في أحد أيام شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، مشيت صاعداً على جبل قريب مع بعض الأصدقاء. قال أحدهم بعد مضي 45 دقيقة من الرحلة: «من الممكن أيضاً أن نصل إلى هذا المكان باستخدام السيارة»؛ مُلاحظاً أننا كنا نتنفّس بسرعة.
جعلني تعليق هذا الصديق أتذكّر المرات التي قدت فيها السيارة ذاهباً إلى مواقع أرى منها مناظر بانوراميّة، ولسبب ما، لم تبدُ هذه المناظر جميلةً خلاّبةً كما بدت في المرات التي مشيت فيها إلى المواقع لأراها. خطرت في بالي هذه المقارنة مع استمرارنا بالمشي؛ في الوقت الذي كان فيه أصدقائي يتحدّثون عن الموضوع الوحيد الذي يشغل أحاديث الناس هذه الفترة: جائحة كورونا.
جائحة كورونا هي أكبر أزمة صحّة عامّة مرّت علينا في حياتنا -إلا إذا كان عمرك يتجاوز 102 سنة-. لم نمرّ في أي اختبار مماثل من قبل؛ إغلاق المدن والحجر الصحّي، المحاولات المحرجة والموتّرة والحذرة في إنجاح اللقاءات الاجتماعية، مكالمات الفيديو الكئيبة على تطبيق «زووم»، والأزمات والحزن الكبير الذي تعرّضنا له مع إصابة أشخاص نهتم لأمرهم ووفاتهم؛ كل هذه الأمور جعلت هذه التجربة صعبةً للغاية، وليس من الغريب أن مستويات الوحدة والاكتئاب والقلق ارتفعت بشكلٍ كبير عن نظيراتها قبل الجائحة.
اقرأ أيضاً: وباء «الوحدة»: دليلك لعيش حياة متوازنة نفسياً خلال جائحة كورونا
حتّى نحصل على الخبرة من الأزمات وتحدّيات الحياة الشّاقة التي نواجهها، يجب أن نتعلم من التجارب السابقة للآخرين. لنعُد بالزمن إلى الحرب العالمية الأولى؛ هؤلاء الذين ولدوا قبل أو خلال الحرب يعرفون باسم «الجيل الأعظم»، هذا الجيل تضرر من الأزمات في فترة زمنية تمتد من سنة 1914 إلى 1918.
كانت الخسارة البشرية في الحرب العالمية الأولى 22 مليوناً، ثم في الإنفلونزا الإسبانية في 1918 أكثر من 50 مليون شخص، كذلك مستويات البطالة الهائلة خلال الكساد الكبير في ثلاثينيّات القرن الماضي وبناء بلدات «هوفرفيل» (وهي بلدات من الصفيح بُنيت في الكساد الكبير خلال فترة رئاسة الرئيس الأميركي «هربرت هوفر»؛ الذي اعتبر مسؤولاً عن الكساد؛ ولهذا سميت البلدات على اسمه)، ثم تلت ذلك الفظائع النازية التي لا توصف من عام 1939 إلى 1945، واستخدام الولايات المتّحدة القنابل النووية في الحرب العالمية الثانية أكثر من 60 مليون شخص.
بعد كل تلك الأحزان الفظيعة؛ ما هي الأمور التي مر بها الجيل الأعظم في سنواته الأخيرة؟ بالنسبة للعديدين من أفراد هذا الجيل، كان موت أولادهم في حرب فيتنام -أو كما تُدعى في فيتنام «الحرب الأميركية»-؛ والتي دارت بين 1964 إلى 1975.
لماذا يدعى الجيل هذا بالجيل الأعظم؟ لأنّه ارتبط بقيم مثل النزاهة، التواضع، والإحساس بالمسؤولية الشخصية. أثبت أفراد هذا الجيل أنهم قادرون على تحمّل تضحيات شخصيّة كبيرة؛ مدعومين- على الأقل في الولايات المتّحدة- بمحادثات «فايرسايد»؛ التي أجراها الرئيس «فرانكلين روزفلت» على الراديو ليربحوا الحرب العالمية الثانية، وينقذوا العالم من النازيين الذين دعموا حركة تحسين النسل -والتي كانت قد بدأت بالانتشار في البلاد- وسعوا إلى رعاية مزاعمهم الخادعة الهادفة لتحقيق «الحل النهائي».
