هناك شيء مثير في خشخشة أغلفة الوجبات السريعة التي تسبب الرغبة في الحصول على برغر لذيذ ضمن خبز طري، أو على العصارة الشهية التي تقطر من شرائح شطيرة اللحم، أو على لقمة من الصلصة الحارة الملفوفة في التورتيا الحلوة. ويدرك معظمنا بأن ميزات هذه الأغلفة ليست جيدة بالنسبة لنا. ولكن تشير إحدى الدراسات الجديدة التي نشرت في مجلة Environmental Science & Technology Letters إلى أن الغلاف بحدّ ذاته قد يكون محفوفاً بالمخاطر.
ويُذكر بأن المواد المتهمة في مسؤوليتها عن ذلك هي المواد الكيميائية المفلورة، وهي من أصناف المواد الكيميائية التي تقلل من التصاق المقالي غير القابلة للالتصاق، كما تساعد الستر المطرية - أو أغلفة الوجبات السريعة – على طرد السوائل. وقام الباحثون بفحص أكثر من 400 غلاف للوجبات السريعة من مطاعم في جميع أنحاء أمريكا، وأظهرت أكثر من ثلث الأغلفة نتائج إيجابية لفحص المواد الكيميائية المفلورة.
وقالت زينيا ترير، المختصة بالكيمياء في الوكالة الأوروبية للبيئة: "هذه المواد الكيميائية سهلة الاستعمال بشكل كبير" وقامت ترير -التي لم تشارك في هذه الدراسة- بدراسة المواد الكيميائية المفلورة خلال عملها السابق في الجامعة التقنية في الدنمارك. وأضافت: "يمكن استخدام الورق أو شيء مشابه له. فإن لم يكن الورق معالجاً فإنه سيمتص الدهون وكذلك الماء. ولا يعدّ ذلك فعالاً جداً كغلاف للطعام. أما إذا تم تشريب هذه الأغلفة مع هذه المواد الكيميائية، فإنها ستصلح لكل شيء."
ولكن تضيف ترير: "من المؤسف أننا نعرف بأنها سامة جداً ومرتبطة مع العديد من الأمراض".
وتربط الدراسات التي أجريت على الحيوانات بين التعرض لمادتيّ حمض بيرفلورو الأوكتانويك (PFOA) وحمض بيرفلوروأوكتان السلفونيك (PFOS) والسمية الإنجابية والتطورية وسرطان الخصية والسمنة وضعف المناعة.
وقالت لوريل شيدر، المختصة بالكيمياء البيئية في معهد Silent Spring والمؤلفة الرئيسية للدراسة، بأنه عند البشر "يستند الكثير مما نعرفه إلى أحد المجتمعات في ولاية فرجينيا الغربية حيث تعرض 70 ألف شخص إلى مستويات مرتفعة من مادة (PFOA)"
ففي أواخر عام 1990، أصبح سكان مدينة باركيرسبيرغ بولاية فرجينيا الغربية موضوعاً غير مقصود لإحدى الدراسات حول آثار مادة (PFOA) على البشر. إذ قام مصنع دوبونت القريب بتسريب هذه المادة الكيميائية إلى مصادر مياه الشرب المحلية لسنوات. واشترطت التسوية القضائية التي تلت ذلك إنشاء لجنة علمية مستقلة لدراسة الأثر الصحي على المقيمين في المنطقة.
ودعيت المجموعة باللجنة العلمية C8 (إذ أن C8 هو اسم آخر لمادة PFOA) وقامت باكتشاف حالات من سرطانات الخصية والكلى، وكذلك أمراض الغدة الدرقية، والتي ترتبط على الأغلب بتعرض السكان لمادة (PFOA).
إذاً ماذا يعني ذلك بالنسبة للبرغر المفضل لديك؟
قالت شيدر: "لم نتمكن من خلال النظر إلى الأغلفة من أن نعرف تلك التي قد تحتوي على مواد كيميائية مفلورة." ولذلك تم استخدام تقنية تسمى التحليل الطيفي لانبعاثات أشعة غاما الناجمة عن الجسيمات (PIGE) لفحص الأغلفة التي تحتوي على الفلور. وتقوم بإرسال شعاع أيوني عالي الطاقة إلى الجسم. ويؤدي الاصطدام إلى نشوء فوتونات من الأشعة السينية وأشعة غاما. وعن طريق قياس أشعة غاما، يمكن للعلماء تقييم وجود الفلور.
ولأن العلماء كانوا يستخدمون تقنية (PIGE) للمرة الأولى لهذا النوع من التحليل، اضطر الباحثون إلى تأكيد النتائج. ولأجل ذلك قاموا بإجراء التحليل الطيفي لـ 20 عينة من أغلفة الطعام للكشف عن مادة (PFAS) باستخدام الأساليب التقليدية.
