كيف تصل إلى حالة التدفق الذهني التي تمنحك السعادة؟

5 دقائق
التدفق الذهني
قد تجد التدفق في العمل على مسألة حسابية معقدة، أو تحضير وصفة طعام صعبة، أو القيام بخدعة تزلج محفوفة بالمخاطر. حقوق الصورة: أنسبلاش.

غالباً ما نبدأ السنة الجديدة مع قراراتٍ جديدة، يتعلق بعضها باستعادة لياقتنا البدنية، أو تخصيص المزيد من الوقت للعائلة والأصدقاء. قد لا تتشابه قراراتنا تماماً، ولكن أي قرار من قراراتنا يمثل خطة لشيء جديد أو مختلف قليلاً. أثناء قيامك بصياغة قراراتك لعام 2022، آمل أن تضيف قراراً موجوداً أيضاً في قائمتي: أريد أن أشعر بمزيد من التدفق.

بدأ بحث عالم النفس «ميهالي تشيكسينتميهاليي» حول «التدفق- Flow» في السبعينيات، وقد أطلق عليه «سر السعادة». التدفق هو حالة من «التجربة المثلى» يمكن لكل منا دمجها في حياته اليومية، وتتميز بسعادة غامرة تجعل المرء يشعر بأن الحياة تستحق العيش.

ماذا تعني حالة التدفق؟

في السنوات التي تلت ذلك، زادت معرفة العلماء كثيراً حول ما يعنيه أن تكون في حالة تدفق، ومدى أهمية تجربتها لصحتنا العقلية ورفاهنا بشكلٍ عام. باختصار، عندما نكون في حالة تدفق، فإننا نستغرق تماماً في نشاطٍ مجزٍ جداً ونفقد الشعور بأنفسنا مبتعدين عن مونولوجاتنا الداخلية.

يقول الكاتب إنه أستاذ مساعد في علوم الاتصال والمعرفة، وقد كان يدرس التدفق على مدى السنوات العشر الماضية. ويضيف: «يقوم مختبري البحثي بالتحقيق فيما يحدث في أدمغتنا عندما يختبر الناس التدفق. هدفنا هو فهم كيفية حدوث التجربة بشكل أفضل وتسهيل شعور الناس بالتدفق والاستفادة منه».

اقرأ أيضاً: يمكنك فعلاً شراء السعادة عن طريق شراء الوقت

كيف تشعر وأنت في حالة التدفق؟

كثيراً ما يقول الناس أن التدفق يشبه «الشعور بالانغماس التام»، ويصفه عالما النفس جين ناكامورا وسيكسزينتميهاليي بأنه شيء أكثر من ذلك. عندما يشعر الناس بالتدفق، يكونون في حالة تركيز شديد، أي أن تفكيرهم يكون مركزاً على التجربة التي يمرون بها بدلاً من التركيز على أنفسهم، فيفقدون الإحساس بالوقت ويشعرون كما لو أن هناك اندماجاً بين وعيهم وبين ما يقومون به، وأنهم يسيطرون على الموقف، وأن التجربة لا تسبب لهم الإجهاد أو التوتر.

الأهم من ذلك، التدفق حالة يصفها الباحثون بأنها تجربة ذات هدف أو مقصودة (Autotelic)، وتُشتق هذه الكلمة من كلمتين يونانيتين؛ (autos) وتعني «نفس»، و (telos) وتعني «نهاية أو هدف». التجارب المقصودة (أو التلقائية) هي أشياء تستحق القيام بها في حد ذاتها، ويسميها الباحثون أحياناً التجارب المجزية في جوهرها، وكذلك هي تجارب التدفق، مجزية في جوهرها.

اقرأ أيضاً: هل الاستخدام الدائم لهاتفك الذكي يشعرك حقاً بالسعادة؟

ما الذي يسبب الشعور بالتدفق؟

يحدث التدفق عندما تتم موازنة تحدي المهمة بمهارة الفرد. في الواقع، يجب أن يكون كل من تحدي المهمة ومستوى المهارة عالياً، فأنا غالباً ما أخبر طلابي أنهم لن يشعروا بالتدفق عندما يقومون بغسل الأطباق، لأن معظم الناس بمهارات عالية في غسل الصحون، وهي مهارةٌ ليست بالمستوى المطلوب من التحدي.

