خلال السنوات القليلة الماضية، أشارت كبرى شركات الأغذية (مثل كوكاكولا وجنرال ميلز وهيرشي) إلى اهتمامها بمكافحة صورتها عند الناس كشركات عملاقة في إنتاج الأطعمة غير المفيدة، حيث بدأت تقدّم منتجات أكثر فائدة للصحة وتحدّ من كميات السكر وتشجّع على ممارسة الرياضة.
ومع ذلك، لم تغيّر هذه الشركات الغذائية العملاقة من سياساتها الإعلانية لتتوافق مع تلك القضايا، وفقاً لتقرير جديد صدر عن مركز رود للسياسات الغذائية والسمنة بجامعة كونيتيكت. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال إعلاناتهم الترويجية لمنتجاتهم تؤثر بشكل غير متناسب على الأطفال والمراهقين السود وذوي الأصول اللاتينية، والذين تستهدفهم الشركات بشكل خاص بإعلانات الوجبات غير المفيدة. فمن المرجح أن تشاهد هذه المجموعات تلك الإعلانات بشكل أكثر من نظرائهم البيض.
وتقول جنيفر هاريس -معدّة التقرير ومديرة المبادرات التسويقية في مركز رود: "تقول الشركات بأنها تريد أن تكون جزءاً من حلول البدانة والتناول المفرط للأطعمة غير الصحية، ولكنها لا تزال تستخدم الإعلانات بشكل كبير للترويج لأشياء غير صحية، وتستهدف الفتيان السود وذوي الأصول اللاتينية بشكل غير متناسب".
قام الفريق باستخدام بيانات أبحاث السوق لفحص الإنفاق على الإعلانات في عام 2017 بشكل إجمالي، بالإضافة إلى الإنفاق على الإعلانات في القنوات التلفزيونية الناطقة باللغة الإسبانية والتي تستهدف السود لـ 32 صنفاً تجارياً، بما فيها ماكدونالدز وهيرشي وكيلوجز ودومينوز بيتزا. كما درسوا أيضاً الأطفال السود والبيض والأطفال من أصل لاتيني وكذلك تعرّض المراهقين للإعلانات ذات الصلة بالأطعمة.
ويبيّن التحليل أنه من بين مليارات الدولارات التي أنفقت على الإعلانات، تم إنفاق 3% فقط من تلك الأموال من أجل الترويج لمنتجات غذائية صحية، مثل العصير النقي 100% أو الماء أو المكسرات أو الزبادي. وكان المشاهدون السود وذوو الأصول اللاتينية أقل احتمالاً بكثير لأن يتم استهدافهم بإعلانات المنتجات الصحية، حيث يمثّل الغذاء الصحي نسبة 1٪ فقط من الإعلانات الغذائية على شاشات التلفزيون التي تستهدف السود. وأشار التقرير إلى أنه "لا توجد أصناف تجارية للماء أو الفاكهة أو المكسرات تستهدف المستهلكين السود أو ذوي الأصول اللاتينية".
وعلى الرغم من أن الشركات لا تكشف عن استراتيجياتها التسويقية، إلا أن التصريحات التي تصدرها تُظهر بأنها ترى المجموعات ذات الأصول اللاتينية أو "متعددة الثقافات" تمثّل فرصة تسويقية مهمة، حسبما ذكر التقرير. وتقول هاريس: "ولكن يبدو أن الأصناف التجارية غير الصحية هي وحدها التي تمثّل فرصة تسويقية".
تستند النتائج إلى تقرير صدر عن مركز رود في عام 2015 والذي تناول السياسات الإعلانية في عام 2013، ويُظهر أن البيانات بقيت على حالها إلى حد كبير منذ ذلك الحين. تقول هاريس: "لم نتفاجأ، ولكننا توقعنا أن نرى بعض التحسّن، خاصةً مع المنتجات الصحية. ولكن الأمر لم يتغير كثيراً، لسوء الحظ."
