إذا كنت متأكداً من أن البرد سيحل وأنت في مكتبك، فستضع على الأرجح سترة في حقييتك لتدرأ عنك البرد. ويبدو منطقياً أن هاتين الفكرتين متلازمتان: إذا كنت واثقاً من شيء ما، فمن الطبيعي أن تكون تصرفاتك متسقة مع ما تعرفه.
ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري، فهذه العلاقة الطبيعية ليست طبيعية جداً، فبالنسبة لهم، هناك انفصال بين فهمهم للنتيجة المحتملة وعملهم النهائي، وذلك وفقاً لدراسة نشرت في سبتمبر 2017 في دورية "نيورون".
ويعاني حوالي اثنان بالمائة من البالغين في الولايات المتحدة من اضطراب الوسواس القهري، وهو مرض عقلي يتميز بعدم القدرة على السيطرة على بعض التصرفات. ويعاني بعض الناس من مظاهر نمطية من هذا الاضطراب، كالتنظيف والعد، ولكنه يمكن أن يشمل أيضاً الوسواس المتعلق بتصور معين أو فكرة معينة، أو إعادة ترتيب العناصر في نسق معين.
وقد قامت ماتيلدا فاجي، طالبة الدراسات العليا في جامعة كمبريدج، وفابريس لويكيكس، طالب الدراسات العليا في جامعة أوكسفورد، باستخدام لعبة فيديو للوصول إلى شعور أفضل بالعمليات المعرفية التي تسوء عند مرضى اضطراب الوسواس القهري. وكان المشاركون يحركون سلة خارج دائرة بهدف التقاط كرة سيتم إطلاقها من مركز هذه الدائرة ومن نفس المكان في كل مرة، وبعد كل جولة كانوا يحصلون على فرصة لتعديل وضع السلة والمحاولة مجدداً، وقبل أن تغادر الكرة المركز، يتم تقييم مستوى ثقتهم بقدر ما كانت السلة في الوضع الصحيح.
وقد استخدم الأشخاص الذين لا يعانون من اضطراب الوسواس القهري المعلومات التي تم جمعها من المحاولات المختلفة لتحريك السلة، وتمكنوا من استخدام الأنماط التي شاهدوها من أجل تنفيذ توقعاتهم. وقامت كلتا المجموعتين بتحريك السلة مسافة أطول في استجابة لخطأ كبير من المحاولة السابقة، ولكن المجموعة التي تعاني من اضطراب الوسواس القهري قامت بتغييرات أكبر وبصورة ثابتة، حتى عندما كانت الأخطاء التي قاموا بها صغيرة.
كانت المجموعة المعيارية ومجموعة الوسواس القهري لهما نفس الثقة في كل قرار من قراراتهما، مما يدل على أن كلا المجموعتين كانتا مدركتين لأنماط حركة الكرة. ولكن المختلف عند مجموعة الوسواس القهري هو أنهم لم يستخدموا تلك المعلومات عندما كانوا يحركون السلة في كل محاولة. علاوة على ذلك، فإن المرضى الذين يعانون من أعراض أكثر شدة من الوسواس القهري كان الانفصال عندهم أكبر بين ثقتهم وعملهم النهائي.
وتشكل الدراسة جانباً رئيسياً من تجارب الأشخاص المصابين باضطراب الوسواس القهري، فهم يعرفون أنهم لا يحتاجون إلى غسل أيديهم مراراً وتكراراً، على سبيل المثال، ولكن ليس لديهم سيطرة على هذا التصرف. ولم تكن هذه النتيجة غير متوقعة، كما تقول فاجي، ولكن كان من المثير للاهتمام أن نرى خطاً واضحاً من الأعراض إلى النتائج في مهمة مصغرة كتلك التي في الدراسة. تقول فاجي: "لقد أكدت الدراسة الطريقة التي يظهر بها مرضى الوسواس القهري أساليب تصرفهم".
ويساعد البحث أيضاً على فهم العلاقة الكلية بين الثقة والعمل. وعلى الرغم من الاقتران الظاهر بين الاثنين، فإن نتائج هذه الدراسة تظهر أنه يمكن فصلهما. تقول فاجي: "إن الاقتران بين الثقة والعمل عند شخص ما قد يكون حاسماً من أجل أداء أفضل، وإذا لم يكن هناك تطابق بينهما، فسيكون هناك مشكلة."
ويرى كريستوفر بيتينجر، مدير عيادة أبحاث الوسواس القهري في جامعة ييل، أن الانفصال بين الثقة والعمل هو نتيجة مثيرة للاهتمام. يقول: "إنه أمر مثير للاهتمام من الناحية النظرية، ولم يقم الناس بعمل الكثير للفصل بينهما. والاتجاه العام جيد جداً. وآمل أن يُولى هذا المجال الاهتمام المطلوب".
ويشير بيتينجر إلى أن مجموعة البحث التي كانت فاجي عضواً فيها، كانت رائدة في عمل النمذجة المحوسبة لاضطرابات مثل الوسواس القهري. ويرى بيتينجر أن هذا النهج في البحث الخاص بالسلوك آخذ في النمو في السنوات الخمس الماضية.
ويعاب على هذا النوع من المنهجية المحوسبة، أنه ربما يكون من الصعب تعميم النتائج على الواقع. يقول بيتينجر: "من أجل جعل الأشياء قابلة للتتبع، ستقوم بتبسيطها"، لكن لكي نتأكد أن التأثير الذي بينته الدراسة حقيقي، فينبغي أن نشهد تكراره مع أنواع مختلفة من المهام.
وتخطط فاجي والمتعاونون معها للنظر في نشاط الدماغ عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الوسواس القهري أثناء مهمة الكرة والسلة، في محاولة لتحديد مناطق الدماغ المشاركة في هذا النشاط المختل، حيث تعلق فاجي: "تقول فرضيتنا بأن الفصوص الجبهية المخططة لها دور مشارك".
والهدف العام لفاجي هو المساعدة في الحد من النظرة السلبية تجاه المرض العقلي، من خلال تحديد الجذور المادية للمشاكل النفسية، تقول فاجي: "أود أن يعرف الجميع إنه إذا كان لديك مرض عقلي ما، فلأنه متعلق بنشاط دماغك".