متى يشعر الناس بالتدفق؟ 

ركز بحث تشيكسينتميهاليي في السبعينيات على الأشخاص الذين يؤدون المهام التي يستمتعون بها، فدرس السباحين والملحنين الموسيقيين ولاعبي الشطرنج والراقصين ومتسلقي الجبال وغيرهم من الرياضيين، واسكتشف لاحقاً كيف يمكن للناس أن يجدوا التدفق في التجارب اليومية أيضاً. بالنسبة لي، أتوق إلى التزلج على الجليد وأشعر بانتظام بالتدفق على الجبل، بينما يشعر الآخرون بالتدفق عندما يمارسون اليوجا أو عندما يركبون دراجة أو يطبخون أو يذهبون للركض. طالما أن تحدي المهمة مرتفع ومهاراتك مناسبة، يجب أن تكون قادراً على تحقيق التدفق.

ويدرك الباحثون أيضاً أنه يمكن للأشخاص تجربة التدفق باستخدام الوسائط التفاعلية، مثل ألعاب فيديو. يقول تشيكسينتميهاليي: «من الواضح أن الألعاب هي أنشطة تدفق بامتياز». ويدرك مطورو الألعاب هذه الحقيقة جيداً، ويأخذونها بعين الاعتبار عند تصميم الألعاب بحيث تجعل اللاعبين يشعرون بالتدفق. 

التدفق الذهني
يحدث التدفق عندما يكون تحدي المهمة - ومهارات الفرد في المهمة - مرتفعًا. حقوق الصورة: ناكامورا/ تشيكسينتميهاليي.

ما فائدة الشعور بالتدفق؟

كما ذكرت منذ قليل، دعا تشيكسينتميهاليي التدفق «سر السعادة». لماذا؟ لسبب واحد، وهو أن تجربة التدفق تساعد الناس على السعي وراء أهدافهم طويلة المدى، حيث يظهر البحث أن أخذ استراحة للقيام بشيء ممتع يمكن أن يساعد في تعزيز ضبط النفس والاستمرار في السعي وراء الهدف والرفاهية.

لذلك في المرة القادمة التي تشعر فيها بالذنب عند لعب إحدى ألعاب الفيديو، تذكر أنك تفعل شيئاً يمكن أن يساعدك على تحقيق النجاح والعافية على المدى الطويل. من المهم في هذا الصدد أيضاً أن تكون تجربة التدفق ذات جودة عالية، بغض النظر عن الكمية، إذ تظهر الأبحاث أن ممارسة ألعاب الفيديو لها تأثير ضئيل جداً على صحتك العامة، لذلك بدلاً من قضاء المزيد من الوقت في ممارسة الألعاب، ركز على العثور على الألعاب التي تجعلك في حالة تدفق.

لقد أظهرت دراسة حديثة أيضاً أن التدفق يساعد الناس على الصمود في مواجهة الشدائد. يرجع ذلك جزئياً إلى أن التدفق يمكن أن يساعد في إعادة تركيز الأفكار على الأشياء الممتعة والابتعاد عن الأشياء المرهقة، وقد أظهرت الدراسات أيضاً بالفعل أن تجربة التدفق يمكن أن تساعد في الوقاية من الاكتئاب والاحتراق.

ويُظهر البحث أيضاً أن الأشخاص الذين اختبروا مشاعر تدفق أقوى خلال الحجر الصحي الذي طُبق أثناء جائحة فيروس كورونا تمتعوا بصحة أفضل مقارنة بمن لم يختبروا أو كانت تجربة التدفق لديهم ضعيفة. قد يعود السبب في ذلك إلى أن تجربة التدفق ساعدتهم على تشتيت انتباههم عن القلق.

