إن الحقيقة المزعجة حول فقدان الوزن هو أن كل الأشخاص تقريباً لا يتمكنون من تحقيق ذلك. إذ يمكن لمعظم الناس أن يفقدوا بعض الوزن، ولكن عدداً قليلاً منهم يحصل على نتائج دائمة. ويرجع ذلك في جزء منه إلى مجموعة معقدة من الهرمونات والبروتينات التي يعاد ضبطها مع اكتساب الوزن، وهي في جوهرها إعادة ضبط الوزن الأساسي للجسم ومحاولة الحفاظ على الوزن الأعلى الجديد.
لذلك، بالنسبة للمرضى الذين يعانون من السمنة - وخاصة السمنة المفرطة – فيمكن لجراحات السمنة أن تغير حياتهم. إذ يمكن أن تساعد الناس على فقدان أكثر من 50 في المئة من وزن الجسم، ولكن يمكن لهذه العمليات الجراحية أن تساعد أيضاً على إيقاف أكبر مشكلة صحية تواجه معظم المرضى الذين يعانون من زيادة الوزن، وهي مرض السكري من النمط الثاني.
نفكر عادةً في مرض السكري على أنه اضطراب يدوم مدى الحياة ويجب تدبيره (السكري من النمط الأول هو كذلك تماماً)، ولكن جراحة البدانة لديها القدرة على إيقاف مرض السكري من النمط الثاني. وهذا يجعلها أداة مفيدة للغاية لمساعدة المرضى الذين استنفذوا الخيارات الأخرى.
ما هي جراحة البدانة؟
ربما أنت تعرفها باسم "عملية تحويل مجرى المعدة"، ولكن هناك في الواقع عدة أنواع من جراحة البدانة. إذ أن عملية تحويل مجرى المعدة بطريقة رو-إن-واي - والتي تعدّ الأكثر شهرة – هي التي يقوم فيها الجراح أساساً بربط الجزء العلوي من المعدة بالأمعاء الدقيقة، وبالتالي تجاوز تجويف المعدة الرئيسي. وهي تعمل في المقام الأول عن طريق التحكم في كمية الأكل. فالمعدة الجديدة الصغيرة تحتفظ بكمية أقل، ولذلك يشعر المرضى بالشبع مع كمية أقل بكثير من المواد الغذائية. فكر في القليل الذي تريد تناوله عندما تكون متخماً جداً، ثم تخيل شعورك بهذه الطريقة بعد تناول نصف زبدية من الحبوب. وبالتالي ستحصل على كمية أقل من السعرات الحرارية. بالدرجة الأولى، فإن الحد من السعرات الحرارية هو الذي يساعد المرضى على خسارة الوزن، ولكن هذا هو جزء فقط من كيفية إيقاف العملية لمرض السكري من النمط الثاني.
الأمعاء لديها هرمونات أيضاً
على الرغم من أننا لا نفكر بذلك بهذه الطريقة غالباً، إلا أن مرض السكري هو أحد أمراض الغدد الصماء، أي هو مرض هرموني. وبصرف النظر عن هرموني التستوستيرون والاستروجين، فإن جسمك يفرز العديد من الهرمونات المختلفة التي لا ترتبط بالجنس على الإطلاق، وبعضها يتحكم بالجوع أو الشبع. هذه الهرمونات المرتبطة بالأمعاء هي جزء من الآلية التي تؤدي فيها الدهون الزائدة في الجسم إلى مرض السكري من النمط الثاني. إن الآليات الدقيقة ليست واضحة حتى الآن، ولكننا نعرف بأن هرمونات الأمعاء تساعد على التحكم في الأنسولين ومستويات السكر في الدم، وبأن مرض السكري من النمط الثاني هو في الأساس أحد أمراض سوء تنظيم الأنسولين. حيث أن الجسم إما يقوم بإنتاج الكثير جداً منه استجابة لارتفاع مستويات السكر في الدم، أو أنه لا ينتج ما يكفي منه.
