حول الإسعافات الأولية النفسية. يجلس 6 أشخاص لا يعرفون بعضهم في غرفةٍ ذات إضاءة خفيفة في بروكلين، يشاهدون امرأة تعاني من نوبة هلع. تنحني هذه المرأة على كرسي معدني و«تلهث» للحصول على الهواء، وتنظر إلى مجموعة المتفرجين وتتوسل للحصول على المساعدة منهم.
بعد ذلك، تندفع امرأة أخرى للمساعدة، وتُجلس الأولى وتطلب منها أن تتنفس ببطء وعمق وهي تقول: «يبدو أنك تمرّين بنوبة هلع»، ثم تضيف: «ستشعرين بالخوف الآن، ولكن هذه النوبات لا تدوم أكثر من 5 دقائق عادة. ستنتهي قريباً».
ما هي الإسعافات الأولية النفسية؟
هذا كان أحد السيناريوهات التي تُنفّذ في دورة الإسعافات الأولية النفسية وهي دورة تستغرق نهاراً كاملاً يتعلّم فيها المتطوعون طرق التعرّف على إشارات الأزمات التي يمكن أن يمر بها الغرباء وكيفية التعامل معها. ومثل الإسعافات الأولية الجسدية؛ فإن الإسعافات الأولية النفسية مُكمّلة، ولا يمكن أن تستبدل الرعاية الصحية الإحترافية، ولكن في الأزمات وحالات مثل الهلع والذهان والإدمان والانتحار؛ تمنح هذه المهارات المتفرجين آليات مدعومة بالدلائل العلمية تمكّنهم من التدخّل.
تقول «بيتي كتشينر»؛ الممرضة التي أسست هذه الدورة في عام 2000 في فيديو توضيحي: «مشاكل الصحة النفسية شائعة للغاية، وهي منتشرة أكثر بكثير من بعض الأشياء التي يمكن أن تتعلّمها في دورة إسعافات أولية إعتيادية».
بيّنت جائحة كوفيد-19 أن هذا صحيح بالفعل. في مسح أجراه مركز السيطرة على الأمراض عام 2020 على حوالي 5,500 بالغ أميركي، أفاد 41% من المشاركين أنهم يعانون من حالة عقلية مرضيّة واحدة على الأقل، بينما عانى 26% من أعراض اضطراب القلق مقابل 9% في 2019، و24% من أعراض الاكتئاب مقابل 7% في 2019. بيّنت بيانات مختلفة جمعها نفس المركز أن الوفيّات التي نتجت عن الجرعات الزائدة في 2020 كانت أعلى من أي فترة دامت 12 شهراً من قبل، كما يؤكّد تحليل حديث أجرته جامعة تولين أن عمليات البحث على جوجل المتعلّقة بنوبات الهلع ارتفعت بشكل هائل.
نظراً لأن المزيد من الأميركيين يشهدون أزمات الصحة العقلية -أو يعانون منها بأنفسهم- لأول مرة، يشارك عدد متزايد من الأشخاص في دورة الإسعافات الأولية النفسية -وهي دورة مدّتها 8 ساعات ولها نسخة افتراضية- ليتعلّموا تطبيق حلول قصيرة الأمد. منذ إطلاق نسختها الافتراضية في يوليو/ تموز 2020، انضم للدورة أكثر من 62,000 شخص عن بعد، وهي السبب الذي دفع منظمة الصليب الأحمر لإنشاء دورة «الإسعافات الأولية النفسية» الافتراضية بهدف «جعل الأشخاص يدعمون أنفسهم والآخرين خلال جائحة كوفيد-19»، كما يوضّح موقعها.
بغض النظر عن الجائحة؛ يمكن أن تساعد هذه التدريبات في معالجة النقص الذي تعاني منه البلاد في المعالجين المتخصصين، وهو أحد الموارد الذي يستصعب الأميركيون إيجاده أو تحمّل تكلفته. بينما تستجيب المدن للدعوات المتزايدة لإجراء تغييرات كبيرة على أنظمة إنفاذ القوانين خاصتها، يمكن أن يوفّر نموذج الإسعافات الأولية للصحة العقلية، الذي مضى عليه عقدين من الزمن، طرقاً للشرطة وغيرها للتدخل في أزمات الصحة العقلية بتحضير مسبق.
