ربما لا تعرف الكثير عن التصنيف الدولي للأمراض، إذا لم تكن أحد العاملين في مجال التأمين الصحي. لكنك ربما تسمع كثيراً عن هذا التصنيف؛ فقد عرض للمراجعة للمرة الأولى منذ عام 1990، ما يعني أن هناك مجموعة كبيرة من التغيرات التي تعكس رؤية أطباء العالم الآن للأمراض. ربما يكون قد تناهى إلى سمعك بالفعل اعتبار «الاحتراق النفسي» مرضاً للمرة الأولى، وهو غير الصحيح على الإطلاق. فهو ليس مصنفاً كونه حالة طبية وحسب، بل هو «ظاهرة مهنية» مثلها مثل التعرض للغبار، ومشكلات العلاقات الشخصية. لكنه كان في النسخة الأخيرة من التصنيف الدولي للأمراض، أما في النسخة الجديدة من التصنيف، فجرى تحديث تعريف الاحتراق النفسي بمزيد من التفاصيل.
لكن هناك تغييرات أخرى أكثر أهمية قد ترغب في معرفتها في التصنيف الجديد؛ نتناول بعضها في هذا التقرير.
1. التباين بين الجنسين ليس مرضاً عقلياً
جادل بعض الناس -بما في ذلك خبراء الصحة العقلية والمجموعات المؤيدة على حدٍ سواء- بأنه لا ينبغي تصنيف المتحولين جنسياً على أنهم مضطربين عقلياً. لكن رأى آخرون أن إزالة التحول الجنسي من القائمة، مثلما أزال الأطباء النفسيون الشذوذ الجنسي من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في عام 1973؛ سيمنع الأشخاص المعرضين للخطر من الحصول على الرعاية الصحية والدعم الذي يحتاجونه. لذا اتبع التصنيف الدولي للأمراض حلاً وسطاً، من خلال تخصيص فصل جديد عن الصحة الجنسية، ونقل ما يطلق عليه «التباين بين الجنسين» إلى هذا القسم.
2. اضطراب ألعاب الفيديو نوع من الإدمان
هناك جدل كبير حول ألعاب الفيديو والصحة العقلية، ومعظمها مبالغ فيها، لكن تعد النسخة الجديدة من التصنيف أن هناك بعد الأشخاص الذين يدمنون هذه الألعاب، إلا أن هذا لا يعني أن ألعاب الفيديو في حد ذاتها مشكلة، وإنما يعني -كما الحال مع المقامرة-، أن الأشخاص يمكنهم إدمان أي نشاط لا يشمل المخدرات. أعرب بعض الباحثين عن قلقهم من وصف اضطراب ألعاب الفيديو بأنه إدمان، ورأوا أنه أمر مبالغ فيه للغاية، وأن هذا التصنيف سيؤدي لشعور الأباء بالهلع بسبب سلوك ألعاب طبيعي تماماً. ويجادل هؤلاء بأنه لا توجد أدلة كافية لإثبات أن ما يطلق عليه «إشكالية الألعاب» تعد آلية للتكيف مع بعض مشاكل الصحة العقلية الأخرى، فضلاً عن أنه لا يوجد إجماع علمي على هذه المشكلة. بينما يرى خبراء آخرون أن هذا التصنيف سيساعد الأشخاص الذين يعانون من مشكلات مع الألعاب بالفعل في الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها.
3. الطب التقليدي يحصل على نظام تصنيف خاص به
على الرغم من أنه لا يحظى بالقدر نفسه من الاهتمام في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الطب التقليدي ما زال موجوداً وبصورة جيدة، خاصة في العديد من البلدان التي تعد جزءاً من منظمة الصحة العالمية (تلك الدول التي لديها مكاتب للمنظمة على أراضيها)؛ لذلك سيقوم التصنيف الدولي بتصنيف هذه الأساليب. فاضطراب تضخم الغدة الدرقية، واضطراب الغضب المكبوت، واضطراب ربط الثدي (تسطيح ثدي الإناث من خلال ربطها بمواد ضاغطة)، أصبح لها رموز في التصنيف الدولي للأمراض. تشير المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية إلىأن هذا التصنيف لا يبحث في طرق علاج الطب التقليدي، ولا يؤيد أي منها، فهذه كلها رموز إضافية اختيارية، لا تهدف إلى تشخيص أو علاج أي شخص بذاته، وإنما تهدف لتحديد حالات اضطرابات الطب التقليدي وأنماطه.
وفي الأساس، يهدف هذا الجهد إلى تحديد ودراسة الطرق التي يستخدمها الناس لآلاف السنين. فمن خلال تمكين هذا النوع من القياس الكمّي؛ يمكن قياس فاعلية الطب التقليدي والبدء في مقارنته بالطب التقليدي.
4. طرق عديدة لتتبع مقاومة مضادات الميكروبات
قد لا تكون هذه الطرق هي الإضافة الأكثر أهمية وإثارة في التصنيف الجديد، لكن مثلما تشير افتتاحية مجلة «ذا لانسيت»؛ فإن تمكين المستشفيات من إضافة أكواد لأنواع معينة من مقاومة مضادات الميكروبات، يمكن أن يوفر كمية هائلة من البيانات المهمة. فليس هناك رصد جيد للحالة الحالية للعقاقير المقاومة للميكروبات، وهذه مشكلة بالنسبة للباحثين الذين يحاولون دراستها. فإذا لم تتمكن من تتبعها، فسيكون من الصعب مكافحتها. يأمل العلماء والناس عموماً بأن تزودنا رموز مقاومة مضادات الميكروبات -البالغ عددها 100 رمز- بمزيد من المعلومات المفيدة.
5. الاكتناز والشراهة ومشكلات أخرى نفهمها أخيراً
لم تكن الصحة العقلية نقطة قوة في الطب، لكن مع تزايد الأبحاث التي ينتجها الباحثون أصبح من اللازم تحديث مراجعنا لتتناسب مع الفهم الحالي لأسباب هذه المشكلات. تعكس الإضافات الجديدة على النسخة الجديدة من التصنيف؛ التغييرات التي أقرها بالفعل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (الكتاب المرجعي لأخصائيي الصحة العقلية الأميركيين). تشمل هذه الاضطرابات: اضطراب تشوه الجسد، اضطراب الاكتناز، اضطراب الشراهة، اضطراب كشط الجلد النفسي، واضطراب تجنب/تقييد تناول الطعام.
تعد العديد من هذه الاضطرابات نتيجة لفهم متطور للاضطرابات الأخرى. على سبيل المثال، كان يعرف اضطراب الشراهة (الخاص بتناول الطعام) بـ «الشّره المرضي العصبي»، لكن الأشخاص الذين يعانون منه لا يقومون ببذل أي مجهود لمنع زيادة الوزن؛ مثل الطرق التقليدية التي تشمل التقيؤ الذاتي، أو ممارسة التمارين الرياضية المرهقة.
وبالمثل، قد يبدو اضطراب تجنب/تقييد تناول الطعام شبيهاً بفقدان الشهية العصبي، إلا أن المصابين بهذا الاضطراب لا يتبعون نمطاً غير الطبيعي في الأكل لأنهم قلقون بشأن وزنهم. مثلما كان يعد اضطراب الاكتناز مرافقاً لعدد من الاضطرابات الأخرى بداية من الوسواس القهري إلى الاكتئاب وانفصام الشخصية، لكن أظهرت سنوات من البحث أنه اضطراب فريد من نوعه في حد ذاته.