يواجه جميع الناس خطر الإصابة بأحد أشكال السرطان في مرحلة ما من مراحل الحياة. إذ يبلغ خطر الإصابة بالسرطان عند الرجال حوالي 50% في حين يبلغ خطر الإصابة بالسرطان عند النساء حوالي 33%. أما خطر الوفاة بسبب السرطان فيبلغ 25% عند الرجال، و20% عند النساء.
قد تكون تلك الأرقام مخيفة. خاصةً أن تشخيص السرطان يعني ضرورة خضوع المريض لجلسات علاجية قاسية لا ترحم. ولذا، من غير المستغرب أن يلجأ مرضى السرطان إلى علاجات أخرى بديلة، سواءً كانت مثبتة علمياً أو غير مثبتة علمياً. حيث نسمع في كثير من الأحيان عن مرضى بالسرطان لجؤوا إلى تناول عصير فاكهة على أمل أن يخلّصهم من السموم في أجسادهم ويوقف تقدم السرطان لديهم. أو مرضى آخرين يعتمدون على الوخز بالإبر الصينية لعلاج السرطان، أو يتبعون حمية غذائية خاصة، كل ذلك بهدف تجنب الخضوع لعلاج كيميائي يبث الأدوية ذات التأثيرات الجانبية الشديدة في أوردة المريض.
ولكن، شئنا أم أبينا، فإن العلاج الطبي والكيميائي للسرطان هو الحل الأنجع من أي علاج "طبيعي" أو بديل آخر. وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن الاعتماد فقط على العلاجات البديلة سوف يزيد من خطر الوفاة جراء الإصابة بالسرطان بمعدل الضعفين. وإذا كان السرطان هو سرطان قولون أو سرطان ثدي، فإن خطر الوفاة بسبب استخدام العلاجات البديلة فقط سوف يرتفع إلى خمسة أضعاف.
جرى نشر نتائج الدراسة المذكورة في مجلة المعهد الوطني للسرطان، وفيها قام اختصاصيون بالتصوير الشعاعي من جامعة يل الأميركية بالتحرّي عن معدلات الوفاة عند مرضى السرطان الذين اختاروا العلاجات الطبية التقليدية أو العلاجات البديلة. وإن النقطة التي ينبغي التأكيد عليها في هذا الصدد، هي أن الباحثين ركزوا فقط على المرضى الذين رفضوا العلاج التقليدي واستخدموا العلاجات البديلة فقط، وليس المرضى الذين استخدموا العلاجات البديلة بالتوازي مع العلاج التقليدي.
والرسالة التي تهدف الدراسة إلى إيصالها واضحة: لا يمكن للعلاجات البديلة أن تحل محل العلاجات الطبية والكيميائية التقليدية. حيث إن العلاجات البديلة لا تعالج جوهر المشكلة أو تتعامل مع السبب الحقيقي للسرطان.
وفي الحقيقة فإن العديد من العلاجات البديلة تعتمد على نفس الفكرة، وهي الحفاظ على صحة عامة جيدة، وذلك عن طريق تناول الفواكه والخضروات واستهلاك كميات وافرة من الفيتامينات، واستنشاق المزيد من الهواء النقي، وتخليص الجسم من السموم. وقد يلجأ مروجو تلك العلاجات البديلة إلى المراوغة عند الحديث عن منتجاتهم وفوائدها، دون أن يدعموا أقوالهم بدراسات علمية.
صحيح أن الحفاظ على صحة جيدة من خلال ممارسة التمارين الرياضية واتباع نظام غذائي متوازن هو أمر مفيد، وأن الإفراط في تناول السكريات يعود بالضرر على الجسم، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يكفي ذلك لمكافحة السرطان؟
السرطان ليس غازياً خارجياً (مثل الفيروسات أو البكتريا) بحيث يمكن طرده بسهولة من الجسم، كما إنه ليس باضطراب وظيفي يمكن علاجه، مثل المرض القلبي. ينجم السرطان عن خلل في بنية الحمض النووي DNA يؤدي إلى تكاثر بعض الخلايا في الجسم بشكل غير منضبطـ، مما يترك آثاراً سلبية على الجسم قد تفضي به إلى الهلاك. وبما أن الخلايا السرطانية تبدو مثل خلايا الجسم الطبيعية، فإن الجهاز المناعي للجسم لا يتعرف عليها ولا يكافحها، حتى وإن أدت إلى تعطيل عمل الأعضاء.
العلاجات الطبية التقليدية قاسية، ولكنها ناجعة
ولعل وجود بعض الفوارق البسيطة بين الخلايا الطبيعية والخلايا السرطانية هو ما يجعل علاج السرطان أمراً ممكناً، سواءً عن طريق العلاج الكيميائي أو الشعاعي. ولكن الخلايا السرطانية تبدو كعدو يتخفى بين حشود من الخلايا الطبيعية، مما يجعل تعرض الخلايا الطبيعية إلى "نيران صديقة" أمراً لا مفر منه.
ولعل أحد الفوارق الرئيسية بين الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية هو أن الخلايا السرطانية تتكاثر بشكل سريع، في حين أن معدل تكاثر الخلايا الطبيعة يكون أبطأ، وبالتالي فهي لا تتأثر كثيراً بالعلاج الكيميائي أو الشعاعي. إلا أن معدل التكاثر في بعض خلايا الجسم يكون مرتفعاً، مثل خلايا الجريبات الشعرية والخلايا في السبيل الهضمي والجلد ونقي العظام، مما يجعلها عرضة للتأثر بعلاج السرطان، ونتيجة لذلك تظهر الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، مثل تساقط الشعر، والإصابة بمشاكل هضمية والحكة وجفاف البشرة، ونقص المناعة (بسبب أن الخلايا المناعية تُصنّع داخل نقي العظم).
نعم، إن الطب الحديث لم ولن يصل إلى درجات الكمال، ولكنه أفضل الخيارات الموجودة. ولا يمكن لأحد أن يدعي بأن علاجات السرطان الحالية هي علاجات مثالية، فهي سموم بكل ما تعنيه الكلمة، ومصممة لقتل خلايا الجسم، ولولا ذلك لما تمكنت من القضاء على الخلايا السرطانية.
جميعنا نود أن نعيش عمراً أطول، وأن نتمتع بصحة جيدة، ونكره سماع عبارة تتوقع لنا الموت في غضون فترة محددة. ولكن ينبغي أن نتذكر بأن الاعتماد على المعالجات البديلة فقط وإضاعة الوقت الثمين معها إلى أن يصبح السرطان في مرحلة متقدمة، هو سلوك غير صحيح مطلقاً.
هناك الملايين من المصابين بالسرطان حول العالم، وينبغي أن نعلم بأن الفضل في بقاء الكثيرين منهم على قيد الحياة يعود إلى الطب الحديث. وعلى الرغم من أن العلم يتقدم بخطوات بطيئة، إلا أنها خطوات ثابتة ومستمرة.