على الأرجح هذا النموذج هو السبب الذي جعل 20 ولاية تمنح الأولوية لتمويل برامج الإسعافات الأولية النفسية منذ 2015. لكن على الرغم من الإمكانيات العالية التي يحملها هذا النموذج في التعامل مع أزمات الصحة العقلية على نطاق واسع، لكن الاختبار الحقيقي سيأتي عندما تتم دعوة المتدرّبين لتطبيق ما تعلّموه على أرض الواقع.
توقّف، انظر، واستمع
تعلّمت «مابيل مارتينيز-ألمونت» جزءاً أساسياً من الإسعافات الأولية النفسية عندما كانت في العاشرة من عمرها، قبل عقود من البدء بتدريسها. تقول ألمونت أن نشأتها في أوائل السبعينيات في منطقة من بروكلين يسودها نشاط العصابات؛ فهي اكتسبت «ذكاء الشوارع» بسرعة، أي تعلّم لغة وسلوكيات البشر في حيّها حتى تتمكّن من اللعب بأمان خارج المنزل مع شقيقيها الأكبر. لكن بعد عدة سنوات عندما كانت تلتقي بأشخاص كبروا في بيئاتٍ محميّة؛ انتبهت لأمر مقلق في الطريقة التي يتعامل هؤلاء فيها مع الأشخاص الذين لا يشبهونهم أو يتصرفون مثلهم. تقول ألمونت: «قد يظنّون أنه إذا كان أحدهم يمتلك وشماً، فعلى الأرجح أن يكون مدمناً على المخدرات. البشر يخلقون هذه الصور النمطية انطلاقاً من الخوف والقلق، ولكنها ليست صحيحة».
استمرت ألمونت في التصدي للأفكار النمطية بعد أن أصبحت مُعالجة مهنيّة مُسجّلة، وعملت في وحدة طب نفسي في المستشفى وهي تستخدم كرسياً متحركاً. تقول ألمونت: «قد تعتقد أن شخصاً مصاباً بتحدٍ جسدي يجب أن يقلق حيال مواجهة مريض غاضب، ولكن ما وجدته هو أن الأمر يتعلق بالطريقة التي تواجه فيها الأشخاص، والطريقة التي تمنحهم المساحة بها، وتعترف بأنهم يمرون بحالة عصيبة، والطريقة التي تبدي تعاطفك معهم».
بعد 24 سنة من مساعدة المرضى في التعامل مع الضغط وتعليمهم مهارات التكيّف؛ التحقت ألمونت بدورة الإسعافات الأولية النفسية بعد أن سمعت بها مباشرةً، ظنّاً منها أنها ستكون مناسبة لها لتعلّم الآخرين آليات التدخّل التي تمارسها. تقول ألمونت: «أردت أن أعلم أكبر عدد ممكن من الممرضين»، نظراً لأن شهدت عادةً أن المرضى النفسيين يدخلون إلى غرف الطوارئ بينما يكون الممرضين عاجزين عن فعل أي شيء لمساعدتهم. الطريقة الأكثر شيوعاً للتعامل مع هؤلاء المرضى كانت منحكم نوعاً ما من الدواء لمنع تصعيد الحالة التي يمرون بها، مهما كانت. لكن هذه الطريقة ليست حلاً طويل الأمد للمرضى أو للأفكار النمطية السائدة.
تقول ألمونت: «هؤلاء الممرضون كانوا يخافون أن يتعرضوا للأذى بشكلٍ كبير»، وتضيف أن القلق الذي كان يصيبهم -والذي ازداد نتيجة لانتشار «ثقافة من تداول الشائعات» وشبكة أخبار ركّزت على بعض الحالات النادرة التي ترتبط فيها الأمراض العقلية مع العنف- يمكن فهمه. لكن ذكّرتهم ألمونت أنه في الواقع، الأشخاص الذي شُخّصوا بمرض نفسي هم على الأرجح ضحايا وليسوا جلّادين.
