إذا كنت تواجه مشكلة في النوم، فقد تشعر بالارتياح عندما تعرف بأنه يمكنك أن تستغرق في الأحلام بمجرد أن يكون لديك إحساس بهدفك في الحياة. ولكن الأمر قد لا يكون كذلك. ففي جميع الاحتمالات، سوف يجعل ذلك التفكير المحفّز للقلق من الصعب عليك أن تحصل على قسط كافٍ من النوم. وهذا لا يمنع بعض أطباء الأعصاب من التوصية بالعثور على "الهدف" كحلّ للأرق.
إذا كان ذلك يبدو سخيفاً، فأنت شخص متشكك بشكل ملائم. وربما تكون قد رأيت مؤخراً بعض العناوين بعيدة الاحتمال حول الانجراف إلى أرض الأحلام بشكل أسرع عندما تعثر على هدفك في الحياة، وربما تكون قد قرأت بعض المواد المرفقة. لذا دعونا نتحدث عن الدراسة الواقعية الكامنة وراء كل هذه التغطية.
إذ وجدت هذه النتائج طريقها إلى العناوين الرئيسية الأكثر رواجاً لأخبار جوجل عن طريق كلية نورث وسترن للطب، عندما قرر ثلاثة من أطباء الأعصاب دراسة فيما إذا كان الإحساس بالهدف يرتبط مع نوعية أفضل للنوم. ونشرت النتائج في مجلة "Sleep Science and Practice" يوم الاثنين. وشملت الدراسة الكثير من التحليل الإحصائي، ولكنها اعتمدت أساساً على أمرين: استبيان يحاول أن يحدد فيما إذا كان الشخص لديه هدف في الحياة، واستبيان آخر يحاول أن يحدد نوعية النوم. وكلاهما يعتمد على الإبلاغ الذاتي، أي أن الأشخاص الخاضعين للدراسة يقومون بتقييم أنفسهم، وبالتالي تخضع الدراسة للتحيز. فهل تتذكر دائماً عدد الساعات التي نمتها، وهل أنت متأكد من أنك سوف تكون صادقاً عند الإجابة على استبيان يهدف إلى قياس الإحساس بالهدف؟ ولكن مهلاً، فربما يكون جميع من شارك في هذه الدراسة قد ذكروا بدقة كل شيء عن أنفسهم. ولا تزال هناك مسألة صغيرة بأن الباحثين لم يجدوا تقريباً أي شيء له أهمية إحصائية.
نعم، فقد وجد الفريق بأن الأشخاص الذين أفادوا بوجود إحساس بالهدف ذكروا أيضاً نومهم بشكل أفضل. وكذلك الأمر من الناحية الفنية حيث وجدوا بعد عام، بأن الأشخاص الذين اكتسبوا بعض الإحساس بالهدف اكتسبوا أيضاً بعض النقاط لجودة النوم. ولكنهم فشلوا في العثور على أي تأثير بعد سنتين أو ثلاث سنوات من دراسة خط الأساس، الأمر الذي يبدو مثيراً للشبهة. فإذا كان تحقيق الإحساس بالهدف يجعلك تنام بشكل أفضل، فيجب بالتأكيد أن يستمر هذا التأثير، أليس كذلك؟ الجواب لا على ما يبدو.
ولكن هناك أيضاً بُعد آخر لذلك. فإذا كان وجود هدف في الحياة يجعل نومك أفضل، فأنت تتوقع بأنه حتى ضمن المجموعة الواحدة، فإن الأشخاص ذوي الأهداف الأكثر سيحصلون على نوم أعلى جودة. ويدعى ذلك من الناحية العلمية حساب التباين. فإذا كنت تقيس حسابات "الإحساس بالهدف" ونوعية النوم لنسبة كبيرة من التباين في نوعية النوم بين الناس، فهذا مؤشر جيد إلى حد ما بأن الإحساس بالهدف (أو عدم وجوده) يؤثر بشكل كبير على النوم.
لذلك هل يمكنك تخمين كمية التباين التي احتسبها الإحساس بالهدف لنوعية النوم في هذه الدراسة؟ الجواب هو 4.3 في المئة. وللأمانة، فقد نوّه المؤلفون إلى ذلك في الفقرة الأخيرة من مقال الدراسة، عندما ناقشوا القيود المحتملة لنتائجهم. كما أن حقيقة أن معظم الأشخاص الذين خضعوا للدراسة كانوا يتمتعون بدرجة عالية من التعليم وبالتالي كان من المرجح بأنهم يحصلون على الرعاية الصحية الجيدة وعلى المعلومات والموارد اللازمة لاتخاذ خيارات صحية. وربما كان لديهم نوعية نوم عالية جداً في البداية. وكل هذه الأمور صحيحة بشكل خاص عند كبار السن الأميركيين، حيث أن المستوى التعليمي العالي والوضع الاجتماعي والاقتصادي (والذي يكون بمرافقته) ينذران بشكل كبير بوجود نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بشكل جيد، والتي تميل إلى المساعدة على النوم بشكل أفضل. وهنا يجب أن أذكر بأن الدراسة ركزت فقط على كبار السن الأميركيين، ولذلك فحتى لو كانت النتائج قوية وقابلة للتطبيق عالمياً، فيمكنك القول فقط بأن النتائج التي تم التوصل إليها حقيقية بالنسبة للمجموعات الأكبر سناً. أما المتمردون الشباب فيمكنهم الاستمرار دون هدف.
ولكن عندما تنظر إلى كافة قيود الدراسة، فمن الواضح أن وجود إحساس بالهدف في الحياة ليس عاملاً محفزاً للحصول على النوم، بل إنه يعدّ علامة بشكل أكبر. وإذا كنت من النوع الذي يملك الوقت والموارد للبحث بالفعل عما هو مهم بالنسبة لك، وما الذي يجعلك سعيداً في المخططات الكبيرة للأمور، فقد تكون أيضاً أكثر ثراءً وصحة.
أما إذا كنت تكافح من الناحية المالية، من خلال العمل لساعات طويلة، أو حتى في وظائف متعددة، فقد لا تنفق الكثير من الوقت في التفكير في هدفك العميق. وتكون أيضاً أقل عرضة للنوم بشكل جيد. وينطبق الشيء نفسه على التعامل مع مشاكل الأسرة، أو مواجهة التمييز العنصري بشكل يومي، أو محاولة تسلق سلم اجتماعي يقف ضدك. وإذا كنت فقيراً جداً ولا يمكنك تحمّل تكلفة سرير مريح أو التدفئة والتكييف المناسبين، فقد لا تحصل على نوم جيد أيضاً. وفي الواقع يجب أن تكون نتائج الدراسة مصاغة على نحو: "الناس الذين ينامون بشكل أفضل هم أكثر عرضة للإحساس بهدف في الحياة". والأفضل من ذلك: "الناس الذين ينامون بشكل أفضل يعيشون حياة أسهل بشكل عام".
وحتى لو كانت جميع المشاكل في هذه الدراسة مثيرة للنقاش، فليس من شأنها أن تكون نصيحة مفيدة. فكيف تجد هدفك في الحياة بالضبط؟ وهل من المفترض أن تفعل ذلك قبل معالجة بقية المخاوف التي يمكن القول بأنها أكثر إلحاحاً؟ وإذا تمكنت من العثور على هدفك وكانت غرفة النوم حارة جداً، فإنك سوف تستمر بالتقلب. إن العثور على هذفك في الحياة يزيدك قوة، إذ أنه من شبه المؤكد أن يساعدك على أن تكون شخصاً أكثر سعادة. ولكن لا نتوقع أن يجعلك تنام بشكل أفضل.