التمارين الرياضية يمكنها مساعدتك إذا كانت جيناتك تعرضك لخطر الإصابة بأمراض القلب

4 دقائق
كل من التمارين الهوائية وتمارين القوة هي جيدة لصحة القلب والأوعية الدموية.

كلنا نعلم بأن التمارين مفيدة جداً لنا. إذ يؤكد أخصائيو الصحة ومحترفو اللياقة البدنية على الفوائد التي يحققها النشاط البدني على صحة الإنسان، وخاصة صحة القلب والأوعية الدموية. وهناك بعض الأدلة العلمية القوية التي تدعم ذلك. ولكن في حين أننا نعلم بأن التمارين الرياضية جيدة بشكل عام لصحة القلب، إلا أن معرفتنا أقل عن الكيفية التي يمكن أن تستفيد منها بعض المجموعات الخاصة من الناس، ولا سيما تلك المعرضة لزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ويُعتقد بأن تمارين التحمل المنتظمة تساعد على حماية الأشخاص الذين يمتلكون الجينات التي تعرضهم لخطر الإصابة بمشاكل القلب، ولكن إلى أي مدى يمكنها أن تكون مفيدة؟

قد تساعد إحدى الدراسات التي نشرت هذا الشهر في دورية Circulation في توضيح هذا السؤال. إذ قام الباحثون بتحليل البيانات مما يقرب من 500 ألف شخص سجلوا في دراسة صحية طويلة الأمد في المملكة المتحدة. وبمساعدة الاختبارات الجينية، اختار العلماء هؤلاء الأفراد لأن لديهم بعض العوامل الوراثية التي تعرضهم لازدياد خطر الإصابة بأمراض القلب. ويُذكر أن خطر إصابة الفرد بالعديد من الأمراض - مثل السرطان والسكري وأمراض القلب وبعض أمراض المناعة الذاتية - ينشأ في الغالب عن مزيج من الجينات والبيئة ونمط الحياة.

قام الباحثون بتتبع هؤلاء الأفراد (الذين تتراوح أعمارهم بين 40 إلى 69 عاماً) خلال فترة تمتد من 10 إلى 15 سنة، وطلبوا منهم تسجيل عدد مرات ممارسة التمارين الرياضية وطريقة ممارستها، بالإضافة إلى مطالبتهم بارتداء أجهزة لتعقب الأنشطة. كما قاموا بتسجيل قوة القبضة أيضاً، أو مقدار القوة التي يمكن بذلها على جسم قابل للانضغاط، والتي تعطي فكرة جيدة عن قوة الشخص الإجمالية.

في نهاية الفترة الزمنية، قام العلماء بتحليل العلاقة بين مقدار ممارسة الأشخاص للرياضة ومخاطرهم الجيني والأمراض التي نتجت، سواء عانوا من نوبة قلبية أو انسداد في الشرايين أو علامة أخرى على أمراض القلب والأوعية الدموية.

من بين أولئك المعرضين لخطر متوسط، كان المشاركون ذوو القبضة الأقوى أقل عرضة للإصابة بأحد أنواع أمراض القلب الذي يسمى مرض الشريان التاجي - والذي يحدث عندما تتراكم اللويحة في الشرايين مما قد يؤدي إلى انسدادها والتسبب بنوبة قلبية - بنسبة 36 بالمئة من أولئك الذين لديهم نفس الخطر ولكن بقبضة أضعف. كما كان لدى الأشخاص ذوي القبضة الأفضل فرصة أقل بنسبة 46 بالمئة للإصابة بالرجفان الأذيني، والذي يحدث عندما يؤدي نقص إمدادات الدم إلى نبضات غير منتظمة للقلب.

أما عند الأفراد المعرضين لأعلى خطر وراثي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، فقد انخفض لدى أولئك الذين شاركوا في الكثير من تمارين القلب والأوعية الدموية (مثل الركض أو الأنشطة الهوائية الأخرى) خطر الإصابة بمرض الشريان التاجي بنسبة 49 بالمئة، كما انخفض خطر الإصابة بالرجفان الأذيني بنسبة 60 بالمئة بالمقارنة مع نظرائهم الذين شاركوا في القليل من التمارين الهوائية.

وبالنظر إلى المعرفة الشائعة والفكرة الروتينية حول أن ممارسة الرياضة تؤدي إلى صحة جيدة، فقد لا تبدو هذه النتائج مثيرة للاهتمام أو الدهشة. لكن العلماء لم يحددوا بالكامل كمية الفوائد المحتملة للتمارين الرياضية على الأشخاص المعرضين لعوامل خطر وراثية معروفة.