اقرأ أيضاً: العلم يقول: المال لا يجلب السعادة

ماذا يفعل دماغك أثناء التدفق؟

درس الباحثون التدفق لما يقرب من 50 عاماً، لكنهم بدؤوا مؤخراً فقط في كشف ما يحدث في الدماغ أثناء التدفق. اقترح زميلي عالم الأعصاب رينيه ويبر، أن التدفق مرتبط بتكوين معين لشبكة الدماغ.

تظهر الدراسات التي تدعم فرضية ويبر أن التجربة مرتبطة بنشاط هياكل الدماغ المتعلقة بالإحساس بالمكافأة والسعي وراء الأهداف. قد يكون هذا أحد الأسباب التي تجعل التدفق ممتعاً للغاية وتزيد تركيز الناس على المهام التي تجعلهم يشعرون بالتدفق. وتظهر الأبحاث أيضاً أن التدفق مرتبط بانخفاض النشاط في هياكل الدماغ المسؤولة عن التركيز على الذات. قد يفسر هذا السبب في أن الشعور بالتدفق يمكن أن يصرف انتباه الناس عن القلق.

لنتمكن من دراسة التدفق بشكل أفضل، طورت أنا وويبر وجاكوب فيشر لعبة فيديو تسمى (Asteroid Impact) لمساعدتنا على دراسة التدفق بشكل أفضل. يقوم المشاركون ضمن بحثي الخاص أثناء فحص أدمغتهم بلعب هذه اللعبة، وقد أظهر البحث في هذه المرحلة أن التدفق المرتبط بتكوين معين لشبكة الدماغ لا يتطلب سوى طاقة منخفضة. قد يساعد هذا في تفسير سبب عدم شعورنا بأن حالة التدفق متطلبةٌ جسدياً أو عقلياً. لقد أوضحت أيضاً أنه بدلاً من الحفاظ على تكوين شبكة واحد مستقر، يقوم الدماغ بالفعل بتغيير تكوين شبكته أثناء التدفق، وذلك مهم لأن إعادة تشكيل الدماغ لشبكته بسرعة يساعد الناس على التكيف مع المهام الصعبة.

التدفق الذهني

يقوم لاعب في سفينة فضاء بجمع البلورات وتجنيب الكويكبات الاصطدام بها في لعبة Asteroid Impact

اقرأ أيضاً: هل الحنين إلى الماضي يشعرنا بالحزن أم بالسعادة؟

ماذا يمكن للدماغ أن يخبرنا أيضاً؟

لا يعرف الباحثون في الوقت الحالي كيف تساهم استجابات الدماغ المرتبطة بالتدفق في الرفاهية، حيث لا توجد أبحاث في هذا الشأن على الرغم من أن هناك استثناءات قليلة، وجميع الدراسات في علم الأعصاب التي وصفتها سابقاً كانت مترابطة وليست سببية. بعبارة أخرى، يمكننا أن نستنتج أن استجابات الدماغ هذه مرتبطة بالتدفق، ولكن لا يمكننا أن نستنتج أن استجابات الدماغ هذه تسبب التدفق.

يعتقد الباحثون أن العلاقة بين التدفق والرفاهية مرتبطة بثلاثة أشياء: قمع تنشيط الدماغ في الهياكل المرتبطة بالتفكير في ذواتنا، وتثبيط التنشيط في الهياكل المرتبطة بالأفكار السلبية، وزيادة تنشيط مناطق معالجة المكافأة.

أعتقد وأجادل بأن اختبار هذه الفرضية أمر حيوي. لقد بدأ المهنيون الطبيون باستخدام ألعاب الفيديو في التطبيقات السريرية للمساعدة في علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وربما يأتي يوم ما يصف فيه الطبيب لعبة فيديو معتمدة من إدارة الغذاء والدواء كوصفةٍ للمساعدة في تعزيز مرونة شخص ما أو مساعدته في محاربة الاكتئاب.

ربما يتحقق هذا الأمر في المستقبل إذا كان ذلك ممكناً. في الوقت الحالي، آمل أن تتخذ قراراً بالبحث عن المزيد من التدفق في حياتك اليومية. قد تجد أن هذا يساعدك في تحقيق قراراتك الأخرى أيضاً.

المحتوى محمي