كيف عثر أفراد هذا الجيل على القيم التي ذكرناها سابقاً؟ هم لم يجدوها؛ بل اكتسبوها من خلال استخدام الدروس التي تعلموها من مواجهة الصعوبات بهدف تحديد أولوياتهم، وكنتيجة لذلك؛ منح أفراد الجيل الأعظم الأولوية للعائلة، والمجتمع، ومساعدة الآخرين.
كما يوثّق الأستاذ «روبرت بونتام» من جامعة هارفارد في كتابه «بولينج ألون»؛ يبدو أن القيم نفسها تم تجاهلها من قبل الأجيال اللّاحقة. خلال جائحة عام 2020؛ وبالنسبة للكثيرين، حلّت التذمّرات حول احتياطات مثل ارتداء الكمامات محل قيم مثل تقدير الآخرين.
لقد انحدرت قيمنا بعض الشيء مع استبدال الاهتمام بالآخرين بالاستقطاب الذي تحرّض عليه وسائل التواصل الاجتماعي، والرأسماليّة التي وصلت إلى درجة أصبح عندها الرئيس التنفيذي لشركة ما مثلاً لا يكسب من المال 80 ضعف ما يكسبه موظف حراسة؛ كما كان الحال في ثمانينيّات القرن الماضي فقط؛ بل أصبح يكسب أكثر من 600 ضعف. في 2018، كسبت النخبة؛ التي تمثّل 0.1% من سكان الأرض، 196 ضعف ما كسبته الـ 90% الدنيا من السكان في سنة واحدة.
كيف ستغيّرنا الجائحة؟
السؤال الذي يطرحه معظمنا هو: متى ستنتهي الجائحة؟ على الرغم من أن هذا السؤال مهم بالتأكيد، إلا أن السؤال الأكثر أهميةً؛ والذي يؤثّر موضوعه علينا أكثر، ربما هو: كيف ستغيّرنا الجائحة؟
هل سنكون نفس الأشخاص كما كنا قبل إغلاق المدن أوائل السنة الماضية؟ هذه النتيجة ستقابل قيادة السيارة صعوداً على الجبل بدلاً من المشي، وتَعلُّم القليل فقط مع مرور الوقت، والتماشي مع ما أُطلق عليه اسم «الرضا المنتشر»؛ الذي بدوامه لا يتغيّر شيء في حياتنا.
بدلاً من ذلك، هل سنكتسب الخبرة من رحلتنا الطويلة لتسلّق الجبل القاسي ونتعلّم الدروس التي فرضتها على حياتنا؟ أي؛ أن نكون أشخاص أفضل، وأن نتعامل مع بعضنا بعطف ولين، وأن نهتم بالبيئة بينما لا يزال بإمكاننا أن نُحدث تغييراً لخدمة أبنائنا؟
وجدت الأبحاث النفسية الاجتماعية أن أحداث الحياة الصعبة تكون حاضرةً أكثر في أذهاننا، ويكون تذكّرها أسهل، ومن المحتمل أن تُحفّز تغييراً في السلوك من التجارب السعيدة؛ ربما هذه هي الظاهرة النفسية التي ألهمت المثل الإسباني «لا يوجد شر لا يأتي منه الخير».
بالتأكيد، لدينا الآن ما يكفي من الوقت لنسأل أنفسنا مثل هذه الأسئلة. السؤال -في الظروف السيئة أو الجيدة على حد سواء، وعلى المستوى الوجودي- هو: هل سنصبح أفضل أم أسوأ بسبب تجربتنا خلال هذه الفترة الصعبة من حياتنا؟ لقد بطّأت الجائحة حياة معظمنا، ومنحتنا الفرصة لنفكّر بالأشياء التي نقدّرها أكثر من غيرها.
إذاً، فالسؤال الأهم المتعلّق بالجائحة ليس هو متى ستعود الحياة إلى شكلها الطبيعي؛ بل: عندما نخرج من هذا الانعطاف المطوّل عن الحياة، كيف ستكون هوّيتنا؟ هل سنعود كما كنا، أم سنصحّح مسارنا ونخلق مساراً جديداً؟
إذا كنا نأمل في أن نكون أمّةً عظيمة، ليس لدينا بديل عن مواجهة هذا التحدّي.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً
*نشر بواسطة «أنتوني سيلارد»، أستاذ مشارك بجامعة ولاية كاليفورنيا، معلم وخبير في مجال القيادة، كتب العديد من المقالات العلمية حول العاطفة وإدارة المشاعر. صدر كتابه الأخير بعنوان «Screened In: The Art of Living Free in the Digital Age» في مارس/ آذار 2020.