ويقول معدّ الدراسة إيريك إنجلسون، وهو باحث في أمراض القلب والأوعية الدموية بجامعة ستانفورد: "إن الشيء الرئيسي الذي يتم تعزيزه ويثبت بأنه صحيح هو الفكرة القائلة بأنه كلما زاد النشاط البدني واللياقة البدنية، كلما انخفض احتمال الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في المستقبل". لكنه يقول بأن ذلك يخبرنا شيئاً لم نكن متأكدين منه: "لم نكن نعرف من قبل بأن هذه الارتباطات هي نفسها بالنسبة للأشخاص المعرضين لمخاطر عالية لأمراض القلب والأوعية الدموية وأولئك الذين لديهم خطر أقل. وينطبق نفس النوع من النصائح على كليهما".

ومن الجدير بالذكر أن أمراض القلب شائعة جداً في الولايات المتحدة والعالم، إذ تعدّ السبب الرئيسي للوفاة بين الرجال والنساء، سواء في الولايات المتحدة أو العالم بأسره. وخلافاً لبعض الأمراض، غالباً ما تنشأ احتمالات الإصابة بالمرض من الوراثة. وفي حين أن بعض الحالات النادرة التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب تنجم عن تغيرات جينية أحادية أو زوجية - مثل الاضطرابات التي تؤثر على عضلات القلب أو نظْم القلب الكهربائي أو الميل إلى تشكيل لويحات من الكوليسترول المرتفع في الدم – إلا أن معظم حالات مرض الشريان التاجي تنتج عن عدد أكبر من التغييرات الجينية. فحتى الآن، تمكن الباحثون من تحديد ما لا يقل عن 67 موضعاً في الحمض النووي يمكنها أن تزيد من فرص الإصابة بأمراض القلب. في كل موضع، يمكنك أن ترث نسخة واحدة أو اثنتين أو ألا ترث أي نسخة من هذه الجينات. وكلما ازداد عدد نسخ الجينات التي تمتلكها، كلما ازداد خطر الإصابة بأمراض القلب.

لكن أمراض القلب لا تؤدي إلى الموت بالضرورة. حيث تم تطوير عدد كبير من الأدوية والتدخلات الجراحية لعلاج هذه الأمراض. ويقول إنجلسون بأن ما تضيفه هذه الدراسة هو فكرة أن كل من التمارين الهوائية وتمارين القوة يمكنها أن تكون وسيلة فعالة من حيث التكلفة لمنع أو تجنب الإصابة بأمراض القلب.

ويشير إنجلسون إلى أن الدراسة لا تظهر سوى وجود علاقة بين أمراض القلب والتمارين الرياضية، مما يعني بأنه لا يمكن إثبات أن التمارين الرياضية تؤدي بشكل مباشر إلى انخفاض أمراض القلب. هذا النوع من الارتباط يصعب إثباته لأن هناك العديد من المتغيرات الأخرى - مثل الإجهاد والنظام الغذائي على سبيل المثال - التي يمكن أن تلعب دوراً في ذلك. ومع ذلك، فإن المجموعة الكبيرة التي قاموا بدراستها – 500 ألف شخص – تظهر الاتجاه المتوسط وتستبعد القيم المتطرفة بشكل أفضل بكثير من مجموعة أصغر من الناس.

ويعترف إنجلسون بأن البيانات يمكن أن تكون مختلفة إذا ما قاموا بتتبع الأفراد لمدة تزيد عن 15 عاماً. لكنه يعتقد بأنه من المرجح أن تميل أكثر بنفس الاتجاه، أي أن يصبح انخفاض احتمال الإصابة بأمراض القلب أكثر وضوحاً، ويضيف: "من المحتمل أن تتراكم التأثيرات على مر السنين".

ومع ذلك، إذا كنت تعاني من أمراض القلب (أو أي حالة طبية أخرى) فيجب عليك ألا تبدأ أبداً بأي برنامج تمارين رياضية دون التحدث مع طبيبك أولاً. لن يتمكن سوى طبيبك من تقييم مدى قيام جسمك - بما في ذلك جهاز القلب والأوعية الدموية – بوظائفه، وما هو مستوى التمارين التي يمكنه تحملها. لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع في اللياقة البدنية، وهذا الأمر صحيح بشكل خاص إذا كنت معرضاً لخطر الإصابة بالنوبة القلبية.

ويقول إنجلسون بأن مجاله البحثي التالي هو استخدام علم الوراثة لمعرفة نوع التدريب الذي من شأنه أن يفيد كل شخص. إذ وجد الباحثون بالفعل بأن جينات بعض الناس تجعلهم أفضل في الجري السريع بدلاً من الركض لمسافات طويلة، أوفي تدريبات القوة بدلاً من الأنشطة الهوائية. لكن إنجلسون يريد معرفة فيما إذا كانت جيناتنا تستطيع أن تخبرنا ما هو نوع التدريب الذي من شأنه أن يفيدنا بشكل أكثر تخصيصاً. وبهذه الطريقة، يمكننا تحقيق أقصى استفادة من التمارين الرياضية التي نعمل جاهدين على ممارستها.

المحتوى محمي