ويبدو بأن عملية تحويل مجرى المعدة تساعد مرضى السكري عن طريق تغيير الطريقة التي ينظم بها الجسم هرمونات الأمعاء. قد يكون هذا بسبب عدم وجود تجويف كافٍ في المعدة، أو ربما بسبب إزالة القسم الصغير من الأمعاء الذي يتم فيه تحفيز هذه الهرمونات، ولكن الأمر غير مؤكد تماماً. إلا أننا نعلم بأن حوالي ثلثي المرضى الذين يخضعون لعملية تحويل مجرى المعدة لا يعودون بحاجة إلى أي دواء لعلاج مرض السكري، ويبقون على هذا الحال لسنوات (أجريت دراسات المتابعة لخمس سنوات فقط حتى الآن).
كما أن فقدان الوزن بحدّ ذاته يساعد أيضاً، لأن فقدان الدهون من الجسم يحسّن مرض السكري بشكل عام، ولكن المرضى الذين يأخذون الأدوية التقليدية والذين يخضعون لعمليات فقدان الوزن لا يشهدون نفس التحسن تقريباً. وفي الواقع، يكون العديد من المرضى الذين يأخذون الأدوية بنفس الحالة تماماً بعد خمس سنوات كما كانوا في اليوم الأول، في حين أن نظراءهم الذين خضعوا للجراحة غالباً ما يتوقف مرض السكري لديهم.
بعض الجراحات الأخرى للبدانة هي أيضاً جيدة لمرضى السكر
كما ذكرنا سابقاً، فإن عملية تحويل مجرى المعدة هي الأكثر شهرة فقط من بين جراحات البدانة. فهناك أيضاً ربط المعدة أو حزام المعدة القابل للتغيير، وهو بالضبط كما يوحي اسمه: حزام يؤدي تضييقه مع مرور الوقت إلى معدة أصغر. وهذه ليست الطريقة الأكثر فعالية لفقدان الوزن أو تحسين مرض السكري، ولكنها سريعة وسهلة (نسبياً)، ولها معدل أدنى من المضاعفات الجراحية.
وهناك أيضاً عملية التحويل الصفراوي البنكرياسي مع تحويل مجرى المعدة الاثني عشري، وهي مصطلح معقد جداً لعملية تكميم المعدة، ولكن بعد ذلك يتم أيضاً ربط المعدة الأنبوبية الجديدة مباشرة إلى الجزء الأخير من الأمعاء الدقيقة (قبل الأمعاء الغليظة تماماً). وهذا يتجاوز الكثير من المعدة ومعظم الأمعاء الدقيقة، ولكنه في الواقع أفضل في فقدان الوزن من مجرد عملية تحويل مجرى المعدة بشكل مباشر.
إذاً، هل هذا يعني هذا بأننا وجدنا علاجاً لمرض السكري؟
للأسف، لا. فقبل كل شيء، لا تنجح هذه العملية الجراحية مع الجميع. إذ أن جميع العمليات الجراحية لها أخطارها الأساسية المتعلقة بالتخدير العام، وبالشق الجراحي طبعاً. فالجروح يمكن أن تصاب بالعدوى وقد يقوم أطباء التخدير بارتكاب الأخطاء. هذه المخاطر نادرة، ولكن يمكن أن تحدث. وليس هناك عملية جراحية آمنة تماماً. كما أن عملية تحويل مجرى المعدة هي جراحة لإنقاص الوزن فقط لأنها تدفعك لإجراء تغييرات جذرية في نمط الحياة، ولذلك يحق للجميع التفكير بحذر قبل إجراء هذه العملية. والأمر الآخر أن الجراحة لا تؤدي إلى "الشفاء" من مرض السكري بل تعالجه فقط.
والأهم من ذلك هو أن الجراحين لا يقدمون جراحة البدانة كعلاج خاص لمرض السكري. إذ أن إيقاف المرض هو ببساطة تأثير جانبي مدهش لعملية جراحية تهدف إلى علاج السمنة. ولا أحد يوصي بإجراء عملية جراحية لعلاج مرض السكري مباشرة، على الرغم من أن الأبحاث المستقبلية قد تقدم وسيلة حول إمكانية ذلك.