أصبح التباعد الاجتماعي عرفاً في جميع أنحاء العالم لإبطاء انتشار فيروس كورونا، ومع ذلك؛ علينا أن نكون حذرين عند تداول الكلمات التي نستخدمها، لأن لها معانٍ تؤثر على عواطفنا وأفكارنا وأفعالنا.

التباعد الاجتماعي ليست تباعداً عاطفياً

في الواقع، ما هو مفترض أن نفعله ليس التباعد الاجتماعي على الإطلاق، بل هو التباعد الجسدي؛ بهذا المعنى، يجب أن ندرك أن المسافة الاجتماعية ليست مسافةً عاطفية. نحن كبشر خُلقنا وتطورنا لنكون اجتماعيين؛ وبالتالي، يجب أن ننظر إلى علاقاتنا على أنها قضية تتعلق بصحتنا العقلية أثناء الإغلاق.

حدودنا جسدية وليست عاطفية

دائماً ما يُقال لنا في الأخبار وإعلانات التوعية أن علينا المحافظة على المسافة الاجتماعية باعتبارها الإجراء الرئيسي لمنع انتشار فيروس كورونا، لكن علينا أن نتواصل ونساعد ونعتني ببعضنا البعض. صحيحٌ أن هناك قيوداً جسديةً فُرضت علينا في هذه الفترة، ولكنها ليست قيوداً عاطفية. فنحن نحتاج إلى الانخراط في علاقاتنا والاعتماد عليها.

في الواقع؛ تختلف ظروف حياة كل فردٍ منا؛ فمعظمنا إما يعيش وحده، أو محاطاً بأفراد عائلته المقربة، أو في عائلاتٍ مجمّعة، وبالنسبة للكثيرين منا، أصبحت الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي هي النوافذ الوحيدة المتاحة لنا للتواصل مع الأشخاص خارج جدراننا الأربعة؛ حيث نتواصل من خلالها مع عملنا وزملائنا وأصدقائنا وأطفالنا وآبائنا، بينما يمكن لآخرين التواصل جسدياً، ولكن ضمن قيودٍ مصممةٍ بدقة لحماية سلامتهم.

وفي الوقت الذي تمر فيه بقاعٌ كثيرة في العالم بإغلاقٍ كبير، نحتاج لإعادة فتح قلوبنا والتعبير عن مشاعرنا، والتواصل الوثيق مع أحبائنا؛ مدفوعين بحاجتنا الأساسية في روتيننا اليومي، لخلق معنىً لحياتنا معاً.

احتياجات العلاقات المتغيرة خلال جائحة كورونا

 

تضطرب مشاعرنا أثناء العزلة، لذلك؛ ومن بين أسبابٍ أخرى، باتت مستويات القلق بيننا حالياً أعلى بثلاث مرّات في المتوسط مما كانت عليه قبل عام. يجب أن تأخذ العلاقات الاجتماعية هذه التغيرات النفسية أثناء الجائحة بعين الاعتبار؛ فنحن لسنا فقط في ظلّ جائحة فيروس كورونا وحسب، بل أيضاً جائحة الشعور بالوحدة، وهناك جائحة التكنولوجيا. لم يكن يخطر ببال أحدٍ أنه بإمكاننا استخدام التكنولوجيا بهذه الطرق الجديدة والتواصل من خلالها لتخفيف أثر التباعد الجسدي.

اقرأ أيضاً: وباء «الوحدة»: دليلك لعيش حياة متوازنة نفسياً خلال جائحة كورونا

فإذا كنت تتحدث مع والديك مرةً واحدةً كل أسبوع، أو تتواصل مع أصدقائك في عطلة نهاية الأسبوع أو أثناء حدثٍ ما، فقد يحتاج الكثير منا إلى تقصير هذه الفترات الفاصلة بين الاتصال والآخر؛ بحيث نعزز روابطنا العاطفية؛ التي تُعتبر وسيلةً لا تُقدر بثمنٍ لتحسين صحتنا ومواردنا في الوقت الذي أصبح فيه التواصل الجسدي يشكّل خطراً على صحتنا.