ومع ذلك، كان هناك تغيّر رئيسي في حجم الأموال التي تم إنفاقها لاستهداف المشاهدين السود، فقد زاد حجمها بمقدار النصف من عام 2013 إلى عام 2017. إذ زادت معظم الشركات الفردية إنفاقها على القنوات التلفزيونية التي تستهدف السود بين عامي 2013 و2017، مع قيام هيرشي وبيبسيكو ودومينوز بيتزا بتخصيص الجزء الأكبر -حوالي 4%- من ميزانياتها الإعلانية لهذه المجموعة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد اتسعت الفجوة بين عدد الإعلانات الغذائية التي شاهدها الأطفال والمراهقون البيض والسود. ففي عام 2013، شاهد الأطفال والمراهقون السود إعلانات أكثر بنسبة 70% بالمقارنة مع نظرائهم البيض، وفي عام 2017، ارتفعت هذه النسبة إلى 86%. وفي حين أن حجم الإنفاق الإعلاني على شاشات التلفزيون التي تستهدف السود قد يكون ساهم في اتساع الفجوة، إلا أن ذلك قد يرجع أيضاً إلى تغيّر الفترة الزمنية التي تقضيها المجموعات في مشاهدة التلفزيون. وتقول هاريس: "إن مقدار الوقت الذي يقضيه الناس في مشاهدة التلفزيون يتراجع، ولكن الانخفاضات عند المراهقين البيض أكبر بكثير من المراهقين السود."
يمكن أن تسهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية في هذا الفارق، كما تقول: فقد تكون مجتمعات البيض الأثرياء أكثر احتمالية لأن تدفع مقابل مشاهدة التلفزيون على مزوّدي خدمات التلفزيون مثل هولو أو نيتفليكس. وتضيف: "هذا رائع، ولكن إذا كنت تعيش في أسرة ذات دخل أقل، فقد لا تكون قادراً على تحمل تكلفة ذلك".
وتُظهر الأبحاث بأن الأطفال يتناولون كميات أكبر من الأطعمة غير المفيدة عندما يتعرضون لإعلاناتها، وأن الإعلانات تساعد على تعزيز الأصناف التجارية المفضلة لدى الأطفال، وبالتالي إذا كان الأطفال السود وذوو الأصول اللاتينية معرّضين أكثر لهذه الإعلانات، فمن المرجح أن يأكلوا الأطعمة غير الصحية بشكل أكبر. وتقول هاريس: "ستجادل [الشركات] بأنها لا تزيد من استهلاك المشروبات السكرية أو الوجبات السريعة بشكل عام، ولكن عندما يتم تسويق المشروبات السكرية، فإنها تروّج للفئة بأكملها، وليس للمنتج فقط."
وبالفعل، تتأثر مجتمعات السود وذوي الأصول اللاتينية بشكل غير متناسب من بعض الأمراض التي تتفاقم بسبب التناول المفرط للأطعمة غير المفيدة، وبالتالي فإن الأهداف الإعلانية تزيد المشكلة الصحية العامة الموجودة أصلاً.
وتقول هاريس: "تستهدف هذه الشركات الأطفال في مجتمعات تمتلك عائلاتها معدلات أعلى من السمنة ومرض السكري وأمراض القلب، والتي تسهم هذه المنتجات في الإصابة بها. إنها لا تحاول حتى تسويق الأطعمة الصحية لأولئك الأطفال، الأمر الذي يُضاعف من أضرار كونها غير صحية. أنا متأكدة من أنها لا تفكّر في الأمر بهذه الطريقة، فهي تحاول زيادة أعمالها التجارية. لكن الأمر ضار حقاً عند النظر إلى الصورة الأشمل".
إن تغيّر الطريقة التي يتعرّض من خلالها الأطفال والبالغون للإعلانات (مع زيادة الاتصال على شبكات التواصل الاجتماعي ويوتيوب) يجعل من الصعب تتبّع ومراقبة أنواع الإعلانات التي يتعرّض لها الأشخاص. ولكن هذا لا يعني أن الأطفال والمراهقين يشاهدون عدداً أقل من الإعلانات، بل هم يشاهدون الإعلانات في منصات أكثر.
وتقول هاريس: "بالنسبة إلى معظم الشركات، لم نلاحظ انخفاضاً في المبالغ التي تنفقها على التلفزيون. فهي ما تزال متواجدة على التلفزيون، لكنها أصحبت أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي". ويخلُص التقرير إلى أن الأطفال والمراهقين يشاهدون في المتوسط حوالي 10 إعلانات غذائية تلفزيونية في اليوم. وتضيف: "بالنسبة للأشخاص الذين يهتمون بالصحة العامة، فإن مهمتهم أكثر صعوبة بكثير. فمن الصعب مجاراة جميع هذه الرسائل."