الأمر يتعلق بالطريقة التي تواجه فيها الأشخاص، والطريقة التي تمنحهم المساحة بها، وتعترف بأنهم يمرون بحالة عصيبة، والطريقة التي تبدي تعاطفك معهم.
- مابيل مارتينيز-ألمونت
بيّنت ألمونت هذه النقاط في مستشفى «سَني داونستيت» في بروكلين حيث التقيت بها و5 آخرين انضموا إلى دورة الإسعافات الأولية النفسية في يناير/ كانون الثاني 2020. بالإضافة إلى مواقف الارتجال خلال نوبات الهلع، استخدمت ألمونت المسابقات والفيديوهات والمسرحيات لتساعدنا في التصرّف إذا شهدنا أحداً ما يعاني من الهلوسات أو الإدمان، أو إذا كان يبدي أي سلوكيات مريبة أخرى. تعلّمنا أن الأجوبة تتلخّص في 5 قواعد أساسية:
- تقييم خطر الانتحار أو الأذيّة.
- الاستماع دون إصدار الأحكام.
- التطمين وتوفير المعلومات.
- التشجيع على الحصول على المساعدة الطبية المناسبة.
- التشجيع على مساعدة الذات وتطبيق آليات الدعم الأخرى.
في حين أن معظم المتدرّبين يحضرون الدورة للحصول على اعتمادات مهنية في مجال الصحة والعمل الاجتماعي، إلا أن «سيندي يي» -وهي سيدة مهاجرة من جيل الألفية ولدت وترعرعت في مدينة نيويورك تعمل في مجال التجارة الإلكترونية-، انضمّت لأسباب شخصية. تقول يي: «تعاني والدتي من بعض السلوكيات الشاذّة، وأحياناً يكون من الصعب التعامل مع مزاجها المتقلّب، لذا اعتقدت أني ربما أستطيع فهم ما تمر به، واكتشاف طرق الرعاية الشخصية التي يمكن أن تفيدنا، لأن الظروف تصبح متعبة للغاية بالنسبة لنا».
بعد 14 شهراً من إنهاء الدورة، قالت لي يي أنها ساعدتها بالفعل في فهم والدتها والتعامل معها بشكلٍ أفضل. تقول: «كنت أفقد أعصابي أحياناً، ولكني الآن أتركها تتكلّم وأستمع لها بدلاً من الانفجار فيها»، وتضيف أن بعض فوائد الدورة انتقلت أيضاً إلى أعضاء عائلتها الآخرين أيضاً.
تقول يي أن التدريب ساعدها في «الشعور بالتعاطف أكثر» مع الآخرين الذين يعانون من مشاكل نفسية. ولكنها تضيف أنه حتى الآن، فهي تراقب ولا تتدخّل، وخصوصاً خلال جائحة كوفيد-19. تقول: «عندما أركب القطار، ألاحظ حالات أكثر من الأشخاص الذين يبكون أو يضحكون»، وتضيف: «على الرغم من أن البشر يتجاهلون هذه الحالات، إلا أنني أقول لنفسي أستطيع أن أبقى 5 دقائق في حال احتاج الشخص إلى أي شيء».
السعي لبناء المنهاج على الأدلة العلمية قدر الإمكان
رغبة يي في مساعدة الأشخاص الذين يعانون من المشاكل النفسية هي ما كانت تهدف إليه «بيتي كتشينر» عندما فكّرت بالإسعافات الأولية النفسية. كمراهقة عاشت في ضواحي مدينة سيدني في أستراليا في ستينيات القرن الماضي؛ عانت كتشينر من الاكتئاب الحاد وحاولت الانتحار، ولكن على عكس مراهقي هذا الزمن الذين يحصلون على المساعدة من خطوط الهاتف المخصصة للأزمات، أو الدلائل على الإنترنت أو المستشارين في المدارس لم تحصل كتشينر على المساعدة.