الحجر الصحي مليء بعدم اليقين، لكن معرفة أن الأشخاص الذين تحبهم موجودون من أجلك يدخل السّكينة إلى قلبك ويقلل من القلق، ويقوي الصحة العقلية من خلال تخفيف شعورنا بالوحدة، وإدراك قيمة مشاعرنا وعلاقاتنا. لقد حان الوقت كي نتعلّم كيف نكون معاً عاطفياً في الوقت الذي نكون فيه متباعدين جسدياً، حان الوقت للتعبير عن حبّنا للأشخاص الذين نهتم بهم بصراحةٍ وصدقٍ حقيقيَّين؛ فنحن في وقتٍ بأمسّ الحاجة للقيام بذلك.

أن تكون وحيداً هو حالة جسدية، أما الوحدة فهي حالة عاطفية

في الحقيقة؛ نحن نشهد ركوداً اجتماعياً كبيراً، لكن ذلك لا يعني أن نعزل أنفسنا في الشعور بالوحدة. لقد عانى الكثير قبل الوباء من الوحدة رغم وجوده بين الناس، لكن بعضنا الآن لا يشعر بالوحدة رغم أننا وحيدون جسدياً، ولا نرى بعضنا البعض.

ينبغي علينا تعزيز قدرتنا على الصمود والتكيّف مع المِحن والصدمات والمواقف العصيبة، وأحد أهم العوامل التي تساهم في ذلك؛ وجود علاقات مودةٍ ودعم داخل وخارج عائلتنا. قد لا يستطيع الكثير منا إلغاء عزلته الجسدية، ولكن يمكننا تكوين روابط عاطفية مع الأشخاص الذين نحبهم.

بالإضافة إلى ذلك، يمكننا تقديم الدعم لبعضنا البعض، وتحويل الإجهاد ما بعد الصدمة إلى «نموّ» ما بعد الصدمة، وهي نظرية طوّرها «ريتشارد تيديشي» و«لورنس كالهون» في جامعة نورث كارولينا في شارلوت في منتصف التسعينيات، وتنطوي على القدرة على تحقيق تغييرات إيجابية في الحياة بعد حدثٍ صادم. إن إدراك هذا المفهوم بعمقٍ يمنحنا فرصة الاستفادة منه في تجاربنا الخاصة.

وقت التغيير

حان الوقت للتواصل مع بعضنا البعض؛ فالوقت مناسب الآن لنعتني بوالدينا وبالآخرين الذين اعتنوا بنا لسنواتٍ عديدةٍ مضت. علينا التفكير في الأشخاص الذين ندرك أنهم يعانون ونتواصل معهم؛ فمشاركة مشاعرنا وعواطفنا هي طريقة رائعة للانفتاح على بعضنا البعض، وتخفيف التوتر والقلق، وإظهار حاجتنا للآخرين، والانخراط في علاقاتٍ صادقةٍ وأصيلة معهم.

سنتفاجأ بأننا لا نعرف شيئاً عن الكثير من الأشخاص الذين كنا نتواصل معهم لسنوات، لا نعلم كيف يشعرون ويتعاملون مع الوباء، وكيف يعيدون بناء حياتهم. بإمكاننا تجاوز منطقة الراحة الخاصة بنا والتواصل مع بعضهم، وتعميق علاقاتنا الاجتماعية معهم.

الأشخاص القادرون على التكيّف يتقبّلون الأحداث بشكلٍ أفضل وبواقعية أكثر. عندما تتقبل حدثاً ما، فأنت تدرك أنك غير قادرٍ على التحكم به، وتصبح أكثر قدرةً على الانخراط في المنفعة المتبادلة مع الآخرين. ستبدأ في إدراك كم نحتاج بعضنا البعض. سيساعدنا هذا النوع من الأفكار والأفعال على مواجهة الصعاب بقوة، واجتيازها بأمان خلال أكبر أزمة صحية عامة في حياتنا.