الحساسية مرض شائع
على عكس الحالات المرضية الأخرى، فإن الأشخاص المصابين بالحساسية يتمتعون بصحة كاملة في كل الحالات إلا عندما يتعرضون للمادة المسببة للحساسية، والتي لا تشكّل أي خطر عادةً على الآخرين. ففي الحالة الطبيعية، يقوم الجهاز المناعي بالدفاع عن الجسم من خلال مواجهة الأجسام المؤذية كالبكتيريا والفيروسات، ولكنه يُبدي في بعض الحالات استجابة للأجسام والمواد غير الضارة كهذه المواد المحفّزة، وهو ما يسمى بالحساسية. وتشمل هذه المواد الغبار وحبوب اللقاح والعفن ووبر الحيوانات وبعض الأطعمة والأدوية بالإضافة إلى غيرها من المواد الأخرى. وتعدّ الحساسية حالة مرضية شائعة جداً، إذ تقدّر الأكاديمية الأمريكية للحساسية والربو وأمراض المناعة بأن ما يصل إلى 50 مليون شخص في الولايات المتحدة (واحد من كل خمسة أشخاص أميركيين) يعانون من بعض أنواعها. أما مؤسسة خدمات الصحة في المملكة المتحدة، فتقدّر بأنها تصيب شخصاً واحداً من كل أربعة أشخاص في المملكة المتحدة في مرحلة ما من حياتهم.
ولا يعرف الأطباء لماذا يعاني بعض الناس من الحساسية دون غيرهم. ولكن يبدو بأن الحساسية تصيب العائلات ويمكن أن تكون موروثة. فإذا كان أحد أفراد الدرجة الأولى في عائلتك يعاني من الحساسية، فأنت معرض لخطر أكبر للإصابة الحساسية. وعلى الرغم من أن الحساسية هي أكثر شيوعاً عند الأطفال، إلا أنها يمكن أن تحدث في أي وقت وفي أي عمر. وتختفي الحساسية أحياناً لتعود بعد عدة سنوات.
تبدأ الحساسية عندما يحصل اتصال بين الجسم والمادة المسببة للحساسية، سواءً من خلال استنشاقها أو تناولها أو تماسها مع الجلد. واستجابة لذلك، يبدأ الجسم بإنتاج بروتين يسمى الجلوبولين المناعي إي، ثم يتمّ تحرير الهيستامين وغيره من المواد الكيميائية في الدم، وهو ما يسبب ظهور أعراض الحساسية.
قد تسبب الحساسية أعراضاً متفاوتة وفقاً لنوعها، ويمكن أن تختلف من شخص إلى آخر، حيث تتراوح من الحساسية البسيطة إلى الحساسية المفرطة الشديدة والتي قد تودي بحياة الشخص. إذ أن التعرض لمسببات الحساسية في الأوقات التي تكون فيها دفاعات الجسم ضعيفة، مثل الفترة التالية للمرض أو أثناء الحمل، قد يلعب دوراً في ذلك.
اقرأ أيضا: كيف يمكن معالجة حساسية الجلوتين.
الحساسية التنفسية
يلعب الأنف دوراً رئيسياً في الجهاز التنفسي حيث أنه يعدّ بمثابة ممر لتدفق الهواء، ويساعد على تدفئة وترطيب الهواء الخارجي قبل أن يدخل الرئتين، كما أن الشعيرات الصغيرة والمواد المخاطية التي تبطن الممرات الأنفية تساعد على احتجاز المواد غير المرغوب فيها قبل دخولها إلى الجسم. ويعدّ التهاب الأنف التحسسي إحدى حالات حساسية الجهاز التنفسي. إذ يتحسس الشخص المصاب من بعض الجسيمات المحتجزة في الأنف كالغبار وحبوب اللقاح والجسيمات المجهرية الأخرى. وتحفز هذه المواد الغدد المخاطية على زيادة الإفرازات، مما يؤدي إلى توسيع الأوعية الدموية وبالتالي حدوث الاحتقان والضغط، وتحفيز الأعصاب الحسية وبالتالي حدوث العطاس والحكة. ويمكن أن تحدث كل هذه الأعراض في غضون دقائق من التعرض للمواد المسببة للحساسية، ويمكن أن تستمر لساعات أو حتى أيام، وقد تكون مزعجة جداً لدرجة أنها تؤثر في بعض الأحيان على القدرة على النوم والتركيز بالإضافة إلى الإحساس بالتعب أو عدم الراحة.