في أحد الأيام سنة 1997؛ عندما كانت كتشينر تُنزّّه كلبها في شوارع كانبيرا مع زوجها وعالم النفس «أنتوني غورم»؛ بدأت بالتساؤل عن الآخرين الذين عانوا مثلها من مشاكل عقلية بعزلة، والأهم من ذلك، فكّرت بالطرق التي يمكن أن تدعمهم بها. خطرت لزوجها فكرة: مثلما درّبت كتشينر الإسعافات الأولية الخاصة بالطوارئ الجسدية، هل يمكنهم أن يطوّرا تدريباً مخصصاً للأزمات النفسية؟
أمضت كتشينر وزوجها السنوات الثلاث التالية في البحث. في عطلات نهاية الأسبوع، جمعوا ممرضين وعلماء نفس ومدرّسين ومدربي الإسعافات الأولية وبعض المرضى الذين يتلقّون الرعاية الصحية العقلية بهدف تصميم المنهاج، والذي طرحوه على شركة محليّة أسترالية في نوفمبر/ تشرين الثاني في عام 2000. بعد سنتين وإجراء العديد من الجلسات، وجدوا الجواب المشجّع: في أول دراسة غير مضبوطة أجريت على نموذج الإسعافات الأولية النفسية؛ بلّغ المشاركون أن التدريب عزز معارفهم عن الصحة العقلية.
وصل نموذج الإسعافات الأولية النفسية منذ ذلك الوقت إلى 4 ملايين شخص في 24 دولة؛ حيث تمت إعادة إنتاج تلك النتائج بشكلٍ متّسق على يد غورم وكتشينر، ومجموعة من الباحثين المستقلّين. وجدت دراسات من السويد وكندا وكاليفورنيا أن الإسعافات الأولية النفسية تعزز معرفة المتدرّبين عن الصحة العقلية، وتخفف من حدّة الوصم المرتبطة بالأمراض العقلية، وتمنحهم ثقة أكبر في تقديم المساعدة للأشخاص الذين يعانون منها.
لكن وفقاً للنقّاد؛ المشكلة في هذه الدراسات هي في قياس ما إذا كان المتدرّبون يجدون النموذج فعالاً. تقول «آيمي مورغان»، باحثة مساعدة في كلية الجماعات البشرية والصحة العالمية في جامعة ملبورن، أن هذا هو السؤال الأهم المتعلّق بالإسعافات الأولية النفسية، وهو سؤال تصعب الإجابة عليه.
مثل الإسعافات الأولية الإعتيادية؛ تنتج صعوبة هذا السؤال من تصميم النموذج، يقدّم الأشخاص الرعاية الطارئة عند الحاجة، وعادةً لا يرون المرضى مجدداً، لذا، صممت مورغان وفريقها دراسة مضبوطة معشّاة لتدريب الأشخاص الذين لديهم أطفال في سن المراهقة على الإسعافات الأولية النفسية. في المجموعة التجريبية؛ قاس الباحثون ما إذا أبدى المراهقون الذين تدرّب آباءهم أي تحسّن في الصحة العقلية مع الزمن، وذلك مقارنة بأفراد مجموعة مرجعية من المراهقين الذين لم يخضع آباءهم لتدريب الإسعافات الأولية النفسية. على الرغم من الكثير من المحاولات، تعترف مورغان أن هذه الدراسات «لا تزال غير حاسمة تماماً».
تقول مورغان وهي تشرح أنهم أدرجوا 300 مشارك بدلاً من 1000 كما كانوا يرغبون: «لم نحصل على عدد المشاركين الذي كنا بحاجة له». وفقاً لمورغان؛ بالإضافة إلى مسألة تخصيص الوقت التي توجد في معظم الدراسات الرصدية، والتي تتطلب من المشاركين تقديم التقارير مع مرور الأسابيع والأشهر، إضافة إلى الخضوع للجلسات التدريبية؛ فإن الآباء الذين انضمّوا للدراسة فعلوا ذلك -غالباً- انطلاقاً من خوفهم على صحة أطفالهم، وبالتالي لم يرغبوا أن يكونوا في المجموعة المرجعية التي لم تتلقّ تدريب الإسعافات الأولية.