وتمتاز تقنية (PIGE) بأنها سريعة وغير مخرّبة، إذ أن العينة تبقى سليمة. ولكن الجانب السلبي هو الحاجة الى مسرّع جسيمات لإجراء الفحص. وقام غراهام بيسلي –وهو عالم فيزياء في جامعة نوتردام (والتي لديها مسرّع جسيمات)- بإجراء التحليل. وعلى الرغم من أن هذه التقنية يمكنها معرفة احتواء العنصر على الفلور. إلا أنه لا يمكنها معرفة النوع الخاص، وهنا جاء دور التحليل الطيفي.
ولا تميل المواد الكيميائية المفلورة القديمة وذات السلسلة الطويلة مثل مادة (PFOA) إلى التفكك لأن لها العديد من الروابط بين الفلور والكربون، والتي تعدّ من أقوى الروابط في الطبيعة. فهي ثابتة جداً، وتتحرك بسهولة، لدرجة أنها يمكن أن توجد في جسم الدب القطبي في منطقة القطب الشمالي.
وفي الدراسة التي أجريت من قبل مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) في الولايات المتحدة لأكثر من ألفي شخص تتجاوز أعمارهم 12 سنة، فقد تبين بأن كل الأشياء تحتوي على المواد الكيميائية المفلورة في أجسامها.
ووسط هذا القلق المتزايد، بدأت الشركات المصنّعة في الولايات المتحدة بالتخلص التدريجي من مادة (PFOA) وغيرها من المواد الكيميائية المفلورة ذات السلسلة الطويلة. ولكن على الرغم من أن الشركات المصنّعة وافقت على التوقف بشكل طوعي عن استخدام مادة (PFOA) في عام 2011، إلا أن 6 عينات من أصل 20 عينة تم فحصها بشكل تقليدي أظهرت نتائج إيجابية لها.
كما أن العديد من الشركات تستخدم مواد كيميائية مفلورة أخرى ذات سلسلة أقصر بدلاً من مادة (PFOA)، لأنها لا تبقى لفترة طويلة في الجسم. وتقول شيدر: "لدينا معلومات أقل عن تأثيراتها المحتملة على الصحة."
ومن بين الـ 33 في المئة تقريباً من العينات التي كانت إيجابية لفحص المواد الكيميائية المفلورة، كانت 57 في المئة لأغلفة الأطعمة الأمريكية المكسيكية وأغلفة الحلوى والخبز، و38 في المئة للشطائر والبرغر، و20 في المئة لأغلفة الورق المقوى (مثل علب الورق المقوى التي تعبأ فيها البطاطا المقلية عادةً). وكانت الأكواب الورقية هي الوحيدة التي كانت سلبية لفحص المواد الكيميائية المفلورة.
وقالت ترير: "40 إلى 60 في المئة هي بالضبط ما كنت أعثر عليه مراراً وتكراراً في بحثي الخاص."
ولم تقيّم دراسة شيدر فيما إذا كانت المواد الكيميائية المفلورة تنتقل من الأغلفة إلى الأطعمة التي نتناولها. وحتى إن لم يكن كذلك، فإنها تحذّر من دورة حياتها الكاملة المثيرة للقلق.
وكما أظهرت مدينة باركيرسبيرغ، فإن الناس يمكن أن تتعرض لهذه المواد الكيميائية بمجرد العيش في مجتمعات يتم إنتاجها فيها. ونقوم عادةً برمي الأغلفة في سلة المهملات، وينتهي بها المطاف في مكبات النفايات، ولذلك يمكن للمواد الكيميائية أن ترشح إلى المياه الجوفية. وتقوم بعض مكبات النفايات بمعالجة النفايات السائلة، ولكن مرافق معالجة مياه الصرف الصحي ليست جيدة في تصفية المواد الكيميائية المفلورة.
وبما أن المدن تقوم باستخدام السماد كوسيلة للحدّ من النفايات، تقول شيدر: "نحن نفكر في رمي الأغلفة الورقية في النفايات لتتحول إلى سماد. والآن لدينا هذه المواد الكيميائية الثابتة جداً والتي لا تتفكك عندما تختلط مع السماد، والذي نقوم باستخدامه فيما بعد في الحدائق أو في مناطق زراعة المحاصيل الغذائية."
وتقول ترير: "إن أحد الدروس الهامة المستفادة من الدراسات التي أجريت في الدنمارك هو أنه من الممكن إيجاد بدائل. فحتى مع أكثر الأغلفة شيوعاً – الخاصة بوضع الفشار في الميكروويف - كانت هناك متاجر دنماركية تضغط على مورّديها. إذاً يمكن إيجاد بديل يكلف سنتاً إضافياً واحداً لكل كيس. وهذا بالطبع لا شيء."