الاغتصاب هو أحد أنواع العنف الجنسي، والأخير هو المصطلح العام الذي يستخدم لوصف أي نوع من الأفعال أو الأنشطة الجنسية غير المرغوب فيها. وفي القانون يختلف تعريف الاغتصاب من دولة لأخرى، لكن إجمالاً يمكن القول بإن فعل الإيلاج في المهبل أو في الشرج أو في الفم بأي جزء من أجزاء الجسم أو أشياء أخرى مع عدم الموافقة يُعد اغتصاباً. أما الموافقة فتعني حرية الاختيار الكاملة، وبالتالي فإن الموافقة على الفعل الجنسي تحت التهديد أو التخويف أو الاضطرار للحفاظ على الحياة، تعني اغتصاباً، ويندرج تحت الموافقة ايضاً أن يكون الشخص واعياً ويقظاً وليس نائماً، أو واقع تحت تأثير المخدرات أو المشروبات الكحولية وهو ما يفقده القدرة على الاختيار.
حتى لو لم يقُلْن «لا»
الوعي؛ هو كلمة السر في درأ ما نعتقد أنه «أشدُّ الأذى»، ويشمل الوعي؛ التحدث والمواجهة وعدم الخوف، وطلب الاستئشارة النفسية، وإبلاغ السلطات المحلية، والأهم من ذلك أن تعرف الضحية أن ما حدث هو اغتصاب بالفعل، وأنها ضحية. خلص مسح أجرته وزارة العدل الأميركية في عام 2007 وشمل 5466 طالبة جامعية؛ إلى أن 35% من ضحايا الاغتصاب الجنسي المبُلغ عنها في المسح، لم يكونوا على دراية أن واقعة الاغتصاب التي تعرضوا لها تُصنف اغتصاباً أو أن الضرر الذي لحق بهم كان مقصوداً، بل وذكرت الضحايا أيضاً أنهم لا يريدون أن يعرف أحد بالحادثة.
الأثر النفسي لا يزول. تروى واحدة من الضحايا عن واقعة حدثت لها في عمر 19 عام، تقول: «لم أقل لا، أو توقف. لكنني لم أقل نعم أيضاً»، في تلك الليلة فقدت الفتاة عذريتها دون موافقة أو اعتراض منها، وتروى أنها بكيت لساعات بعد أن غادر الشاب، غياب الوعي جعلها لا تدرك أن ما حدث اغتصاباً، لكن حين التقت الفتاة بهذا الشاب بعد سنوات تقول: «عندما صادفته بعد 5 سنوات، وجدت نفسي لا أزال أرتجف بشكل لا يمكن السيطرة عليه»، ببساطة الأثر النفسي لا يزول.
مواقع التواصل الإجتماعي تلعب دوراً مهماً الآن في إنماء الوعي بحوادث الاغتصاب. الكثير من الفتيات والنساء يتحدثن كل فترة وأخرى عن حوادث الاعتداء الجنسي والاغتصاب التي حدثت لهن في فترة ما في حياتهن، بعضها يعود إلى 9 سنوات مضت وربما أكثر، ورغم أن هذا البوح في حد ذاته يُعد عاملاً فعالاً في إنماء الوعي إلا أنه يصطدم بوعي آخر وهو الوعي المجتمعي.
التحيز هو الدعم غير المشروط للجاني
الوعي المجتمعي هو حجر «سيزيف» إن جاز التعبير؛ في حوادث العنف الجنسي بشكل عام والاغتصاب بشكل خاص، يميل الناس إلى إلقاء اللوم على الضحية، وهو الأمر الذي يجعل الكثيرات من الضحايا تلتزم الصمت، وبالتالي تكرار الأذى لغيرهن.
أفادت دراستان أجراها باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية؛ نشرت في عام 2018؛ وشملت 600 من طلبة الجامعة أن التحيز يجعل الناس يلقون باللوم على الضحايا، بما في ذلك ضحايا السرقة والاغتصاب، والمقصود باللوم هو إيجاد دوراً للضحية في الجريمة الواقعة عليه، مثل «لماذا ذهب إلى هناك؟» أو «لماذا تواجدت معه؟». ألقى حوالي 80% من المشاركين في الدراستين بعض اللوم المباشر على ضحايا السرقة، بينما وجه حوالي 43% من المشاركين بعض اللوم المباشر لضحايا الاغتصاب، وقال الباحثون إن ضحايا الاغتصاب يتعرضن إلى اللوم ظلماً أكثر من الضحايا الآخرين.
لا يمكن أن نخفي أن الذكور الذين شاركوا في الدراستين هم الأكثر ميلاً إلى إلقاء اللوم مباشرة على ضحايا الاغتصاب، وأيضا أكثر عرضة لإلقاء اللوم المباشر على ضحايا السرقة، في حين لم يكن هناك فرق بين الجنسين في إلقاء اللوم غير المباشر.
