أواخر خريف 1982 كان أمام جون ماكفرتي ذو ال 38 ربيعاً خيارين أحلامها مر، فإما أن يستسلم لمرض تضخم عضلة القلب غير القابل للشفاء والذي تم التأكد أنه أحد ضحاياه، أو أن يلجأ لعملية زراعة قلب تمنحه بحسب الأطباء الذين استشارهم خمس سنوات إضافية يعيشها مع عائلته. بالنهاية، بكثير من الشجاعة وإرادة الحياة لجأ ماكفرتي إلى مشفى هارفيلد في إنكلترا لإجراء العملية، وبين يدي أحد أشهر جراحي القلب بالعالم الطبيب الإنكليزي المصري مجدي يعقوب.
في تلك الفترة لم تكن عملية زراعة القلب من العمليات التي يؤمل منها الشفاء التام أو البقاء لسنوات طويلة على قيد الحياة، فعملية رفض الجسم للعضو المزروع كانت شائعة بكثرة وأودت بحياة الكثيرين، رغم استخدام مثبطات المناعة التي تعمل على تفادي عملية الرفض، لهذا السبب قرر ماكفرتي أن يضع نفسه تحت تصرف مبضع الجراح الشهير الذي يعرف بلقب "ملك القلوب"، وهو يعلم أنه قد يفارق الحياة على طاولة العمليات.
لم ينتظر صاحب القلب العليل طويلاً قبل أن يصله الهاتف المنشود والذي أخبره أنه قد تم تأمين القلب البديل، والذي تبرعت به عائلة شاب توفي نتيجة حادث سير، وهنا بدأ العد العكسي للحظة دخول جون إلى المشفى لتجديد قلبه، وهي لحظات تتجاذبها مشاعر الخوف والقلق من نتائج عمليات مشابهة فارق الكثيرون الحياة بسببها، ومشاعر الأمل بخبرة الطبيب الشهير والذي كان قد أجرى قبل سنتين عملية لشاب آخر توجت بالنجاح (توفي هذا الشاب سنة 2005). وعندما حل ذلك اليوم من أيام شهر أكتوبر، يتذكر جون كيف كان الممرضون يدفعون سريره باتجاه غرفة العمليات وكيف التفت صوب زوجته وقال لها "أراك لاحقاً".
استغرق العمل الجراحي ثماني ساعات، عملت خلالها أيدي مجدي يعقوب على فصل القلب المصاب وتوصيل الأوعية الدموية الخاصة بالقلب الجديد مع أوعية المريض، وكانت النتيجة الأولية لهذه العملية هي نتيجة مبشرة، وكان ذلك متوقعا من قبل طبيب بمكانة يعقوب. نقول النتائج الأولية لأن مرحلة ما بعد العمل الجراحي هي التي ستحدد نجاح العملية أو فشلها.
خلال الأسبوعين الأوائل تم الانصياع لتعليمات الطبيب بشكل تام، فتمت تغطية جون بالصوف بشكل كامل، وتم تنظيف كل أرجاء المنزل، كما تم التخلص من الكلب الذي يمتلكه الزوجان رغم رفض الزوجة. وقد ظهرت علامات تدل على عدم ترحيب الجسم بالوافد الجديد، لكن تم تدارك الأمر عن طريق الأدوية. وبالإجمال كان الوضع يشير إلى قصة نجاح أخرى يسطرها الطب الجراحي. لكن بقي كابوس الخمس سنوات ماثلاً.
لم يعش ماكفرتي خمس سنوات كما كان يتوقع بعض الأطباء بل عاش أكثر من ثلاثة عقود، وكان سنة 2013 على موعد مع لجنة موسوعة غينيس، حيث تم إدراجه في الموسوعة كأكثر شخص يعيش بعد عملية زراعة قلب. وعندما وافته المنية العام الماضي كان قد أتم 72 عاما.
تحوي هذه القصة عناصر مهمة جعلت منها قصة نجاح وقصة إنقاذ حياة إنسان، العنصر الأول هو الشخص نفسه والذي اتخذ هذا القرار المصيري وساعد نفسه على تجاوز المرض من خلال إصراره على التعاون مع الأطباء وإصراره على الحياة، العنصر الآخر هو العائلة التي تبرعت بالقلب وهنا لا بد من التأكيد على نشر ثقافة التبرع بالأعضاء في مجتمعاتنا لأنها تساعد الكثيرين على استعادة أمل بالحياة كانوا قد فقدوه، ولأن تطور زراعة الأعضاء دون توفر هذه الأعضاء لنقلها للمرضى هو أمر لا طائل منه. أما العنصر الثالث فهو الجراح مجدي يعقوب الذي خلد اسمه كأحد أشهر الجراحين الذين عرفهم الطب في القرن العشرين.
يذكر أن الأوساط الطبية تتحدث اليوم عن عملية مرتقبة تحت إشراف 150 طبيب ومختص لزرع رأس إنسان على جسد إنسان آخر وسط توقعات متضاربة حول نتائج هذه العملية.