لا تستطيع مورغان أيضاً إنكار المخاطر التي يمكن أن تتسبب بها الإسعافات الأولية النفسية، إذ تقول: «إذا كان أحدهم يرفض التحدّث عن مشاكله؛ فربما إذا تعرّض للضغط من الأشخاص حوله، ولم يكن يرغب بالحصول على المساعدة، فهذا يمكن أن يضر به»، مع ذلك، تضيف مورغان: «تدرّب الدورة المشاركين على احترام رغبات الأشخاص» في الحصول على الرعاية الصحية.
تقول مورغان أنه على الرغم من المخاطر المحتملة؛ فإن المنهاج يُحدّث بشكلٍ مستمر ليكون «مبنياً على الدلائل العلمية» قدر الإمكان. يراقب القائمون على المنهاج دراسات مراجعة الأقران التي تقيس تأثيره، ويعيدون تقييم المحتوى كل 3 سنوات. تقول مورغان: «يخضع المنهاج إلى الكثير من البحث لهدف مقارنته مع مناهج التدريب الأخرى في هذا المجال».
نقلة نوعية كبيرة
خلال اجتماع عبر الفيديو شملت 15 شخصاً في مارس/ آذار الماضي؛ شاركت «مارسي تيميرمان» شاشة حاسوبها لعرض فيديو لرجل يتحدّث مع صديقه خلال مروره بنوبة هلع. تسأل تيميرمان -والتي تخدم كمديرة تنفيذية لمنظّمة «منتال هيلث أميركا كينتاكي»- والتي أجرت أول تدريب لها في الإسعافات الأولية النفسية قبيل جائحة كوفيد-19: كيف كان أداء هذا الرجل؟ هل اتّبع القواعد الخمسة الأساسية؟
عملت تيميرمان دائماً في مجال الصحة النفسية، ولكن في وظيفتها الأولى -كعاملة استقبال في شركة تقدّم الاختبارات النفسية لشرطة ولاية أوهايو- تعلّمت أهمية الرعاية الصحية النفسية الفورية عندما تلقّت مكالمة من شخصٍ يقول أنه يفكّر بالانتحار. تقول تيميرمان: «لم يكن لدي فكرة عن الطريقة التي يجب أن أتصرف بها، وأعتقد أن هذا الأمر ينطبق على الكثير من الموظفين، لكن الآن باستخدام القواعد الخمس الأساسية وأدوات تقييم خطر الانتحار، سأعرف ما يجب فعله إذا تكررت المكالمة».
تتضمن الأدوات سؤال الأشخاص الذين يميلون للانتحار ما إذا كان لديهم خطة، أي إذا قرروا متى وكيف سينتحرون، وإذا كان الجواب نعم، وإذ اتّضح أن سلامتهم في خطر، يجب على مقدّمي الإسعافات الأولية أن يتصلوا بالطوارئ مباشرةً. أما إذا كان الجواب لا، يجب عليهم اتباع القواعد الخمس الأساسية (الإنصات دون إصدار الأحكام، طرح أسئلة مثل «منذ متى وأنت تشعر بهذه المشاعر»، وتقديم الدعم في سبيل تقديم المساعدة الاحترافية). تقول تيميرمان: «يتعلّق الأمر بطرح الأسئلة الصحيحة، وقدرتي على إنجاز ذلك يجعلني أشعر بالهدوء».
أصبحت تيميرمان الآن مرشدة رسمية في دورة الإسعافات الأولية النفسية، وتقول أن الجائحة «مثّلت دافعاً كبيراً» يساهم في انخراط المزيد من الأشخاص في التدريب. في 2020، أبلغت منظّمة «منتال هيلث أميريكا» أن عدد فحوصات كشف الأمراض النفسية بلغ 4 أضعاف مقارنة بالسنوات الماضية، ووفقاً لتيميرمان، ازداد عدد حالات القلق والاكتئاب بشكلٍ واضح في هذه الفحوصات. هناك أيضاً ازدياد في عدد حالات الجرعات الزائدة من الأفيون في ولاية كنتاكي، وهو أمر تعامل معه القائمون على نموذج الإسعافات الأولية النفسية مؤخراً؛ عن طريق إضافة آلية الإنعاش بعقار «نالوكسون» إلى المنهاج.