تصورات ذكورية خاطئة
إلقاء الذكور باللوم على الضحايا ينم عن أن هناك الكثير من التصورات الخاطئة والشائعة التي تسيطر على عقول الذكور بخصوص النساء، والجنس. هذه التصورات ليست وليدة ثقافة وبيئة معينة، بل العديد من الدراسات حول العالم رصدت تلك التصورات مما يدل أنها تخص جنس الذكور بشكل عام، ونقول الذكور وليس الرجال لأننا نتحدث هنا عن العالقين بالنظام الذكوري السلطوي.
بعض هذه التصورات أو بالأحرى الخرافات هي أن النساء يطلبن الجنس من خلال طريقة لبسهن وتصرفاتهن. ويستمتعن بالتعرض للاغتصاب، ويمكن للمرأة تجنب الاغتصاب إذا أرادت بالفعل تجنبه، والنساء يتحدثن عن الاغتصاب للانتقام من الرجال الأقوياء، واغتصاب النساء يفعله الغرباء فقط. لنتوقف عند هذه الخرافة الأخيرة؛ للأسف تثبت الكثير من الدراسات عكس ذلك، حوالي 10٪ فقط من حالات الاغتصاب يرتكبها غرباء، وحوالي 90٪ من حالات الاغتصاب يرتكبها رجال من دائرة المعارف، وغالباً ما يرتكبها شخص وثقت به الضحية سابقاً أو أحبته، تتعرض النساء للاغتصاب في منازلهن وأماكن عملهن وفي الأماكن اللاتي شعرن فيها بالأمان مسبقاً.
خرافات الذكور الكثيرة عن الاغتصاب تساهم في تضليل الوعي المجتمعي، بل وتطغى عليه أحياناً، ولا يزال حتى الآن من يعتقد أن الاغتصاب يحدث فقط لأنواع «معينة» من النساء، وليس من حق المرأة أن تغير رأيها في منتصف النشاط الجنسي، والرجال غير قادرون جسدياً على التوقف في أي وقت قبل الانتهاء، وإذا لم تقاوم المرأة لم تكن لتتعرض للاغتصاب، وأغلب النساء يبلغن الشرطة بحوادث الاغتصاب، وإذا ذهبت المرأة بمحض إرادتها إلى منزل أو مكتب أو أي مكان مع الرجل فهذا يعني أنها على استعداد لممارسة الجنس معه، وإذا لم تشكو الضحية على الفور فلم يكن اغتصاباً. خرافات؛ كل ما سبق مجرد خرافات لا مكان لها على أرض الواقع سوى داخل عقول الذكور من الرجال.
حين تقول المرأة «لا» فإنها تقصد «نعم»، هذه من أكثر الخرافات إنتشاراً؛ وساهمت في أذى المزيد من الضحايا، وهذه الخرافة تزداد في حالات الاغتصاب الزوجي، فالزوج لا يعترف بأن زوجته حني تقول «لا» تعني «لا»، أما الخرافات الأخرى المتعلقة بالاغتصاب الزوجي فتشمل الآتي؛ يجب على الرجل أن يمارس الجنس لإثبات رجولته، ويجب على الرجال تجاهل رفض النساء، وإذا دخلت المرأة في التقبيل أو المداعبة وجب عليها الجماع، وما يحدث بين الزوج والزوجة ليس من اختصاص أي شخص آخر، الرجل رب الأسرة ويجب الخضوع له.
البحث عن العدالة المفقودة
القليل من الضحايا يتحدثن عن الاغتصاب، والقليل منهن يذهبن إلى الشرطة والقضاء. ووفقاً لدراسة أجراها باحثون في جامعة جلاسكو الأسكتلندية مع الضحايا والناجيات من حوادث الاغتصاب؛ ونشرت عام 2019، فإن طول مدة عملية التقاضي، وتكرار الخضوع للتحقيقات، والذهاب إلى المحاكم، ونقل الممتلكات الشخصية وعدم إعادتها لأغراض الإثبات، وقفت حائلاً أن تتقدم الضحايا إلى العدالة الجنائية، وذكرت الضحايا اللاتي لجأن إلى العدالة أن الأكثر قلقاً لهن؛ هو الاستجواب المؤلم في قاعة المحكمة، إضافة إلى توتر العلاقات مع أسرهن، وتدهور صحتهن، بما في ذلك معاناتهن من الأرق، والأفكار الانتحارية، والاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة.
كشفت الدراسة السابقة أيضاً أن الضحايا يشعرن أن نظام العدالة الجنائية يرجح كفة المتهمين وأنه لا يحقق لهن العدالة بشكل كافٍ، روت إحدى المشاركات في الدراسة عن لحظة سردها لحادثة الاغتصاب في المحكمة؛ تقول: «شعرت كما لو أني حرفياً جُردت من كل شيء».
طول مدة العدالة الجنائية ليست هي العائق الوحيد، كشفت مجموعة من الأبحاث عن أنواع مختلفة من المفاهيم الخاطئة والتصورات المسبقة التي قد يحملها المحلفون أو القضاة عن الاغتصاب. على سبيل المثال أعتقد أحد المحلفين في بريطانيا أن الاغتصاب سيؤدي إلى تمزق في العضو التناسلي، بينما اعتقد آخر أن خنق الضحية أمر شائع، ونظراً لأن هذه التصورات تختلف اختلافاً جذرياً عن واقع حالات الاغتصاب المُبلغ عنها، فقد يبرئ المحلفون الجناة لأن الأدلة المعروضة عليهم تختلف عن توقعاتهم المتحيزة. وتظهر الأبحاث الحديثة مع محلفين آخرين أنهم ليسوا على دراية بواقع الاغتصاب.
سيكولوجية المغتصب
إنماء الوعي العام والخاص لا يتوقف فقط عن التعريف بالاغتصاب وتشجيع الضحايا على التحدث ومساندتهن، بل يجب أن يشمل المغتصب، لأن الأخير حين يكون حراً طليق، وفي منأى عن الاتهامات قد يُكمل جرائمه، مما يعني استنزاف الكثير من الضحايا، والاستمرار في إلحاق أشدُّ الأذى بواحدة تلو الأخرى.
صنفت دراسة مطولة عن الاغتصاب أجرت في الهند؛ المغتصبين إلى مغتصب انتهازي؛ وهو صاحب الجرائم غير المخطط لها، وتحدث بدافع الإشباع الجنسي الفوري، وباستخدام القوة عند الضرورة. ومغتصب غاضب؛ وهو الذي يفعل ذلك نتيجة ميله للعدوان والعنف الشديد غير المبرر، ويحمل تاريخ من الإساءات المعادية للمجتمع. ومغتصب جنسي؛ وهو الشخص المهووس بالتخيلات الجنسية. ومغتصب غير سادي جنسياً؛ وهو يحمل تخيلات الجنسية، لكن الإثارة الجنسية لديه غير اعتيادية على سبيل المثال «Fetish» إلى جانب معاناته من مشاعر نقص فيما يتعلق بالذكورة والجنس. ومغتصب سادي جنسياً؛ ويكون الدافع لديه ليس جنسياً، بل تخيلات التحقير والإذلال والسيطرة على الضحية. ومغتصب انتقامي: ودافعه هو الغضب في الغالب، ولكن على عكس المغتصب الغاضب، فإن غضبه وعدوانه ينصب حصرياً على النساء، ويهدف سلوكه إلى إذلال الضحايا وتحطيمهم.
مجرمون لا يتوقفون عند جريمة واحدة، هذا ما توصلت إليه دراسة أجراها باحثون في جامعة كيس وسترن ريسرف الأميركية ونشرت مطلع العام الجاري؛ وجدت الدراسة أن مرتكبي الجرائم الجنسية يميلون أيضاً إلى ارتكاب جرائم خطيرة أخرى، وليس الاغتصاب فقط. ووجدت دراسة أخرى من نفس الجامعة نشرت عام 2016، أن المغتصب المتسلسل يميل إلى اختطاف الضحايا ثم تهديدهم لفظياً وجسدياً، وغالباً بالأسلحة. أما المغتصب لمرة واحدة فيميلون أكثر إلى اللكم أو الصفع أو الإمساك بالضحية أو كبح جماحهن.
التحول من الضحية إلى الجاني
أحياناً يميل الشخص الذي تعرض لاعتداء جنسي في مرحلة مبكرة من حياته إلى أن يكرر تلك الحادثة لكن هذه المرة يلعب دور الجاني وليس الضحية. هذه النظرية أشارت إليها العديد من الدراسات وذكرت أن المغتصب يشهد العديد من المحن في مرحلة الطفولة والمراهقة مثل الاعتداء الجنسي. لكن ليس فقط الاعتداء الجنسي هو الذي يدفع الشخص لأن يكون مغتصباً هناك أسباباً أخرى يتعرض لها مثل الإيذاء البدني، والعلاقات الأسرية المفككة. وإجمالاً تشير الأبحاث المكثفة على مدى العقود الماضية إلى أن العديد من مشكلات الصحة العقلية تكمن وراء العنف الجنسي والجريمة، وخاصة الاغتصاب.
المغتصبون دفاعيون للغاية بشأن أفعالهم وينخرطون دائماً في إنكار يتراوح من التقليل الطفيف إلى الإنكار التام. لذا لا يمكن مواجهة الاغتصاب والتخلص منه إلا بالوعي المستمر، وتشجيع الضحايا على التحدث، والبوح، وتقديم الدعم والمساعدة والمساندة لكل ضحية؛ على الأقل لإنقاذ ضحايا آخريات قد يقعن في طريق المُغتصب؛ وعلى أمل أن تتخلص المجتمعات من شوائب الأذى المحيطة بأفرادها.