الحساسية الغذائية
تعتبر الحساسية الغذائية شائعة جداً. فهي في الواقع تؤثر على حوالي 5٪ من البالغين و8٪ من الأطفال. وعلى الرغم من أن أي طعام يمكنه أن يسبب الحساسية، إلا أن معظم حالات الحساسية الغذائية تنجم عن ثمانية أطعمة فقط وهي حليب الأبقار، والبيض، والمكسرات والبذور المستخلصة من الأشجار، والفول السوداني، والمحار، والقمح، والصويا، والسمك. ويقوم الجهاز الهضمي في هذه الحالة بالتعرّف على بعض البروتينات الموجودة في الطعام على أنها مواد ضارة، لتبدأ عملية الحساسية بالتطور. ويمكن أن تظهر أعراض الحساسية بعد فترة تتراوح من عدة دقائق إلى عدة ساعات من تناول الطعام المسبب للحساسية. ويمكن أن تشمل هذه الأعراض تورم اللسان أو الفم أو الوجه، وصعوبة التنفس، وانخفاض ضغط الدم، والتقيؤ، والإسهال، والطفح الجلدي والحكة.
الحساسية الجلدية
عندما يحدث تماس بين إحدى المواد المسببة لهذا النوع من الحساسية والجلد، يعتقد الجهاز المناعي بأنه يتعرض للخطر، ويستجيب من خلال الآلية التحسسية لمواجهتها. وتكون النتيجة ظهور طفح جلدي مسبب للحكة عند منطقة تماس الجلد مع المادة. ويمكن لأي مادة أن تسبب الحساسية، ولكن أكثرها شيوعاً معدن النيكل المستخدم في المجوهرات، والصابون والشامبو، ومستحضرات التجميل والوقاية من الشمس، وبعض الأدوية والعطور ومواد التنظيف، والنباتات والمطاط بالإضافة إلى غيرها من المواد الكيميائية. ومن الجدير بالذكر بأن الأمر يستغرق 10 أيام على الأقل حتى يصبح الشخص حساساً للمادة بعد أول تماس معها. كما أنه من الممكن لمس المادة لسنوات قبل أن تتطور الحساسية تجاهها.
الأنواع الأخرى للحساسية
هناك أنواع أخرى كثيرة من الحساسية. ولعل أكثرها شيوعاً حساسية العيون التي تصيب الطبقة الرقيقة التي تغطي العين من الأمام وداخل الجفون، وهو ما يدعى بالتهاب الملتحمة التحسسي. ويعود سببه إلى نفس المواد المسببة لحساسية الأنف كالغبار وحبوب اللقاح ووبر الحيوانات. كما أن هناك أيضاً الحساسية الدوائية، والتي يقوم الجسم فيها باستجابة تحسسية تجاه بعض الأدوية التي يأخذها الشخص. ويمكن أن تحدث بعض الأعراض كالطفح الجلدي والحكة واحتقان الأنف وتورم الأنف أو الحنجرة. ويعدّ البنسلين وغيره من المضادات الحيوية المماثلة من أكثر الأدوية التي يتحسس تجاهها الناس. أما الأدوية الأخرى الشائعة التي تسبب الحساسية، فتشمل أدوية السلفا، والباربيتورات، والأدوية المضادة للصرع، والأنسولين.
تشخيص وعلاج الحساسية
لتشخيص الحساسية، يقوم الطبيب بسؤال المريض أسئلة تتعلق بالأعراض التي يعاني منها ووقت ظهورها، وعن المسببات المحتملة. ويسأل الطبيب أيضاً عن سوابق إصابة العائلة بأي نوع من أنواع الحساسية. كما قد يوصي الطبيب بإجراء اختبارات خاصة لمعرفة المواد المسببة للحساسية.
أما التدبير الأفضل للحساسية، فهو تجنب التعرض للمواد المسببة لها. على الرغم من استحالة ذلك في بعض الحالات، كالشخص الذي يتحسس من الغبار مثلاً. وفي حين أن الأدوية تفيد في علاج الأعراض، إلا أنها لا تؤدي إلى الشفاء التام من الحساسية. ومع أن معظم أدوية الحساسية تباع دون وصفة طبية، إلا أنه لا بدّ من استشارة الطبيب قبل أخذ الدواء. ومن أمثلة هذه الأدوية مضادات الهستامين ومزيلات الاحتقان ومضادات اللوكوترينات وبخاخات الستيرويدات. أما الحساسية المفرطة والشديدة، فهي تعدّ حالة إسعافية، وقد تتطلب حقن الأدرينالين والإنعاش وفتح الممرات التنفسية والأكسجين والسوائل الوريدية.
وأخيراً، فإن عدد المرضى الذين يعانون من الحساسية حول العالم في ازدياد، ويبدو بأن تدابير الرعاية الصحية الحالية غير كافية للسيطرة على هذا المرض. ولكن هناك العديد من الأبحاث التي تدرس العلاج المناعي للحساسية كخيار مستقبلي للشفاء من هذا المرض قريباً.