرطان.
  • خاصة بنوع السرطان المحدد، فلا يوجد علاج ذهبي شامل لكل أنواع السرطانات.
  • متمتعة بالفعالية المطلوبة التي تعالج السرطان المستهدف وتقي منه.
  • آمنة على المدى الطويل ولا تسبب أعراضاً جانبية ومضاعفات خطيرة.

اقرأ أيضاً: باحثون يطورون عدسة مجهر خاصة ترصد نمو الخلايا السرطانية

لماذا لا يمكن إيجاد لقاح أو علاج شامل لكافة أنواع السرطانات؟

على الرغم من اشتراك أنواع السرطانات بصفة الانقسام السريع للخلايا، ووجود أنزيم "التيلوميراز" الذي يجعل من الخلايا السرطانية خالدة، لكن يتميز كل نوع سرطان بخواص فريدة تكون بمثابة بصمة نوعية تميزه عن باقي أنواع السرطانات والخلايا الطبيعية الموجودة بالقرب منها؛ مثلاً تختلف خواص سرطان القولون عن خواص سرطان الرئة، إذ يكون على سطح الخلايا السرطانية القولونية بروتينات نوعية تدعى مستقبلات أو بروتينات مستضدية تكون طافرة عن البروتينات السطحية الغشائية الطبيعية، تدعى "المستضدات الجديدة" (neoantigens) أو توجد بروتينات غشائية طبيعية على سطح الخلايا السرطانية لكن بمستويات أعلى بأضعاف نسبة وجودها بشكل طبيعي، ما يصعب استهدافها من قبل جهاز المناعة، فتتخفى عنه وتنتشر غازيةً الجسم بشكل هادئ.

أنواع اللقاحات السرطانية المختلفة

يمكن تقسيم لقاحات السرطان إلى أربع فئات كالتالي:

1- اللقاحات القائمة على الخلايا

يتم استخدام خلايا سرطانية ميتة أو حية مثبطة تحتوي على المستضدات السطحية للخلايا السرطانية مع مستضدات محفزة للمناعة، وبالإمكان استخدام خلايا مناعية معالجة مخبرياً من أجل استهداف الورم.

2- اللقاحات القائمة على الببتيدات

هي مكونات بروتينية صغيرة، تتكون من مستضدات الورم المعروفة أو التي تم التنبؤ بها برمجياً، حيث يتم تصنيعها مخبرياً وتغليفها في غلاف من الليبيدات النانوية أو مادة بولي إيثيلين غليكول، ولكن تحفيزها لجهاز المناعة يكون قصير المدى.

اقرأ أيضاً: أخيراً لقاح مخصص وآمن يثبت فعاليته ضد السرطان المتكرر

3- اللقاحات الفيروسية

هي اللقاحات التي تستهدف الفيروسات المسببة للسرطانات مثل فيروس ابشتاين بار، وفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) وغيرها، وقد تحتوي على فيروسات مُثبطة أو مضعفة أو مكونة من الوحدات الفرعية للفيروس.

4- اللقاحات القائمة على الحمض النووي

وهي أحدث أنواع اللقاحات، تستخدم الحمض النووي الريبي (الدنا) أو الرنا المرسال، ويتم حقنها في الجسم على شكل نواقل فيروسية أو ضمن مغلفات نانوية، فيعمل رنا اللقاح مثل شيفرة لتصنيع بروتينات المستضد الخاصة بالخلايا الورمية من قبل خلايا الجسم، ومن ثم يستهدفها جهاز المناعة كببتيدات أو مستضدات نوعية.

من هم المستهدفون في لقاحات السرطان؟

المستهدفون في لقاحات السرطان هم كل من لديه تاريخ عائلي في الإصابة، والسبب في ذلك ليس أن السرطان مرض وراثي فحسب، بل هم يملكون معلومات جينية متقاربة ويعيشون غالباً في ظروف حياتية مشابهة تسمح بنشوء السرطان. ومن المستهدفين أيضاً المُشخّصون بمتلازمات تزيد من احتمال الإصابة بالسرطان مثل متلازمة سرطان الثدي وسرطان المبيض الوراثي (HBOC) ومتلازمة لينش (سرطان القولون والمستقيم الوراثي)، وكل من يعانون من السرطانات، ولمنع معاودة السرطان والتصدي للنقائل الورمية.

اقرأ أيضاً: بدون آثار جانبية: علاج جديد لسرطان الثدي بالهرمونات الذكورية

التجارب الناجحة للقاحات السرطان

كان لقاح "سيبوليوسيل- تي" (sipuleucel-T) من أوائل اللقاحات السرطانية المعتمدة كعلاج مناعي، حيث وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في عام 2010 على استخدامه كلقاح للأشخاص المصابين بسرطان البروستات النقيلي، وهو سرطان بروستات منتشر في أنحاء الجسم، إذ يتم تصميمه لكل شخص مصاب من خلال سلسلة الخطوات التالية:

  • يتم جمع عينة من خلايا الدم البيضاء المناعية من دم المصاب.
  • تُعالج خلايا الدم البيضاء في المختبر لاستهداف خلايا سرطان البروستات.
  • بعد ذلك يعيد الطبيب الخلايا المعدلة إلى الشخص عبر الوريد بعملية مشابهة لنقل الدم.
  • تقوم هذه الخلايا المعدلة بتدريب الجهاز المناعي للعثور على خلايا سرطان البروستات وتدميرها.

وآخر التجارب الخاصة بلقاحات السرطان هي تلك الخاصة بعلاج حالات سرطان القولون والمستقيم التي تنجم عن متلازمة لينش، إذ تتميز متلازمة لينش بوجود خطر إصابة بالسرطان على مدى الحياة بنسبة تصل إلى 70%، لذلك ستُجرى تجارب سريرية على 45 مشاركاً متطوعاً ابتداءً من يونيو/حزيران 2022 للعمل على إيجاد لقاح خاص به، وذلك بتمويل من مركز "سيدني كيميل" الشامل للسرطان في جامعة جونز هوبكنز، بآلية تعتمد على "النواقل الفيروسية" (viral vector)، وهي فيروسات غير مؤذية محوَّرة وراثياً، تحتوي على تسلسل من الحمض النووي الذي يعبر عن أحد مستضدات الخلايا الورمية، يتم حقنها في الجسم لتنتج بروتينات تحرض مناعة الجسم ضد الخلية الورمية، وهي أحد أنواع اللقاحات المستخدمة للوقاية من كوفيد-19.

اقرأ أيضاً: كار تي-سل: دواء «حي» لعلاج السرطان ساعد مريضين في التخلص من السرطان لعقد من الزمن

الآفاق المستقبلية الواعدة قيد الاختبار

صرح الباحث وعالم الكيمياء الحيوية "ستيفن جونستون" من معهد "بيوديزان" (Biodesign) من جامعة أريزونا في تيمبي في مقال منشور عام 2022 في دورية "ساينس" (science) العلمية، بأنهم يعملون على "تطوير لقاح شامل للسرطان عن طريق استخدام خليط من 31 نوع مستضد تمثل 8 أنواع سرطان مختلفة شائعة"، وهي قيد الاختبار لكن على الكلاب (400 كلب متوسط العمر)، وفي حال ثبتت فعالية اللقاح على الكلاب، ستخطو البشرية خطوة أقرب في سبيل تصميم لقاح شامل للسرطانات في المستقبل غير البعيد.

المحتوى محمي