للاختفاء عن أنظار الحيوانات المفترسة، تعتمد الفراشة ذات الذيل الطويل والأجنحة الزجاجية على نوع غير تقليدي من التمويه. إذ تسمح نماذج النتوءات الصغيرة الموجودة على أجنحة الفراشة الأميركية الجنوبية بأن تبدو شفافة تماماً. وقام المهندسون الآن بمحاكاة هذه التراكيب النانوية في إحدى زرعات العين للأشخاص الذين يعانون من الجلوكوما (أو المياه الزرقاء). فمن خلال تبديد الضوء بالطريقة التي يقوم بها جناح هذه الفراشة، يمكن لهذه الزرعة إعطاء قراءات دقيقة لتراكمات السوائل التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى العمى.
الجلوكوما - وهي مجموعة من أمراض العيون التي تؤدي إلى تلف العصب البصري - تسبب العمى غير القابل للشفاء عند حوالي 5 بالمئة من الحالات. وعلى الرغم من أن الأطباء يقيسون ضغط العين عندما يزورهم الناس لإجراء الفحوصات الدورية، إلا أنه يمكن أن يتقلب بشكل كبير بين الزيارات أو حتى على مدار اليوم.
يقول هيوك تشو - المهندس الطبي والكهربائي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا، وشارك في إعداد إحدى الدراسات التي نشرت الشهر الماضي في دورية Nature Nanotechnology: "هناك أوقات يرتفع الضغط فيها حقاً. ويبدو بأن ذلك يحدث أثناء تلف العصب البصري."
وهناك أدوية تخفض الضغط في العين، ولكن معرفة الوقت المناسب لأخذها يمكن أن يمنح الناس فرصة أفضل لتجنب فقدان الرؤية. يقول تشو: "يجب أن يكونوا قادرين على مراقبة هذا الضغط على مدار الساعة لـ 24 ساعة في اليوم".
ويعمل هو وزملاؤه على زرعات عينية بحجم بذرة السمسم والتي من شأنها أن تكشف عن تغيرات الضغط عندما يتم تسليط الضوء عليها. يتم صنع الزرعة من غشاء مرن ممتد على مرآة مع مساحة فارغة صغيرة بينهما. وعندما يزداد الضغط داخل العين، ينحني الغشاء. وهذا يجعل الفجوة أضيق، مما يغير الطول الموجي للضوء المنعكس. والهدف هو أن يتمكن الأشخاص الذين لديهم هذه الزرعة من استخدام ضوء الهاتف الخلوي لتتبع ضغط العين من منازلهم.
ولكن حتى الآن، لا يمكن للزرعة إعطاء قراءات دقيقة إلا إذا تم وضع الضوء وجهاز قراءة الضغط مباشرة أمام العين. ويقول تشو بأن هذا لن ينجح مع الأشخاص ذوي الأيدي المرتعشة. ويضيف: "يجب أن يكون المريض قادراً على إجراء القياسات بسهولة بدلاً من إجراء عملية المحاذاة البصرية هذه".
توفر أجنحة الفراشة الزجاجية طريقة للتغلب على هذه المشكلة. فمثل غيرها من الحشرات ذات الأجنحة الشفافة، فإنها تمتلك تراكيب على شكل قبب مرتبة وفق أنماط تسمح للضوء بالمرور عبرها مباشرة بدلاً من أن تنعكس مرة أخرى. ولكن الفراشة ذات الأجنحة الزجاجية والذيل الطويل تستخدم أيضاً خدعة ثانية أكثر تميزاً لتجعل أجنحتها شفافة. فعلى جانب الجناح الأقرب إلى جسمها، تتباعد التراكيب النانوية بشكل أكثر. يؤدي هذا الترتيب إلى تناثر الضوء المرئي في جميع الاتجاهات، بغض النظر عن الزاوية التي جاء منها. كما أنه يعكس الأشعة فوق البنفسجية أيضاً، والتي قد تكون وسيلة للفراشات للإشارة إلى رفاقها عندما تكون متخفية عن بعض الحيوانات المفترسة.
وقام تشو وفريقه بصنع زرعات ذات أنماط مشابهة للنتوءات التي تغلف الأغشية المنحنية واختبارها عند الأرانب. وكانت الزرعات المستوحاة من الفراشة أكثر دقة بثلاث مرات من تلك الزرعات ذات الأغشية المسطحة. كما أنها جعلت فحص ضغط العين أسهل. إذ لم يكن على العلماء أن يكونوا حذرين جداً حول تسليط الضوء من الموضع الصحيح بدقة. وبما أن التراكيب النانوية الموجودة في الزرعة أدت إلى تناثر الضوء في كل مكان، فإن بعضه سيظل ينعكس بالزاوية الصحيحة ليصل إلى القارئ المحمول.
كما قام تشو وزملاؤه بتعديل التراكيب النانوية لإطالة عمر الزرعة. فعندما يستشعر الجسم عنصراً غريباً، فإنه يؤدي إلى نمو طبقة من الأنسجة لعزله، بطريقة تشبه إلى حد ما كيفية صنع المحار للؤلؤ. ويقول رضوانول حسن صديق - عضو آخر في الفريق – بأن التراكيب النانوية مثل تلك الموجودة على الأجنحة الحقيقية للفراشة من شأنها أن تكون مدببة بما يكفي لثقب هذه الخلايا، مما قد يلحق الضرر بالعين.
ولكن باستخدام النتوءات الخفيفة لإنشاء سطح خشن قليلاً بدلاً من السطح الأملس، فإن الزرعة تجعل من الأصعب على خلايا الجسم أن تتأذى. وعندما قام الباحثون بفحص عيون الأرانب بعد شهر، وجدوا بأن الأنسجة لم تنمُ فوق هذه الزرعات الخشنة.
قد تكون الزرعة جاهزة للاختبار عند الأشخاص خلال ثلاث سنوات. وبالإضافة إلى التحذير من الارتفاع الخطير في الضغط، يمكن لهذه الأجهزة أيضاً أن تساعد الأطباء في جمع المعلومات حول كيفية اختلاف ضغط العين لدى المريض مع مرور الوقت حتى يتمكنوا من تخصيص العلاجات لتكون أكثر فعالية، كما يقول تشو.