وفقاً لتيميرمان، فإن أحد العوامل الأخرى الذي يدفع لزيادة الاهتمام بهذه الدورة يتولّد نتيجة الحوارات الدولية حول العنصرية والعدالة الجنائية، والأمراض النفسية التي تبعت مقتل «جورج فلويد». تتعلّق 10% من الاتصالات التي ترد إلى مراكز الطوارئ في أميركا بحالات مرتبطة بالصحة النفسية لا يستطيع الشرطة التعامل معها، كما أن الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية هم أكثر عرضة بـ 16 مرة ليُقتلوا على يد الشرطة.
بعض أقسام الشرطة مثل قسم «شارلوت مكلينبيرغ» في ولاية كارولينا الشمالية تُخضع الأعضاء لتدريبات الإسعافات الأولية النفسية لحل هذه المشكلة. وفي مدينة نيويورك، يساعد الطبيب النفسي «سيدني هانكرسون» من مركز «كاليفورنيا ويلنس» في تدريب الشخصيات الدينية في حي «هارلم» على إيصال تلك التدريبات إلى مجتمعات السود واللاتينيين، وهي المجتمعات التي تتمتّع بمستويات منخفضة لعلاج الأمراض النفسية في البلاد.
وفقاً لما قاله هانكرسون في تقديم في جامعة كولومبيا في 2017، هذه الاختلافات تنتج بشكلٍ رئيسي من الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية، وقلة الثقة وتاريخ العنصرية المنظّمة التي مارسها مقدّموا الرعاية الصحية المختصّين على هذه المجتمعات. يذكر هانكرسون دراسة «توسكيغي» التي أجريت في 1972، والتي حرم فيها الأطباء بشكلٍ متعمّد الرجال السود من الحصول على علاج الزهري دون علمهم أو موافقتهم؛ بهدف توثيق تطور الأعراض عندهم كمثال على التاريخ الطويل من العنصرية التي مارسها نظام الرعاية الصحية تجاه الأشخاص الملونين في الولايات المتّحدة.
حسب تيميرمان؛ كان أكثر من نصف عدد طلابها من الأشخاص غير البيض، وهي تشير إلى أن منهج الإسعافات الأولية النفسية حُدّث مؤخراً ليشمل طبائع الشخصيات والظروف والقيم الاجتماعية التي يتبنّاها. في مجتمعها في ولاية كنتاكي، والتي تواجه مشاكل خاصة في مجال رعاية الصحة النفسية؛ تقول تيميرمان أنها فخورة «بالنقلة النوعية الكبيرة» التي شهدتها في حياتها، وتضيف أن مجّرد ذكر حاكم الولاية للصحة النفسية في كلمته المتلفزة حول كوفيد-19 هو أمر «لم يكن ليحدث من 20 سنة».
تقول تيميرمان: «هذا تغيير مهم، الأشخاص بدأوا الآن يعترفون أن الجميع يعاني من التوتر والقلق».
تقول تيميرمان أنها شهدت هذه التغيرات بين خبراء الصحة النفسية أيضاً. في جلسة تدريبية حديثة مع خبراء العنف المنزلي، اعترفت إحدى المتدربات أنها تخاف من المرضى المصابين بالذهان. لكن تيميرمان تقول أنه بعد تعمّق المجموعة في طبيعة هذا المرض ومصدره والخرافات المرتبطة به، «لم تتوقّف المتدربة عن طرح الأسئلة، حتى في الاستراحة».
تقول تيميرمان: «كانت تتعجّب هذه المتدربة وتقول أنها لم يكن لديها فكرة عن هذه الأمور من قبل»، وتضيف: «رؤيتها تتحمّس بهذه الطريقة كان أمراً رائعاً».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً